الاهْتِمَامُ بِسَيِّدِ الأيَّامِ
الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي: { أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }، { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى }. وَأَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى }.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، وَخِيرَتُهُ
مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
اتَّقُوا اللهَ U، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ
وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ، وَهِيَ خَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ
لِمَعَادِهِ، يَقُولُ U فِي كِتَابِهِ: { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، وَيَقُولُ أَيْضًا: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }. جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ
مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
فِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ
الْأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ
بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ e: (( إِنَّ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ، فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ:
خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ
تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا
إِلَّا أَعْطَاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا
مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ، وَلَا
جِبَالٍ وَلَا بَحْرٍ ، إِلَّا هُوَ مُشْفِقٌ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ )) .
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e:
(( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ )). وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ e: (( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
)) .
فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللهِ U، وَخَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ
عَلَيْهِ الشَّمْسُ ، وَمِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِ الْمُسْلِمِ، بَلْ هُوَ مِنْحَةٌ
مِنَ اللهِ U لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ e، وَمِنَ النِّعَمِ
الَّتِي يَتَمَنَّى إِخْوَانُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَعُبَّادُ الصَّلِيبِ
زَوَالَهَا مِنَ الْمُسْلِمِين، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَقُولُ e: (( أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ
كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى
يَوْمُ الأَحَدِ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ،
فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ )). وَفِي
شُعَبِ الإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَحَدَّثَتْنِي فَقَالَتْ:
بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ عِنْدَ النَّبِيِّ e إِذْ جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَاسْتَأْذَنَ أَحَدُهُمْ
فَدَخَلَ، فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e:
(( وَعَلَيْكَ ))، ثُمَّ دَخَلَ
آخَرُ، فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e:
(( وَعَلَيْكَ ))، فَلَمْ
أَمْلِكْ نَفْسِي فقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَفَعَلَ اللهُ بِكُمْ
وَفَعَلَ ، قَالَتْ : فَأَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ e تَكَلَّمَ ؛ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ
عَلَيَّ، فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لِي: (( مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ ؟ ))، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُ الَّذِي
قَالُوا فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي، فَقَالَ: (( أَلَمْ تَرَيِنِّي قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ ؟! لَمْ
يَضُرَّنَا وَلَزِمَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، تَدْرِينَ عَلَى مَا
حَسَدُونَا؟ )) قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (( فَإِنَّهُمْ حَسَدُونَا عَلَى
الْقِبْلَةِ الَّتِي هُدِينَا لَهَا، وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْجُمُعَةِ
الَّتِي هُدِينَا لَهَا ، وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ
الْإِمَامِ آمِينَ )) .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
لَقَدْ خَفَّ مِقْدَارُ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، صَارَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ ، بَلْ وَاللهِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَهْتَمُّ بِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ كُلِّهَا عَدَا يَوْمِ
الْجُمُعَةِ، صَارَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلنَّوْمِ عَمَّا
فَرَضَهُ اللهُ U،
وَلَيْلَتُهُ لِلسَّهَرِ عَلَى مَا لَا يُرْضِي اللهَ سُبْحَانَهُ وَذَلِكَ
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- مُؤَشِّرٌ خَطِيرٌ، يَدُلُّ عَلَى بُعْدِ بَعْضِ
الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ ، وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِمْ بِمَا يَتَقَرَّبُونَ
بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ ، وَقِلةِ إِدْرَاكِهِمْ وَشُكْرِهِمْ لِنِعَمِ اللهِ U عَلَيْهِمْ، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } ، فَالَّذِي لَا يَشْكُرُ نِعَمَ اللهِ U عَلَيْهِ،
فَلْيُبْشِرْ بِعَذَابِ اللهِ، وَمِنْهُ حِرْمَانُهُ مِنْ فَضْلِهِ وَمِنَنِهِ، { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً
وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ
الْقَاعِدِينَ }، هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ، يَقُولُ
ابْنُ سَعْدِيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ: { فَثَبَّطَهُمْ } قَدَرًا وَقَضَاءً، وَإِنْ
كَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ، وَجَعَلَهُمْ مُقْتَدِريِنَ
عَلَيْهِ، وَلَكِنْ بِحِكْمَتِهِ مَا أَرَادَ إِعَانَتَهُمْ، بَلْ خَذَلَهُمْ وَثَبَّطَهُمْ { وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } مِنَ النِّسَاءِ وَالْمَعْذُورِينَ .
فَالَّذِي لَا يَقْدِرُ
لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ قَدْرَهُ ، يَفُوتُ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ ، وَيُفَرِّطُ
بِنِعَمٍ لَا تُعَوَّضُ، مِنْهَا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- الْأَجْرُ الْعَظِيمُ
وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَتَكْفِيرُ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ، يَقُولُ
النَّبِيُّ e فِي الْحَدِيثِ
الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ:
(( مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ، كَانَ
لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا، وَذَلِكَ عَلَى
اللهِ يَسِيرٌ )). وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، يَقُولُ الرَّسُولُ e: (( لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ
مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي
مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ
مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى )) . وَفِي حَدِيثٍ
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ يَقُولُ e: (( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
غُسْلَ جَنَابَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ
بَدَنَةً )) ، أَيْ : لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ مَنْ تَصَدَّقَ
بِنَاقَةٍ ، (( وَمَنْ رَاحَ فِي
السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي
السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ
فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي
السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ
الْإِمَامُ ، حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ )) .
وَمِنْهَا -أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ، فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ
يَقُولُ e: (( إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا
عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ
إِيَّاهُ )) .
فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ
-أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، فَيَنْبَغِي
لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْدِرُ لَهُ قَدْرَهُ ، وَيُعَظِّمَ أَمْرَهُ ،
وَيَسْتَغِلَّهُ فِيمَا يُرْضِي رَبَّهُ سُبْحَانَهُ .
أَسْأَلُ
اللهَ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .
أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ
للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا
لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى
رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلِيهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُونَ :
رَوَى الْبُخَارِيُّ
فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ قَالَ : أَخْرَجَتْ إلَيَّ أَسْمَاءُ جُبَّةً مِنْ طَيَالِسَةٍ،
عَلَيْهَا لَبِنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ ، وَإِنَّ فَرْجَيْهَا مَكْفُوفَانِ بِهِ،
فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللهِ e كَانَ يَلْبَسُهَا لِلْوُفُودِ ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ
.
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ أَيْضًا، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ
الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ: (( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ
كَانَ عِنْدَهُ ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ
الْمَسْجِدَ فَيْرَكَعُ إِنْ بَدَا لَهُ ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا ، ثُمَّ أَنْصَتَ
إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى )) .
فَمِنْ هَدْيِ
النَّبِيِّ e، الِاغْتِسَالُ
لِلْجُمُعَةِ وَالتَّطَيُّبُ وَلُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ، بَلْ أَمَرَ e بِذَلِكَ ، كَمَا فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: (( إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ،
فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ
مِنْهُ ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ )) . وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}،
وَمِنَ الزِّينَةِ اللِّبَاسُ الْجَيِّدُ وَالْجَمِيلُ، وَإِنْ تَعْجَبْ أَخِي
الْمُسْلِمَ مِنْ شَيْءٍ، فَاعْجَبْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ تَرَاهُمْ فِي
مُنَاسَبَاتِهِمْ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ، وَأَجْمَل الْبُشُوتِ،
وَيَضَعُونَ أَغْلَى الْأَطْيَابِ، حَتَّى أَطْفَالُهُمْ وَاللهِ تَخْشَى
عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَيْنِ نَتِيجَةَ زِينَتِهِمْ ، وَلَكِنَّ الْجُمُعَةَ
تَرَاهُمْ فِيهَا كَرُؤْيَتِكَ لَهُمْ فِي سُوقِ الْخُضَارِ أَوْ مَعَارِضِ
السَّيَّارَاتِ .
فَلْنَتَّقِ اللهَ
-أَحِبَّتِي فِي اللهِ- وَلْنَقْدِرْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ قَدْرَهُ، وَكَمَا
قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ ، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ } .
جَعَلَنِي اللهُ
وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُفْلِحِينَ، الَّذِينَ { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }.
أَلَا وَصَلُّوا عَلَى
الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: { إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، يَقُولُ e: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ
وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ،
وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ
بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُودِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ،
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ
الدِّينِ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ
الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا، وَوُلَاةَ أَمْرِنَا،
وَعُلَمَاءَنَا وَدُعَاتَنَا، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ، مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.
عِبَادَ اللهِ: { إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|