اتق الله حيثما كنت
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله وراقبوه في السر والعلن, واعلموا أنه لا يخفى عليه شيء من أمركم.
روى أحمد والترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتقِ الله حيثما كنت, واتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن ).
والتقوى يا عباد الله: هي طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية, بفعل الواجبات وترك المحرمات. وهي وصية الله للأولين والآخرين. لأنها سبب سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾. ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾. ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾. ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ ، ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ . ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾. ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾. ﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ﴾. وغير ذلك من الآيات الدالة على فضل التقوى.
فإذا اتقيت الله أيها المسلم: " رزقك, ويسر لك أمورك, وأخرجك من المآزق, وعلمك ما ينفعك، وعظَّم أجرك, ونصرك, وغفر لك ذنوبك, وأنجاك من النار ". فيا لها من فضائل يغفل عنها الكثير !!
ويجب على المسلم أن يتقي الله في كل مكان وزمان وحال, لما سمعتم في الحديث: ( حيثما كنت ).
في الغيب والشهادة, والسر والعلن. في بيتك, وسيارتك, وأنت مع أصحابك, وأنت مع زوجتك على الفراش, وأنت جالس أما جهاز الكمبيوتر, وأنت جالس على كرسي الوظيفة, وأنت تبيع وتشتري, في إقامتك وسفرك, فإن من المسافرين من يضع التقوى في بيته قبل المغادرة, ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ .
فعلى المسلم أن يتقي الله حيثما كان في سر أو جهار في ليل أو نهار فإن الله مطلع عليه لا يغيب عنه من أمر عبده شيء .
ثم لما كان العبد لابد وأن يقع منه تقصير في حقوق التقوى وواجباتها .
أمره النبي صلى الله عليه وسلم بما يدفع ذلك ويمحوه فقال: ( وأتبعِ السيئة الحسنة تمحها ) . إذا غلبتك نفسك فوقعت في معصية, فلا تستسلم لها, ولا تجعلها بابا ليأسك وضعفك واستسلامك مهما عَظُمَت, وبادر بالتوبة الصادقة, وفعل الطاعة التي تمحو بها ما بدر منك, فإن الحسنات يذهبن السيئات. ولا تجعل للشيطان بابا ينفذ إليك منه.
واعلم أن الله أرحم من الوالدة بولدها, ومن رحمته أن يسر لعباده المكفرات التي يكفر بها ذنوب عباده مهما عظمت, فالإسلام يهدم الكفر وما عمل فيه صاحبه من الموبقات, والتوبة الصادقة تهدم ما قبلها من الذنوب, والحج المبرور يهدم ما كان قبله والصلوات الخمس والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر والحسنة الواحدة يمحو الله بها ما شاء من صغائر عبده, والعفو عن الناس حين يخطئون عليك ومقابلة الإساءة بالإحسان سبب لتكفير السيئات, ومن فضل الله أن العبد إذا تاب وأناب إلى ربه غفر له سيئاته ثم أبدلها له حسنات فالحمد لله على فضله وجوده وكرمه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد عباد الله:
الوصية الثالثة التي اشتمل عليها الحديث الكريم:
الوصية بحسن الخلق في التعامل مع الناس فقال: ( وخالق الناس بخلق حسن ).
لقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ . وروى الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم ). وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق ). وروى ابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبركم بأحبكم إلى و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقاً ).
ومحاسن الأخلاق كثيرة ومنها : طلاقة الوجه وإفشاء السلام والسخاء والصدق والوفاء والأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار وتفريج الكربات وعيادة المرضى وشهود الجنائز وتعزية المسلم في المصيبة وتهنئته بما يفرحه في غير معصية.
ومن الكلمات الجامعة في حسن الخلق:
أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به .
ومِن حسن الخلق: كف الأذى عن الناس وهذا إذا لم تستطع أن تحسن إليهم فلا أقل من أن تكف أذاك عنهم فلا تعتدي عليهم في نفس أو عرض أو مال.
وأولى الناس بحسن خلقك: هم والداك وزوجتك وأولادك ثم الأقرب فالأقرب .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين ؛ اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
** انتهت الخطبة **
|