زَمَانُ
الْعَجَائِبِ
الْحَمْدُ للهِ، الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ
لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ، نَحْمَدُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمْدًا كَثِيرًا ، وَنَعُوذُ
بِنُورِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ ؛ مِنْ يَوْمٍ كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، شَهَادَةً تَجْعَلُ الظُّلْمَةَ نُورًا
، وَتُحِيلُ ضِيقَ الصَّدْرِ انْشِرَاحًا وَحُبُورًا. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ الْمُرْسَلُ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ
وَسِرَاجًا مُنِيرًا ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ ، وَعَلَى
آلِهِ وَأَصْحَابِهِ عَدَدَ أَنْفَاسِ مَخْلُوقَاتِكَ شَهِيقًا وَزَفِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَى اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ
سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
{ ، فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- جَعَلَنِي اللهُ
وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ
الْأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : ((
سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ ؛ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ
، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ
فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ )) ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ : (( الرَّجُلُ التَّافِهُ؛ يَتَكَلَّمُ فِي
أَمْرِ الْعَامَّةِ ))
زَمَانٌ عَجِيبٌ غَرِيبٌ -أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- لَا نَشُكُّ أَبَدًا فِي وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ e أَخْبَرَ بِهِ ، وَإِخْبَارُهُ e حَقٌّ وَصِدْقٌ ، بَلْ وَحْيٌ مِنَ اللهِ U ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى : }وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحَى {.
وَذَلِكَ الزَّمَانُ -أَيُّهَا
اْلِإخْوَةُ- نَسْتَطِيعُ أَنْ نُسَمِّيَهُ : زَمَانَ الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ
، فَفِيهِ يَكْثُرُ الِاحْتِيَالُ وَالْخِدَاعُ وَالنَّصْبُ ، وَفِيهِ تَنْقَلِبُ
الْمَوَازِينُ ، وَتَصِيرُ الصَّوْلاَتُ وَالْجَوْلَاتُ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ ،
الْكَاذِبُ الْفَاجِرُ الْفَاسِقُ يُصَدَّقُ ، وَالْمُؤْمِنُ التَّقِيُّ
الصَّادِقُ يُكَذَّبُ ، وَالْخَائِنُ الْخَسِيسُ يُؤْتَمَنُ وَالْأَمِينُ اَلْمُخْلِصُ
يَصِيرُ خَائِنًا فِي أَعْيُنِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ .
وَالْأَدْهَى وَالْأَمَرُّ : التَّافِهُ
الْحَقِيرُ ؛ يَجِدُ فُرْصَتَهُ لِيَتَكَلَّمَ وَيَخُوضَ فِي أُمُورٍ لَا
يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخُوضَ فِيهَا ، يَتَجَرَّأُ الْحَقِيرُ ، عَلَى
مَا لَا يَتَجَرَّأُ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْكَلَامِ مِنْهُ ، وَهَذَا وَالْعِيَاذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلَالِ
وَالْفَسَادِ وَالِانْحِرَافِ وَالْبُعْدِ عَنْ كِتَابِ اللهِ U وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ
e ، وَفِي الْحَدِيثِ
الَّذِي أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا ، وَالْحَاكِمُ مُسْنَدًا وَصَحَّحَهُ ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : (( تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ
تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا : كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي ،
وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الْحَوْضِ )) . يَقُولُ
الْأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ : الْحَدِيثُ حُجَّةٌ
بِنَفْسِهِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَحْكَامِ.
فَبُعْدُ النَّاسِ -أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِقَالَ اللهِ U وَقَالَ رَسُولُهُ e؛ سَبَبُ ظُهُورِ
الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ فِي زَمَانِهِمْ ، إِذَا أَبْعَدَ النَّاسُ عَنْ
مَصَادِرِ تَشْرِيعِهِمْ ، فَاغْسِلْ يَدَيْكَ مِنْ صَلَاحِ مُجْتَمَعِهِمْ ،
يَصِيرُ مُجْتَمَعُهُمْ بِيئَةً جَاذِبَةً لِكُلِّ ضَالٍّ وَمُنْحَرِفٍ ، وَأَيُّ
ضَلَالٍ وَانْحِرَافٍ أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ التَّافِهِ الْحَقِيرِ يَتَحَدَّثُ
بِشَأْنِهِمْ ، وَيَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ
عَلَى صِحَّتِهِ ، يَقُولُ النَّبِيُّ e : (( إِنَّ اللهَ
لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ
يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا
اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً ، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛
فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا )) .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
إِنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ الَّذِي
أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ e فِي الْحَدِيثِ ، نَخْشَى وَاللهِ أَنْ يَكُونَ زَمَانَنَا هَذَا
، وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُعْتَبَرِينَ ؛ أَنَّنَا فِي زَمَانِ
الْخِدَاعِ الَّذِي فِيهِ خُوِّنَ الْأَمِينُ وَائْتُمِنَ الْخَائِنُ ، وَذَلِكَ
لِغَلَبَةِ الْهَوَى وَقِلَّةِ الدِّينِ ، كَمَا قَالَ سَمَاحَةُ الشَّيْخُ
صَالِحٌ الْفَوْزَانُ -حَفِظَهُ اللهُ-؛ فَالْحَرِيصُ عَلَى رِضَا رَبِّهِ ،
وَالْعَامِلُ بِمَنْهَجِ النَّبِيِّ e وَصَحَابَتِهِ ، وَالسَّامِعُ الْمُطِيعُ لِوَلِيِّ أَمْرِهِ ،
وَالَّذِي يَعْمَلُ مَا بِوُسْعِهِ لِسَلَامَةِ بَلَدِهِ وَمُجْتَمَعِهِ ،
يُتَّهَمُ بِالْخِيَانَةِ وَالْفَسَادِ ، وَيُنْعَتُ بِالْبُعْدِ عَنْ سَبِيلِ
الرَّشَادِ ، وَيُرْمَى بِتُهَمٍ بَاطِلَةٍ ، وَيُوصَفُ بِأَوْصَافٍ لَا تَلِيقُ
إِلَّا بِمَنْ يَصِفُهُ بِهَا ، كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ :
شَرُّ الْعِبَادِ الْمُرْجِئيُّ
الْجَــــــــــــــامِي
لَا يَرْعَوِي إِلَّا بِشَدِّ لِجَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــامِ
هُوَ يَدَّعِي أَنَّ السَّبِيلَ
سَبِيلُهُ
فَيَزِيدُ فِي التَّجْرِيحِ وَالْإِنْجَـــــــــــــــــــــــــامِ
إِلَى أَنْ يَقُولَ -طَهَّرَ اللهُ
الْبِلَادَ مِنْهُ وَأَمْثَالِهِ- :
فَإِذَا سُئِلْتَ عَنِ السَّقِيمِ
مِنَ الْوَرَى
فِي فِكْرِهِ فَقُلِ الدَّعِيُّ الْجَــــــــــــــــــــــــــــــــــــامِي
زَمَنُ عَجَائِبَ وَغَرَائِبَ
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- وَإِلَّا فَالْجَامِيَّةُ لَيْسَتْ مُنَظَّمَةً وَلَا
جَمَاعَةً وَلَا حِزْبًا ، وَلَكِنَّهَا رَدَّةُ فِعْلٍ عِنْدَ الْخَوَارِجِ
الإِخْوَنْجِ وَالصُّوفِيَّةِ التَّبْلِيغِ ، ابْتَدَعُوهَا وَابْتَدَؤُوهَا
عِنْدَمَا حُذِّرَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ مَنَاهِجِهِمْ ، وَبُيِّنَ ضَلَالُ
وَفَسَادُ وَانْحِرَافُ سَادَاتِهِمْ وَقَادَتِهِمْ ، فَلَمْ يَجِدُوا لَفْظًا
مُنَاسِبًا مُسَاوِيًا لِمَا وَقَعُوا بِهِ إِلَّا النَّعْتَ بِالْجَامِي ،
وَلِلْعِلْمِ الْجَامِيُّ الَّذِي يَنْسُبُونَ أَهْلَ الْمَنْهَجِ الصَّحِيحِ لَهُ
، هُوَ رَجُلٌ تَمَّ تَعْيِينُهُ رَسْمِيًّا مُعَلِّمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ
اللهِ e ، كَانَ يُحَذِّرُ
مِنْهُمْ وَمِنْ أَسْيَادِهِمْ ، وَيُبَيِّنُ خَطَرَهُمْ عَلَى الْبِلَادِ
وَالْعِبَادِ ، وَتُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ قَبْلَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ ،
وَهَنِيئًا لَهُ؛ فَهُنَاكَ مَنْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِحَسَنَاتِ غَيْرِهِمْ ،
كَمَا فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ e : أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسِ؟.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
فَزَمَنُ الْعَجَائِبِ
وَالْغَرَائِبِ يَكُونُ عِنْدَمَا يَبْعُدُ النَّاسُ عَنِ الدِّينِ ، وَيُعْبَدُ
الْهَوَى ، وَتَقِلُّ التَّقْوَى ، وَلِذَلِكَ يَبْرُزُ وَيَتَكَلَّمُ
الرُّوَيْبِضَةُ ، التَّافِهُ الْحَقِيرُ ، يَتَكَلَّمُ فِي الْأُمُورِ
الْعَامَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي بَلْ يَجِبُ أَنْ تُسْنَدَ إِلَى أَهْلِهَا
الَّذِينَ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : }وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ
الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي
الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا
قَلِيلًا { يَقُولُ سَمَاحَةُ الشَّيْخُ صَالِحٌ
الْفَوْزَانُ -حَفِظَهُ اللهُ- : أُولِي الْأَمْرِ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَكَذَلِكَ
الْوُلَاةُ ، فَالْعُلَمَاءُ يَتَوَلَّوْنَ أُمُورَ الْعِلْمِ ، وَالْوُلَاةُ
يَتَوَلَّوْنَ أُمُورَ السِّيَاسَةِ ، أَمَّا فِي زَمَنِ الْعَجَائِبِ
وَالْغَرَائِبِ ، الَّذِي يَرَىَ وَفَّقَهُ اللهُ أَنَّهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ،
فَيَقُولُ : يَجِيءُ أُنَاسٌ لَيْسَوُا مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا مِنْ وُلَاةِ
الْأُمُورِ ، فَيَتَكَلَّمُونَ فِي قَضَايَا النَّاسِ الْعَامَّةِ ، إِذَا
حَدَثَتْ نَازِلَةٌ بَادَرُوا بِتَحْلِيلِهَا وَبَيَانِ حُكْمِهَا ،
يَتَكَلَّمُونَ فِي أُمُورٍ عَظِيمَةٍ ، لَوْ حَدَثَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ t ، لَجَمَعَ لَهَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ. فَلْنَتَّقِ
اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- وَلْنَحْذَرْ أَنْ تَنْقَلِبَ مَوَازِينُنَا ، فِي
زَمَانِ انْقِلَابِ الْمَوَازِيِنِ ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّمَسُّكِ
بِكِتَابِ اللهِ U ، وَبِالْعَمَلِ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ e ، وَفَهْمِ نُصُوصِهِمَا كَمَا فَهِمَهَا سَلَفُنَا الصَّالِحُ ، }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا{ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ
بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ
وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي
وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،
وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ
عَلِيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُونَ :
فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
t ، ظَهَرَ رَجُلٌ فِي
الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُ صُبَيْغٌ ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ
الْقُرْآنِ فِي أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ مِصْرَ ، فَبَعَثَ بِهِ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ،
فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالْكِتَابِ فَقَرَأَهُ فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ؟
فَقَالَ : فِي الرَّحْلِ ، قَالَ عُمَرُ: أَبْصِرْ أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ
فَتُصِيبَكَ مِنِّي بِهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ ، فَأَتَاهُ بِهِ ، فَقَالَ
عُمَرُ: تَسْأَلُ مُحْدَثَةً، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى رَطَائِبَ مِنْ جَرِيدٍ،
فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى تَرَكَ ظَهْرَهُ دَبِرَةً ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ
، ثُمَّ عَادَ لَهُ ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ ، فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ لَهُ،
قَالَ : فقالَ صَبِيغٌ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي ، فَاقْتُلْنِي قَتْلًا
جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُدَاوِيَنِي ، فَقَدْ وَاللَّهِ بَرَأْتُ ،
فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ- أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَاشْتَدَّ
ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ: أَنْ قَدْ حَسُنَتْ
تَوْبَتُهُ ، فَكَتَبَ عُمَرُ : أَنِ ائْذَنْ لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
إِنَّنَا وَاللهِ بِحَاجَةٍ
لِأَمْثَالِ عُمَرَ t فِي هَذَا الزَّمَانِ، لِيُطَهِّرَ الْأُمَّةَ مِنْ أَمْثَالِ
صُبَيْغٍ ، فَقَدْ وُجِدَ فِيهَا مَنْ يُشَكِّكُ بِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ،
وَوُجِدَ فِيهَا مَنْ يَدْعُو لِمَذْهَبِ الْخَوَارِجِ ، وَوُجِدَ فِيهَا مَنْ
يُرَوِّجُ لِلَطْمِ الرَّوَافِضِ ، وَفِيهَا صُدِّقَ الْكَاذِبُ وَكُذِّبَ
الصَّادِقُ ، وَخُوِّنَ الْأَمِينُ وَائْتُمِنَ الْخَائِنُ ، وَنَطَقَ
الرُّوَيْبِضَةُ ، وَوَسَائِلُ الْإِعْلَامِ أَكْبَرُ شَاهِدٍ عَلَى ذَلِكَ ،
وَصَدَقَ اللهُ: } وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ
فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ { .
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ
عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا صَالِحًا ، وَرِزْقًا وَاسِعًا ، وَسَلَامَةً
دَائِمَةً إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُوَ
عَنَّا ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَتَرْحَمَنَا ، وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ
السُّفَهَاءُ مِنَّا ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ،
وَأَنْتَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، وَأَنْتَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، اللَّهُمَّ
أَبْرِمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ طَاعَتِكَ ،
وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ مَعْصِيَتِكَ ، وَيُؤْمَرُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى
فِيهِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ
جَدِيرٌ. اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَأَرِنَا
الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَوَفِّقْنَا لِاجْتِنَابِهِ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ
الرَّاشِدِينَ ، الْهَادِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، الصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ ،
الْمُخْلَصِينَ الْمُخْلِصِينَ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا ، وَوَلِيَّ أَمْرِنَا ، وَعُلَمَاءَنَا
وَدُعَاتَنَا ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ ، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ
الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ
مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ،
وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ إِنَّا
نَسْأَلُكَ نَصْرَ جُنُودِنَا عَلَى حُدُودِنَا ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ نَصْرًا
مُؤَزَّرًا. اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عَوْنًا وَظَهِيرًا ، وَوَلِيًّا وَنَصِيرًا.
اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَقَوِّ
عَزَائِمَهُمْ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين. } رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {. فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى
وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُون.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|