| مَكانَةُ الْمُصَلِّي
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، أيُّها الناسُ: اتقُوا اللهَ تَعالَى،
وَعَظِّمُوا شَعائِرَهُ، فإنَّ ذلِكَ مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ، واعْلَمُوا أَنَّ شَأْنَ الصلاةِ عَظيمٌ، لأنَّها أَوْجَبُ
الواجِباتِ بَعْدَ الشَّهادَتَيْنِ. وَلِعِظَمِ شَأْنِها: حّثَّ الشارِعُ الحَكِيمُ عَلَى احْتِرامِ الْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي،
وَأَعْطاهُ مِنَ الحُقُوقِ والخَصائِصِ والفَضَائِلِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَكانَتِهِ
وَعَظِيمِ قَدْرِه. فَمِنْ ذلك: أَوَّلًا: تَحْريمُ الْمُرُورِ بين يَدَي الْمُصَلِّي:
لِقَوْلِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( لَوْ
يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ،
لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ
). فَلَا يَجُوزُ لَأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ أمامَ الْمُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ،
احْتِرامًا لَه، ولِعِبادَتِه، لِأَنَّه يُناجِي رَبَّه. والْمُرادُ بِقولِه: ( بَيْنَ يَدَيْهِ )، أَيْ: بَيْنَ الْمُصَلِّي وبَيْنَ
السُّتْرَةِ، إذا كانَ قَدْ وَضَعَ سُترةً أَمَامَه. فَإنْ لَمْ يَكُنْ أمَامَهُ
سُتْرَةٌ، فَإِنَّ الْمُرادَ هُوَ الْمَسافَةُ الْمُقَدَّرَةُ التي تَكُونُ بَيْنَ
الْمُصَلِّي والسُّتْرَةِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أذْرُعٍ، أَيْ قُرابَةُ مِتْرٍ
ونِصْفِ الْمِتْرِ. فإذا أَرادَ الشَّخْصُ أَنْ يَمُرَّ أَمَامَ الْمُصَلِّي، فَلْيَبْتَعِدْ
عَنْهُ مَسَافَةَ مِتْرٍ وَنِصْفِ، كَيْ لَا يَقَعَ في الإثْمِ. ثَانيًا: أَنَّ الْمُصَلِّي يُناجِي رَبَّهُ: وَهَذا
تَكْرِيمٌ مِنَ اللهِ لِعَبْدِهِ الْمُؤمِنِ، إذا قامَ بَيْنَ يَدَيْهِ يُصَلِّي،
فَيَنْبَغِي لِلمُؤمِنِ أَنْ يَسْتَشْعِرَ هَذَا التَّكْرِيمَ، وَيَحْتَرِمَ هذا
الْمَقَامَ العَظِيمَ. ثالِثًا: أَنَّ العَبْدَ إذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إلى الْمَسْجِدِ
لَا يُريدُ إلَّا الصلاةَ، فَإِنَّه لَا يَخْطُو خُطْوَةً إلَّا رَفَعَهُ اللهُ
دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النبيُّ صلى
اللهُ عليه وسلم. رَابِعًا: أَنَّ العَبْدَ إذا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَجَلَسَ
يَنْتَظِرُ الصلاةَ فَإِنَّه في صَلَاةٍ، والْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَه
وَتَدْعُو لَه، ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ،
اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ )، مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يُؤذِ أَحَدًا، كَمَا
أَخْبَرَ بِذلِكَ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم. خَامِسًا: أَنَّ الْمُصَلِّيَ قَرِيبٌ مِن اللهِ، خاصَّةً حَالَ
السُّجُودِ، قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ
سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ). سَادسًا: أَنَّ الْمؤمنَ العاصِيَ، إذا مات مِنْ غَيْرِ
تَوْبَةٍ، فَإِنَّ أَمْرَهُ إلى اللهِ، إِنْ شاءَ غَفَرَ لَه، وَإنْ شاءَ
عَذَّبَهُ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ لِيُطّهِّرَه، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الجَنَّةَ، وَلَكِنَّ
الأمْرَ العَجيبَ هُوَ أَنَّه إذا دَخَلَ النارَ، فإنَّ
النارَ لَا تَأْكُلُ مَوَاضِعَ السُّجُودِ، لِأَنَّ اللهَ تَعالَى حَرَّمَ عَلَى
النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَواضِعَ السُّجُودِ. فَهِيَ مَوَاضِعٌ مُحْتَرَمةٌ في
بَدَنِ الْمُصَلِّي. سَابِعًا: مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جُنْدَبَ
بْنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ
فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ
مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ ). وَهَذا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ
التَّعَرُّضِ بِالأَذَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَإِنَّ مَنْ
صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي أمانِ اللهِ وَضَمَانِهِ، وَلَا
يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَنْ أمَّنَهُ اللهُ. وَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُ،
فَقَدْ أَخْفَرَ ذِمَّةَ اللهِ وَأَمانَهُ، فَيَسْتَحِقُّ عِقابَ اللهِ لَهُ عَلَى
إخْفارِ ذِمَّتِهِ، والعُدْوانِ عَلَى مَنْ فِي جِوَارِهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّه
يَجِبُ احْتِرَامُ الْمُسْلِمِينَ الذينَ صَدَّقُوا إسْلَامَهُمْ بِصَلَاةِ الفَجْرِ،
لِأَنَّ صَلَاةَ الفَجْرِ لَا يُحافِظُ عَلَيْها إلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَنَّه لَا
يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِمْ. وَالْمُرادُ
في الحَدِيثِ: أَنْ يُصَلِّيَها في
جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الذي لا يَشْهَدُ صَلاةَ الصُّبْحِ في جَماعَةٍ، قَدْ
تَلَبَّسَ بِعَلامَاتِ النِّفاقِ، فَكَيْفَ يَكُونُ في ذِمَّةِ اللهِ؟!
لِقَوْلِ النبيِّ صلى اللهُ عَليهِ وسلم: ( أَثْقَلُ
الصَّلاةِ عَلى الْمُنافِقِينَ صَلاةُ العِشاءِ وَصلاةُ الفَجْرِ ). باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية الْحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا
عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد: عِبادَ اللهِ: وَمِنَ الأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاحْتِرامِ الْمُصَلِّي: مَنْعُ مَنْ أكَلَ الثومَ والبَصَلَ من دُخُولِ الْمَسْجِدِ،
كَيْ لَا يَتَأَذَّى الْمُصَلِّي بِالرائِحَةِ الكَرِيهَةِ. بَلْ إِنَّ
النبيَّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ نَهَى عَنْ قُرْبانِ الْمَسْجِدِ، وَهذا
أَبْلَغُ مِنْ مَنْعِ الدُّخُولِ. فَيَجِبُ عَلَى مِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ
يَحْذَرَ مِنْ ذلك. وَلَيْسَ الحُكْمُ خاصًّا بِالثُّومِ والبَصَلِ، لِأَنَّ
الحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِه، فَكُلُّ رائِحَةٍ مُؤذِيةٍ فَإِنَّه يَجُبُ
التَخَلُّصُ مِنْها قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ. وَمِن الأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ
بِاحْتِرامِ الْمُصَلِّي: أَنَّ
الْمُصَلِّيَ مَشْغُولٌ بِمُناجاةِ اللهِ، فَلَا يَجُوزُ التَّشْوِيشُ عَلَيْهِ
بِرفْعِ الصَّوْتِ بِالقِراءَةِ، أَوْ التَحَدُّثِ عِنْدَه بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ.
فَإِنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً عَلَى أصحابِهِ وَهُمْ
يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجْهَرُونَ بِالقِرَاءَةِ، فَقَالَ: ( كُلُّكُمْ يُناجِي رَبَّه، فَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى
بَعْضٍ بِالقُرْآنِ ). وإذا نُهِيَ الْمُسْلِمُ
عَنْ أَذِيَّةِ الْمُصَلِّي بِرَفَعِ الصَّوْتِ بِالقُرآنِ، فَمَا بَالُكُم
بِنَغَمَاتِ الجَوَّالِ، التي تَسَاهَلنا فِيها، والتي يَجِبُ التخَلُّصُ مِنْها
فِي غَيْرِ الْمَساجِدِ، لِنَهْيِ الشارعِ الحَكِيمِ عَنْها، فَكَيْفَ بِها فِي
بُيُوتِ اللهِ؟. اللَّهُمَّ عَلِّمْنا مَا يَنْفَعُنَا وَانْفَعْنَا بِمَا
عَلَّمْتَنَا وَفَقِّهْنا فِي دِينِكَ يَا ذَا الجَلَالِ والإكْرامِ، اللَّهُمَّ
أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا
دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي
إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ،
وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللهُمَّ احفظْنا بالإِسلامِ
قائمينَ واحفظْنا بالإِسلامِ قاعدِين واحفظْنا بالإِسلامِ راقدِين ولا تُشْمِتْ بِنا
أَعداءَ ولا حَاسِدِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ،
وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ،
اللهُمَّ أصلحْ أَحوالَ الْمُسْلِمِيْنَ، اللهُمَّ عَليكَ بِالكفرةِ والْمُلِحِدِين
الذَّين يَصدُّون عَن دِينِكَ وَيُقَاتِلُون عَبادَك الْمُؤمِنين، اللهُمَّ عَليكَ
بِهم فإنهمْ لا يُعجزونَكَ، اللهُمَّ زَلْزِل الأرضَ مِن تحتِ أَقَدَامِهم، اللهُمَّ
سلِّطْ عَليهم منْ يَسُومُهم سُوءَ العذابِ يا قويُّ يا متين، اللهُمَّ احفظْ
بلادَنا مِن كَيدِ الكَائِدِينَ وعُدْوانِ الْمُعتدينَ، اللهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمرِنا
بِتَوفِيقِك، وَأَيِّدْهُم بِتأَييدِك، وَاجْعَلْهُم مِن أَنصارِ دِينِك، وَارزقْهُم
البِطانةَ الصَّالحةَ النَّاصِحةَ يَا ذَا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ
مِنْهُم وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللَّهمَّ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونحنُ
الفقراءُ أنزِلْ علينا الغَيْثَ واجعلْ ما أَنزلتَ لَنا قُوَّةً وبَلاغًا إِلى حِينٍ،
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا طَبَقَاً سَحَّاً
مُـجَلِّلاً ، عَامَّاً نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجَلاً غَيْرَ آجِلٍ، اللَّهُمَّ
أَنزلْ عَليْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُـبَارَكَـاً تُـحْيِي بِهِ الْبِلَادَ،
وَتُغِيثُ بِهِ الْعِبَادُ، وتَـجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ، اللَّهُمَّ
أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهمَّ لا تَرُدَنا
خَائِبِين. اللهُمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى
نَبِيِّـنَا مُحَمَّد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |