الفأل
- الكلمة الطيبة
إِنَّ الْحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا اللهَ تعالى، واعلمُوا أن
اللهَ تَعَالى بَعَثَ محمداً صلى الله عليه وسلم لِيُتَمِّمَ صالحَ الأخلاق. وكان
عليه الصلاةُ والسلامُ خُلُقُهُ القرآن.
ومِن مَحاسِن الأخلاقِ وصالِحِها، والتي
حَثَّ علَيْها الشارِعُ الحكيم: ما وَرَدَ في الحديثِ الذي رواه البخارِيُّ
ومُسلمٌ، عن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: ( لا عَدْوَى ولا طِيَرَة، ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ ) قالُوا: وما الفألُ؟ قال:
( كَلِمَةٌ طَيِّبَة ). ومَعْنَى يُعْجِبُنِي: أي يَسُرُّنِي. فالكَلِمَةُ
الطَّيِّبَةُ التي تَرْفَعُ الْمَعْنَوِيَّاتِ وتَبْعَثُ التَفاؤُلَ في النُّفُوسِ، تُعْجِبُ النَبِيَّ صلى اللهُ علَيهِ وَسَلَّم، لِمَا فيها مِن إدْخالِ السُّرُورِ
والانْبِساطِ عَلَى النَّفْسِ، وتُشَجِّعُ مَن يَسْمَعُها وَتَزيدُه طُمَأْنِينَةً
وإقْداماً، وهِيَ عَدُوُّ الإِحْباطِ واليَأْسِ. فَفَرْقٌ بَيْنَ مَن إِذا
خاطَبَكَ لا تَسْمَعُ مِنْه إلا ما يُضَيِّقُ الصَّدْرَ، ويُكَدِّرُ النَّفْسَ، ويُضْعِفُ الهِمَّةَ، ويُحْبِطُ الحَماسَ والبَحْثَ عن النَّجَاح. وبَيْنَ الْمُتَفائِلِ
الذي لا تَسْمَعُ مِنْه إلا ما يُشَجِّعُكُ ويُطَمْئِنُكُ ويُعَلِّقُكَ باللهِ
الذي ما مِن شَيْءٍ إلا بِيَدِه خَزائِنُه، وما مِن دابَّةٍ إلا هُوَ آخِذٌ
بِناصِيَتِها. ولِذلِكَ حَثَّ اللهُ على الكَلامِ الطَّيِّبِ فقال: ( وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْنا )، وقال تعالى: ( وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا التي هِيَ أَحْسَن
). وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: ( والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَة
)، وقال أيضاً: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا،
وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا. قِيلَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ, وَصَلَّى بِاللَّيْلِ,
وَالنَّاسُ نِيَام ). وَكَما أَنَّ الجَنَّةَ تُطْلَبُ بِالكلامِ الطَّيِّبِ، فَكَذلكَ النارُ تُتَّقَى بالكلامِ الطَّيِّب، ولذلكَ قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ
عليهِ وسلَّم: ( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا
فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ). ويَكْفِي أَنَّ الكَلِمَ الطَّيِّبَ يَصْعَدُ إلى الله.
فالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، عَلامَةٌ على
حُسْنِ الخُلُق، تَرْفَعُ قَدْرَ صاحِبِها، وتَجْعَلُ العَدُوَّ صَدِيقا، وتَجْمَعُ الشَّمْلَ، وتَمْنَعُ الْخِلافَ بين الزَّوْجَيْن، وتَفْتَحُ قُلُوبَ
المَدْعُوِّين، وتَفْتَحُ بابَ الأَمَلِ لِليائِسِين والْمُحْبَطِين. ولِذلكَ
صارَتْ باباً عَظِيماً مِن أبْوابِ التَفاؤُلِ الذي يَحْتاجُهُ الناسُ اليوم، خُصُوصاً مَعَ كَثْرَةِ الفِتَنِ والأحْداثِ، والغَفْلَةِ عن ذِكْرِ اللهِ، ومُتابَعَةِ ما يُضَيِّقُ الصَّدْرَ ويُكَدَّرُ الخَواطِر.
فيَجِبُ على رَبِّ الأُسْرَةِ في بَيْتِه، أنْ يَتَذَكَّرَ هذا الحديثَ العَظِيمَ، وهُو قَوْلُه صلى اللهُ عليه وسلم: (
وَيُعْجِبُنِي الفَأْلَ )، فَيَبْعَثُ رُوحَ التفاؤُلِ في نَفْسِيَّاتِ أَوْلادِه، سَواءً ما يَتَعَلَّقُ بِدِينِهِم أو دُنياهُم، وَيَتَكَلَّم عن الجَوانِبِ
الإيجابِيَّة في المُجْتَمَع، فَيَمْدَحُ عِنْدَهُم الْمُحافِظِين على الصلاةِ في
المَسْجِد، والمُشْتَغِلين بِحفظِ القُرآنِ ودِراسةِ السُّنَّة، ويَتَكَلَّمُ
عَمَّن عُرِفُوا بِالبِرِّ وصِلَةِ الرَّحِمِ ومَكارِمِ الأخلاقِ، ويُشَجِّعُهم
عِنْدما يَرَى مِنْهُم ما يَسُرُّه، وَيَحُثُّهُم عَلَى التقْوَى والتَوَكُّلِ على
اللهِ، وأنَّ مَن اتَّقَى اللهَ وتَوَكَّلَ عَليه فإنه لا خَوْفٌ عليه وإِنْ خافَ
الناس. وأَنَّ مَن حَفِظَ حُدُودَ اللهِ وآوَى إلى رُكْنِهِ، آوَاهُ اللهُ
وأَمَّنَه وإِن اخْتَلَّ أَمْنُ الناس. ويَكْفِي في ذلك قَوْلُ النبيِّ صلى اللهُ
عليهِ وَسَلَّم لِعِبْدِ اللهِ بنِ عباسٍ رَضي اللهُ عنهما، وكانَ غُلاماً صغيراً
لَم يَبًلُغ: ( احْفَظ اللهَ يَحْفَظْك، احْفَظ اللهَ تَجِدْهُ تُجاهَك ).
فعَلِّمُوا أولادَكُم طَريقَ السعادَة، ورَبُّوهُم على الثِّقَةِ باللهِ، عن طريقِ
الكَلِمَةِ الطَّيِّبة، بَدَلاً مِن تَكْسِيرِ المَجادِيف، أو تَناقُلِ ما
يُضَيِّقُ الصَدْرَ مِن الأخبار. وهكذا الرجُلُ مَعَ جُلَسائِه، والْمُعَلِّمُ
مَعَ طُلاّبِه. وكذلك طالِبُ العِلْمِ مَعَ إِخوانِه الدُّعاةِ، أَو طُلاّبِه
الذين يَحضُرُون عِندَه، فإنَّ الكَلامَ عن الجَوانِبِ السَّلْبِيّةِ مِن أَجْلِ
عِلاجِها مُهِمٌّ، ولَكِنّ الترْكِيزَ عَلَيه فقط، يُورِثُ لِقُلُوبِ الغَيُورينَ
الْحُزْنَ واليأسَ مِن الإصلاحِ، وهذا مَمْنُوعٌ شَرعاً. فَإِن الْخَيْرَ لا
يَزالُ باقِيًا في هذه الأُمَّةِ إلى قيامِ الساعةِ، ودِينُ اللهِ هُوَ الْمُهَيْمِنُ
والظاهِرُ على جَمِيعِ الأديانِ وَلِلهِ الحَمْد، وَلَو كَرِهَ الكافِرون.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ
عِبادَ الله: قارِنُوا بَيْنَ قَوْلِ النبيِّ
صلى الله عليه وسلم: ( ويُعْجِبُنِي الفَأْل )، وبينَ ما يَجْرِي في وَسائِلِ
الإعلامِ وكَثيرٍ مِن القَنَواتِ الفَضائِيّةِ، سَواءً التي تُناقِشُ المَوَاضِيعَ
الاجتِماعِيَّةَ أو الأُسَرِيَّةَ أو السِّياسِيَّة. وكَيْفَ يَتَنَافَسُونَ في
التَنْغِيصِ على الْمُشَاهِدِ والْمُتابِعِ، ويَتَسارَعُون مِن أَجْلِ السَّبْقِ
إلى كُلِّ ما يُشْعِرُ الْمُتابِعَ بالخَوفِ وضِيقِ العَيْشِ ومَرارَةِ الواقِعِ، حَتَّى أَصْبَحَ البَعْضُ يَتَحاشَى مُتابَعَةَ ما يُعْرَضُ في وسائِلِ الإعلامِ
كَيْ يَعِيشَ مُرتاحَ البالِ, سالِماً مِن المَخاوِفِ وما يُضَيِّقُ الصَّدْرَ.
وفي الْمُقابِلِ تَرَى قِلَّةَ المُواضِيعِ التي تُفْرِحُ الْمُشاهِدَ، وتَشْرَحُ
صَدْرَه، وتَبْعَثُ الأَمَلَ في نَفْسِه، والسَّكِينَةَ في قَلْبِه، وتَرفَعُ
هِمَّتَه وَطُمُوحَه، وتُعالِجُ مَشاكِلَه وهُمُومَه بالطُّرُقِ التي تَرْفَعُ
مَعْنَوِيَّتَه وتَفْتَحُ بابَ الأَمَلِ أَمامَه، وتُعَلِّقُهُ باللهِ وبِقَضائِهِ
وقَدَرِه، فإنّ مِن أَعْظَمِ ثَمراتِ الإيمانِ بالقَدَرِ: حُصُولَ الرِّضا
والطُمَأنِينَةِ والسَّكِينَةِ، واليَقِينَ التامَّ بأنّ الأَمْرَ بِيَدِ اللهِ
وحدَه، لا بِأيدِي البشَر، خُصُوصاً الشبابَ، فإنهم بِحاجَةٍ إلى ذلك أَكْثَرُ مِن
غَيْرِهِم.
اللهم
اهدِنا لأحسنِ الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم
إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم إنا نعوذ بك من الهم
والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم
أصلح أحوال المسلمين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،
اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة واحدة على من
سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين،
اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم ارحم
المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن
المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين،
اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها
وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث, واجعل
ما أنزلت لنا قوةً وبَلاغاً إلى حين. اللهم أنزل علينا من السماء ماءً مباركاً,
تُغيثُ البلادَ والعبادَ, وتَعُمُّ به الحاضِرَ والبَاد يا أرحم الراحمين . اللهم
أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا . اللهم لا تردنا خائبين، اللهم صلّ وسلم على
نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |