ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ
رَبًّا وبِالإِسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ ﷺ رَسُولاً
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ
الله: اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا أَنَّ لِلإيمانِ حَلاوةً يَشْعُرُ بِها
المؤمنُ الصادِقُ في قَلْبِهِ، وَلَذَّةً لا تَعْدِلُها لَذَّةٌ، تَفُوقُ كُلَّ
لَذَّةٍ، هِيَ سَبَبُ سَعادَتِهِ، وانْشِراحِ صَدْرِهِ، واسْتِنارَةِ قَلْبِهِ،
ورِضاه، وذَهابِ هُمُومِهِ وغُمُومِهِ، وفَلاحِهَ، ونَجاتِه في الدنيا والآخِرَةِ.
وهذه الحَلاوَةُ لا تُذاقُ بِالأَمانِي والدَّعاوَى، لِأَنَّها سَهْلَةٌ
بِالدَّعْوَى وَاللِّسَانِ، وَلَكِنَّها مِنْ أَصْعَبِ الأُمُورِ عِنْدَ
الحَقِيقَةِ وَالاِمْتِحَانِ، فَلا يَذُوقُها إِلَّا مَنْ قامَتْ بِهِ شرائِطُ
الإيمانِ، والتي أَهَمُّها وأَساسُها: ما وَرَدَ في قَوْلِ النبيِّ صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ
رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وبِالإِسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ).
لِأَنَّ الرِّضا هُوَ بابُ الإيمانِ الأَعْظَمِ.
فَمَعْنَى الرِّضا
بِاللهِ رَبًّا: أَنْ تَرْضَى بِأَنَّه إِلَهُكَ ومَعْبُودُكَ الذي لا
يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ سِواه، فَتُفْرِدُه بِالْمَحَبَّةِ والخَوْفِ والرَّجاءِ
والدُّعاءِ والتَوَكُّلِ والاسْتِعانَةِ، وسائِرِ العِباداتِ. وتَرْضَى بِحُكْمِهِ
وتَدْبِيرِ،ِ وقَضائِهِ وقَدَرِه. وأَنْ لا تَعْتَرِضَ عَلى شَيءٍ مِمَّا قَدَّرَه
عَلَيْكَ، بَلْ تَرْضَى وتُسَلِّمُ، وتُوقِنُ بِأَنَّه ماضٍ فِيكَ حُكْمُه،
وعَدْلٌ فِيكَ قَضاؤُه.
وَمَعْنَى الرِّضا
بِالإِسْلامِ دِينًا: أَنْ تَرْضَى بِأَنَّه الدِّينُ الحَقُّ الذي لا
يُقْبَلُ دِينٌ سِواه، في كُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ، وأَنَّ كُلَّ دِينٍ سِواه
فَإِنَّه باطِلٌ، وتَرْضَى بِجَمِيعِ أَحْكامِهِ وأَوامِرِهِ ونَواهِيهِ،
وتَنْقادُ لِذلكَ. ولا يَكْتَمِلُ الرِّضا بِهذا الدِّينِ حَتَّى تَكْرَهَ
الكُفْرَ وَأَهْلَه، وتَكْرَهَ الوُقُوعَ في الكُفْرِ كَمَا تَكْرَهُ الوُقُوعَ في
النارِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( ثَلاثٌ
مَنْ كَنَّ فيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ ورسولُه
أَحبَّ إليهِ مِمَّا سِوَاهُما، وأنْ يُحِب المرءَ لا يُحِبُّه إلا لله، وأن
يَكرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كَما يَكرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النار ).
وكذلك لا يَتِمُّ الرِّضا بِهذا الدِّينَ، حَتَّى تَعْتَقِدَ اعْتِقادًا جازِمًا
لا شَكَّ فِيهِ، أَنَّه دِينٌ كامِلٌ، لا يَحْتاجُ إلى زِيادَةٍ وإضافَةٍ، لأَنَّ
اللهَ هُو الذي أَنْزَلَه، وأَكْمَلَه، ورَضِيَهُ لَنا دِينًا، فالإسْلامُ هُوَ
الدِّينُ الذي يَجِبُ عَلى أَهْلِ الأَرْضِ كُلِّهِم الدُّخُولُ فيهِ،
وتَحْكِيمُهُ في شُؤُونِ حَياتِهِم كُلِّها، الخاصَّةِ والعامَّةِ، عَلى مُسْتَوَى
الحُكُوماتِ والأَفْرادِ.
وَمَعْنَى الرِّضا
بِمُحَمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولًا: أَيْ آمَنْتُ أَنَّ اللهَ
أَرْسَلَه إلَيَّ وإلى الناسِ كُلِّهِم، وَصَدَّقْتُ وَرَضِيتُ بِذلكَ، وَرَضِيتُ
بَجَمِيعِ ما أُرْسِلَ بِهِ وَبَلَّغَه مِن العَقيدَةِ والشَّرِيعَةِ، وأَنَّه
خاتَمُ النبِيِّينَ، لا نَبِيَّ بَعْدَه، وأَنَّ اللهَ سَدَّ كُلَّ الطُّرُقِ الْمُوصِلَةِ
إلى الجَّنَّةِ إلا من طَريقِهِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجنةَ إلا مَنْ أَبَى )،
قالوا: يا رسولَ اللهِ، ومَن يَأْبَى؟!! قال: ( مَنْ
أطاعَنِي دَخَلَ الجنةَ، ومَنْ عَصاني فَقَدْ أَبَى ). وأَنَّ اللهَ
أَقْسَمَ بِذاتِهِ الكَريمَةِ الْمُقَدَّسَةِ، أَنَّه لا يُؤْمِنُ أَحَدٌ، حَتَّى
يُحَكِّمَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم في جَمِيعِ الأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ
فَهُوَ الحَقُّ الذي يَجِبُ الانْقِيادُ له، والرِّضا بِهِ، والتَّسْلِيمُ لَه،
قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).
هكذا يكون الرِّضا بِاللهِ رَبًّا،
وبالإسلامِ دِينًا، وبِمحمدٍ رسولًا.
وَلِذلكَ
شَرَعَ اللهُ لِلْمسلِمِ كُلَّما فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ
مِن قَوْلِهِ: ( أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللهُ، أشْهَدُ أَنَّ محمدًا رسولُ
اللهِ )، أَنْ يقَولَ: ( رَضيتُ بِاللهِ رَبًّا، وبِمحمدٍ رسولا، وبالإِسْلامِ
دِينًا ). ويَجُوزُ أنْ يَقُولَ ذلك بعْدَ الفراغِ مِن الأذانِ، قال رسولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ
الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ
رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ ).
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ
عِبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ، واعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ خَلَقُكمْ لِيَبْلُوكُم بِهذا الأُمُورِ الثلاثةِ، وهِيَ الرِّضا بِاللهِ
رَبًّا، وبِمحمدٍ رسولاً، وبالإسلامِ دِينًا. فلا نَجاةَ لَكُم بَعْدَ رَحْمَةِ
اللهِ إلا بِها، فإنَّكم تُسْأَلُونَ عَنْها في قُبُورِكُم، حَيْثُ يُقالُ لِكُلِّ
مَقْبُورٍ: مَنْ رَبُّك؟ ومَنْ نَبِيُّكَ؟ وما دِينُك؟ فاجْعَلُوا حَياتَكُم
كُلَّها، في الاسْتِعْدادِ لِهذا الاخْتِبارِ العَظَيمِ.
ثُمَّ
إِنَّ مَنْ تأَمَّلَ ذلك، ونَظَرَ إلى مَسائِلِ القَبْرِ الثلاثِ، وَنَظَرَ إلى
العِباداتِ التي أُمِرَ بِها، تَبَيَّن لَه أَنَّ كُلَّ عِبادَةٍ يَقُومُ بِها،
لابُدَّ وأنْ تَتَضَمَّنَها هذِه الأصُولُ الثلاثة، لأنَّ مَدارَ العَمَلِ
والتَّعَبُّدِ عَلَيها؛ فَلَوْ نَظَرْنا على سبِيلِ المِثالِ إلى الصلاة:
فَإِنَّها لابُدَّ وأَنْ تَكُونَ خالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ، سالِمَةً مِن الرياءِ
وأَيِّ صُورَةٍ مِن صُوَرِ الشِّرْك، وهذا داخِلٌ تَحْتَ الأَصْلِ الأَوَّلِ -
مَنْ ربُّك؟ -. أي: مَن هو مَعْبُودُك؟ ثُمَّ إن هذه الصلاةَ لابُدَّ أن تكون على
السُّنَّةِ، وهذا داخِلٌ تَحْتَ الأصْلِ الثاني - مَن نبِيُّك؟ -. وكذلك هذه الصَّلاةُ
رُكْنٌ مِن أركان الإسلامِ، ومِن شَعائِرِ الإسلامِ الظاهِرَة، وهذا داخِلٌ تحت
الأصْلِ الثالث - ما دِينُك؟ -.
وَكُلُّ ذلك مَرَدُّه إلى قَوْلِكَ: رَضيتُ
بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإسلامِ دِينًا، وَبِـمُحمدٍ رسُولاً.
اللهم
ارْضَ عَنَّا، وامْلأ قُلُوبَنا بِالرِّضا بِكَ وبِدِينِكِ وبِنَبِيِّكَ محمدٍ صلى
الله عليه وسلم. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم آت
نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق
خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح
أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم إنا نعوذ بك من
جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال
نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها
أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح حكامها
وأهلها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا
عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ )
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|