لِلْنِّسْوَاْنِ أَمْثَاْلهُنَّ فِيْ اَلْقُرْآنِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن . أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا الْإِخْوَةُ اَلْمُسْلِمُوْنَ : حَدِيثُنَا الْيَوْمَ ؛ عَنْ بَعْضِ النِّسَاءِ اللَّاتِي ذَكَرَهُنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، وَلَاْ شَكَّ لَمْ يَذْكُرْهُنَّ لِتَسْلِيَةِ نَظَرٍ ، أَوْ لِسَدِّ فَرَاغٍ أَوْ لِمُتْعَةِ خَبَرٍ ، إِنَّمَا ذَكَرَهُنَّ لِلتَّذَكُّرِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ . مِنَ اَلْنِّسَاءِ ؛ أُمُّنَا حَوَّاءُ زَوْجَةُ أَبِينَا آدَمَ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، جَعَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَكَنًا لِزَوْجِهَا يَقُوْلُ :﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ ، أَيْ : لِيَأْلَفَهَا وَيَسْكُنَ بِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ . فَالزَّوْجَةُ تَكُونُ سَكَنًا لِزَوْجِهَا ، يَأْلَفُهَا وَتَأْلَفُهُ ، وَيَسْكُنُ بِهَا وَتَسْكُنُ بِهِ ، وَيَتَعَامَلُ مَعَهَا وَتَتَعَامَلُ مَعَهُ فِي إِطَارِ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ ، لَا تَكُونُ مَصْدَرًا لِتَعَاسَتِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَوَسِيلَةَ شَقَاءٍ وَعَنَاءٍ فِي مَكَانِ أُنْسِهِ وَسَعَادَتِهِ وَرَاحَتِهِ . وَمِنَ النِّسَاءِ : مَرْيَمُ ابْنَتُ عِمْرَانَ ، مَضْرَبُ الْمَثَلِ بِالْعَفَافِ وَالطُّهْرِ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَانِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ ، تَأَمَّلْ : ﴿ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴾،أَيْ : حَفِظَتْهُ مِنَ الْحَرَامِ وَقُرْبَانِهِ ، كَمَا قَالَ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ ، فَجَعَلَهَا عَزَّ وَجَلَّ آيَةً مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ ، بَلْ لِشَرَفِهَا وَعُلُوِ مَكَاْنَتِهَاْ ، سُمِّيَتْ سُورَةٌ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِاسْمِهَا ؛ (سُورَةُ مَرْيَمَ). وَمِنَ النِّسَاءِ : امْرَأَةُ نُوحٍ وَامْرَأَةُ لُوطٍ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ ، نُوحٌ وَلُوطٌ نَبِيَّانِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، خَانَتَاهُمَا زَوْجَاتُهُمَا فِي الدِّينِ ، لَمْ يَكُونَا عَلَى دِينِ زَوْجَيْهِمَا ، وَهَذَا الْمُرَادُ بِالْخِيَانَةِ لَا خِيَانَةَ النَّسَبِ وَالْفِرَاشِ، ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ ، يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ : هَذَانِ الْمَثَلَانِ اللَّذَانِ ضَرَبَهُمَا اللهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ اتِّصَالَ الْكَافِرِ بِالْمُؤْمِنِ وَقُرْبَهُ مِنْهُ لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا، وَأَنَّ اتِّصَالَ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ لَا يَضُرُّهُ شَيْئًا مَعَ قِيَامِهِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَمِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي أَشَارَ إِلَيْهِنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ : امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ . امْرَأَةُ نُوْحٍ وَامْرَأَةُ لُوطٍ كَافِرَتَانِ تَحْتَ عَبْدَيْنِ صَالِحَيْنِ ، بَلْ نَبِيَّيْنِ ، وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ؛ مُؤْمِنَةٌ فِي بَيْتِ طَاغِيَةٍ كَافِرٍ فَاْجِرٍ، تَخْتَارُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَكُونُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾، اخْتَارَتْ نَعِيمَ الْآخِرَةِ الدَّائِمَ الْبَاقِيَ ، عَلَى زَخَارِفِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ ، وَهَكَذَاْ تَكُوْنُ اَلْمَرْأَةُ اَلْعَاْقِلُ . وَمِنَ النِّسَاءِ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- : أُمُّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأُخْتُهُ وَزَوْجَتُهُ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ، عَمِلَتْ مَا أَمَرَهَا بِهِ رَبُّهَا عَزَّ وَجَلَّ ، أَلْقَتْ بِابْنِهَا فَلَذَةِ كَبْدِهَاْ فِي النَّهْرِ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَتَنْفِيذًا وَيَقِينًا بِوَحْيِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَزَوْجَةُ مُوسَى يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ ، مَكَثَتْ كَمَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا مُوسَى ، يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : كَانَتْ لَيْلَةً شَاتِيَةً ، وَنَزَلَ مَنْزِلًا بَيْنَ شِعَابٍ وَجِبَالٍ ، فِي بَرْدٍ وَشِتَاءٍ ، وَسَحَابٍ وَظَلَامٍ وَضَبَابٍ ، فَالْمَرْأَةُ تَرْضَى بِمَا كَتَبَ اللهُ وَقَدَّرَ لِزَوْجِهَا ، وَتُطِيعُ أَوَامِرَهُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْصِيَةٌ للهِ تَعَالَى . وَكَذَلِكَ أُخْتُ مُوسَى ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، الْأُمُّ عَمِلَتْ بِوَحْيِ رَبِّهَا ، وَالزَّوْجَةُ امْتَثَلَتْ لِأَمْرِ زَوْجِهَا ، وَالْأُخْتُ أَطَاعَتْ أُمَّهَا وَحَرَصَتْ عَلَى سَلَامَةِ أَخِيهَا ، عَائِلَةٌ كَرِيمَةٌ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ . وَمِنَ النِّسَاءِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - : امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ، الَّتِي عَجَزَتْ أَنْ تُسَيْطِرَ عَلَى شَهْوَتِهَا أَمَامَ صَبِيٍّ فِي بَيْتِهَا ، فَرَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ عَلَيْهِ لِيَفْعَلَ الْفَاحِشَةَ بِهَا ، وَلَكِنَّ اللهَ نَجَّاهُ مِنْ مَكِيدَتِهَا ، وَحَفِظَهُ مِنْ فِتْنَتِهَا ، فَخَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَخْتَلِطَ بِأَجْنَبِيٍّ عَنْهَا ، وَلَا تَخْلُوَ بِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ مَحَارِمِهَا ، مَهْمَا كَانَتْ ؛ خَيْرٌ لَهَا أَنْ لَا تَرَى الرِّجَالَ وَلَا يَرَوْنَهَا ، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ ، الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا تَغُضُّ بَصَرَهَا ، وَتَخْتَلِطُ بِالْأَجَانِبِ عَنْهَا ، وَلَا تُبَالِي فِي حَيَائِهَا وَعِفَّتِهَا ، تَكُونُ عُرْضَةً لِلْفِتَنِ ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا فِي كِتَابِهِ النِّسْوَةَ اللَّاتِي فِي الْمَدِينَةِ ، أَظْهَرْنَ الشَّمَاتَةَ بِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ ، بِأَنَّهَا تُرَاوِدُ فَتَاهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ ، فَلَا مَجَالَ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ، لِلشَّكِّ فِي خَطَرِ الِاخْتِلَاطِ ، وَضَرَرِ عَدَمِ غَضٍّ الْبَصَرِ ، وَالثِّقَةِ الزَّائِدَةِ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : وَمِنَ النِّسَاءِ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ، اللَّاتِي ذُكِرْنَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ : الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا ، امْرَأَةٌ حَمْقَاءُ خَرْقَاءُ تَغْزِلُ الْغَزْلَ ، وَإِذَا اكْتَمَلَ وَاشْتَدَّ نَقَضَتْهُ بِنَفْسِهَا ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ ، جَعَلَهَا اللهُ مَثَلًا لِمَنْ لَا يُحَافِظُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَفِي بِعَهْدِهِ . وَمِنَ النِّسَاءِ أَيْضًا : بِلْقِيسُ مَلِكَةُ الْيَمَنِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ لَمَّا دَعَاهَا نَبِيُّ اللهِ سُلَيْمَانُ إِلَى تَرْكِ الشِّرْكِ وَالْإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَسْلَمَتْ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ، لِأَنَّ تَوْحِيدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَحْلَى مِنَ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَمِنَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا ، مِسْكِيْنَةٌ مَنْ تُضَحِّيْ بِدِيْنِهَاْ مِنْ أَجْلِ عَرَضٍ مِنْ اَلْدُّنْيَاْ قَلِيْلٍ . وَمِنَ النِّسَاءِ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ : الْمُجَادِلَةُ الَّتِي سَمِعَ اللهُ قَوْلَهَا ، وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ ، مَرَّ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى حِمَارٍ ، فَاسْتَوْقَفَتْهُ طَوِيلًا ، وَوَعَظَتْهُ وَقَالَتْ : يَا عُمَرُ قَدْ كُنْتَ تُدْعَى عُمَيْرًا ، ثُمَّ قِيلَ لَكَ : عُمَرُ ، ثُمَّ قِيلَ لَكَ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَاتَّقِ اللهَ يَا عُمَرُ ، فَإِنَّهُ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتَ خَافَ الْفَوْتَ ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ خَافَ الْعَذَابَ ، وَهُوَ وَاقِفٌ يَسْمَعُ كَلَامَهَا ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَتَقِفُ لِهَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْوُقُوفَ ؟ فَقَالَ : وَاللهِ لَوْ حَبَسَتْنِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ لَا زِلْتُ إِلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ ؟ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ سَمِعَ اللهُ قَوْلَهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ، أَيَسْمَعُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَوْلَهَا وَلَا يَسْمَعُهُ عُمَرُ ؟ وَمِنَ النِّسَاءِ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ : حَمَّالَةُ الْحَطَبِ ، وَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ، فَتَضَعُهُ فِي طَرِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجُهَا أَبُو لَهَبٍ، وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -:﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ . فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ، وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَتَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا شَفَاعَتَهُ ، وَاسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حِفْظَ أَعْرَاضِنَا ، وَصَلَاحَ شَبَابِنَا وَنِسَائِنَا ، وَسَلَامَةَ عُقُولِنَا وَأَبْدَانِنَا ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا، وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَوْلِيَائِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَحِزْبِكَ الْمُفْلِحِينَ، وَعِبَادِكَ الْمُخْلَصِينَ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ . عِبَادَ اللهِ : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|