بالعلم نرتقي
الحمد لله اللطيف المنان، الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان،
ونور قلوب من شاء بالقرآن، أحمد ربي على نعوت الجلال وعلى الأسماء الحسان، وأشكره على
نعمه السابغة فله الشكر والثناء الحسن والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، شهادة أرجو بها الغفران والرضوان. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوثَ بالهدى
والنورِ، والرحمةِ والحكمةِ والقرآنِ، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه
والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فـ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ)).
عباد
الله: ما أشرف العلم وما أعظم مكانته، وما أكثر نفعه وأبلغ أثره.
فبالله
ثم بالعلم قرأنا وكتبنا وحسبنا.
بالعلم
عرفنا اللهَ والإيمان، وعرفنا دينه ونبيه عليه الصلاة والسلام.
بالعلم
أقمنا فرائض الإسلام.
بالعلم
نقيم الصلاة، ونؤدي الزكاة، ونصوم ونحج، ونعرف الحلال والحرام.
بالعلم
حُفظ القرآن، وبقيت السنة على مر الأزمان.
بالعلم
تلونا القرآن كما أنزله الرحمن.
بالعلم
فهمنا الكتاب المبين وسنة سيد المرسلين.
بالعلم
نرتقي بالفكر، ونتقي الانحراف، ونُعْصَمُ من الفتن، ونسلم من الشبهات.
بالعلم
يسْهل الوصول إلى الجنان: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة)
رواه مسلم.
بالعلم
نكون من ورثة الأنبياء (فالأنبياء ورثوا العلم فمن أخذ العلم أخذ بحظ وافر)
بالعلم
نخرج من دائرة الجهل والجهال، وندخل دائرة المتعلمين، دائرة الأنوار.
أيها
الناس:
بالعلم
تطور الطب بشكل عجيب حتى أصبح الطبيب في غرفة العمليات يصل إلى أدق ما يتصور في جسم
الإنسان فيعالجه بإذن الله.
بالعلم
اتسعت المعرفة بالأمراض والأدوية وسبل الوقاية.
بالعلم
تحول النفط إلى ذهب أسود.
بالعلم
صنعت السيارات، واخترعت الطائرات والقطارات.
بالعلم
اكتشفت الكهرباء، والمصابيح.
بالعلم
اخترعت الكمبيوترات وتطورت البرمجيات إلى ما يفوق الوصف.
بالعلم
أصبح الصغير والكبير يحمل في جيبه جهازاً صغيراً يحوي العالم كله.
بالعلم
تتسابق الشركات في الصناعات في شتى المجالات.
بالعلم
شيدت العمارات حتى ناطحت السحاب، وتطورت المدن بأرقى النظم.
بالعلم
تسارعت الحياة، وارتقى الإنسان في إدارة شؤونها بكل احترافية.
بالله
جل وعلا، بحوله وقوته وتوفيقه تحقق ذلك كله، ثم بالعلم يا أهل الإسلام.
إذن
العلم سر في كثير من النجاح، ومن أمضى أسلحة الكفاح.
فما
لنا يا أمة اقرأ لا نقرأ، ولا نوقر العلم كما ينبغي له أن يوقر؟
وربنا
تبارك وتعالى ينفي الاستواء بين العلم والجهل، فيقول: ((قل هل يستوي الذين يعلمون والذين
لا يعلمون)).
ويفرض
سبحانه طلب العلم فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [رواه
ابن ماجه وصححه الألباني صحيح الجامع (3914)].
يا
أبناءنا وبناتنا: المدرسة دار العلم ومنارته،
فأحبوا المدرسة ووقروها واعرفوا قدرها، ففي المدرسة تعلمتم القراءة والكتابة والحساب،
وفي المدرسة ارتقت عقولكم، بالعلم سَنَةً بعد سنة، ومرحلة بعد مرحلة.
عادت
الدراسة لتشغل جزءا من وأوقاتكم بالنافع المثمر.
عادت
الدراسة لتنظم حياتكم وفق الفطرة التي فطر الله الخلق عليها.
عادت
الدراسة لتجعل ليلكم ليلاً سكناً تسكنون فيه، وتجعل نهاركم نهاراً مبصراً تعملون فيه.
جاءت
الدراسة لتجعل لحياتكم معنى وهدفا وغاية بدل ضياع الأوقات بلا عمل ولا هدف ولا إنجاز.
يا
أبناءنا وبناتنا افتحوا نفوسكم للمدرسة، وتحملوا متاعبها، فهي والله خير لكم من حياة
الفراغ الضائع.
وأحبوا
العلم والقلم والكتاب، فربكم الأكرم الذي علم بالقلم يحب القلم، فلقد شرف الله القلم
فجعل في القرآن سورة تسمى باسمه، وافتتحها بالقسم به: ((ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ))،
وقال في أول ما نزل من القرآن: ((اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
* عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)).
أقبلوا
على الدراسة لتحصيل نور العلم، من أجل أن تكونوا عباداً لله صالحين موحدين تعبدون الله
وحده لا شريك له، على نور وبصيرة، فتحققوا الغاية من خلقكم، كما قال تعالى: ((وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))، وخلق الله لنا ما في الأرض جميعا
لنحقق هذا الهدفَ العظيم، ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا))
ــ
أقبلوا على الدراسة لتهيؤا أنفسكم لمستقبل مشرق في اختصاص مفيد، محققين أهدافكم وطموحاتكم،
وتكونوا أفراداً نافعين لأمتكم، تسعون لعزها ومجدها مهما كان مجالكم.
ــ
أقبلوا لترفعوا الجهل عن أنفسكم، في أمر دينكم ودنياكم.
ــ
ولترتقوا في مجال الأخلاق والقيم.
ــ
ولتُعلِّموا غيركم بعد أن تحملوا العلم، فطالب اليوم هو معلم الغد بتوفيق الله: ((وَلَكِنْ
كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)).
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيها من الآيات
والحكمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل القرآن تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين، وجمع
فيه أصول الدين وفروعه، وأصلح به الدنيا والدين، أحمده سبحانه وأشكره على عظيم نعمه
وتوعد بالمزيد للشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده شهادة صدق ويقين، وأشهد أن
نبينا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله وبارك عليه عليه وعلى آله وصحابته
والتابعين، ومن تبعهم بإحسان وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد :
عباد الله: القرآن الكريم
نور وهو أصل العلم في ديننا، قال العلي الكبير: ((فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا))، وما نزل إلا ليخرج الناس من الظلمات إلى النور:
((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)).
وللقرآن حقوق كبيرة علينا،
منها: تعلمُ تلاوته، وحفظُه أو حفظُ شيء منه، كل حسب استطاعته.
ولكن هناك تقصير ظاهر من كثير
من الناس في تعلم تلاوة القرآن، وتقصير في إلحاق الأبناء في حلق التحفيظ، ومن مظاهر
هذا التقصير ظاهرة ضعف أبنائنا وبناتنا في تلاوة القرآن الكريم، فما يتلقاه الأبناء
في المدارس مما يتعلق بالقرآن غير كاف في إيصالهم إلى التلاوة الصحيحة فضلاً عن تجويد
القراءة
فيا عباد الله: احرصوا على
تعليم أولادكم القرآن، وابذلوا الجهد معهم في البيوت ليتعلموا التلاوة ويحفظوا شيئاً
من القرآن، وما أجمل أن تجعل من مشاريعك في هذه الحياة أيها الأب: تخريج ابنٍ من أبنائك
حافظاً لكتاب الله.
ولقد أنعم الله علينا في هذه
البلاد بتيسير حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، فلنستثمر هذه النعمة بإلحاق أبنائنا
فيها، فسنسأل عن هذه النعمة يوم الدين.
ويا أيها الآباء كونوا أنتم
قدوات لأبنائكم في الحرص على تعلم تلاوة القرآن وأداء حق كتاب ربكم العظيم.
واعلموا عباد الله أن البدء
مع الأبناء يكون في صغرهم، فهو أبلغ وأثبت، والابن في الصغر طوع توجيه الوالدين، والوالدان
اللذان يُحَفِّظان ولدهما القرآن وُعِدَا بجائزة ثمينة وهي أن: (يُلبسا يوم القيامة
تاجاً من نور ضوءَه مثلَ ضوء الشمس، ويُكسيان حلتان لا تقوم لهما الدنيا) [حديث حسن أخرجه الحاكم وصححه] وسيُلحق الأبناء بالآباء
والآباء بالأبناء في الدرجات العُلى من الجنات، يوم يكون حافظ القرآن مع السفرة الكرام
البررة، ويقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند
آخر آية تقرؤها.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم حبب لنا العلم والإيمان والقرآن
وزينها في قلوبنا، اللهم إنا نسألك علما نافعا ونعوذ بك من علم لا ينفع، اللهم ألهمنا
رشدنا وقنا شرور أنفسنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا ذا الجلال والإكرام يا حي
يا قيوم ..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء
الدين.
اللهم عليك بالروافض أعداء أهل البيت وخصوم السنة، اللهم لا ترفع
لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية. اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم
ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر
كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم ، اللهم احقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم
اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت
أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا
حيّ يا قيوم، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة يا
رب العالمين اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم حفظ بلادنا من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين واجعلها قائمة بالتوحيد والسنة مستمسكة بالشريعة المحمدية. ربنا
اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار .
اللهم ربنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
، فاغفر لنا مغفرةً من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم. لا إله إلا أنت سبحانك
إنا كنا من الظالمين.. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات
والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا يحي يا قيوم نسألك أن تغفر لنا وتغيثنا غيث الرحمة،
اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ... اللهم يا من لا يملك إنزال الغيث غيره
أسقنا وأغثنا .. اللهم أغثنا غيثاً مغنياً سحاً غدقاً هنيئاً مريئاً نافعاً غير ضار
اللهم سقيا رحمة...لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق.. اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم
اسقنا وأغثنا غيثا عاجلاً غير آجل تحيي به البلاد وتغيث به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر
والباد، اللهم أغث البلاد وانشر رحمتك على العباد واجعله بلاغاً للحاضر والباد يا حي
يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم لا تردنا خائبين ولا من رحمتك يائسين يا رحمن
يا رحيم . اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|