قيمة المسلم
الحمد لله القريب المجيب ، و الرقيب الحسيب ، } يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله الله ، وحده لا شريك له ، } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته سبحانه لعباده ، وخير زاد يتزود به العبد ، في حياته لمعاده ، فالله U يقول في كتابه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، ويقول أيضا : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { فلنتق الله - أحبتي في الله - جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن للمسلم قيمة عظيمة ، ومكانة سامية رفيعة ، ومنزلة عالية ، جعلها الله U له ، وميزه بها عن سائر مخلوقاته ، وحرم سبحانه ، كل أمر من شأنه المساس بها ، أو التعدي عليها ، أو التقليل من شأنها ، فعَنِ الشَّعْبِيِّ - رحمه الله - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَمَا أَعْظَمَ حَقَّكِ ، وَلَلْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ ، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ ، وَحَرَّمَ دَمَهُ ، وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سوءٍ .
فللمسلم - أيها الأخوة - قيمة تجعله يعيش كريما في حياته ، وتؤهله للسلامة والنجاة من أذية إخوانه ، ولذلك - أيها الأخوة - جميع المخالفات ، التي ترتكب بحق المسلم ، سببها عدم معرفة قيمته ، وجهل مكانته ومنزلته ، صار المسلم يضحي بالمسلم ، ويعتدي عليه ، من أجل أسباب تافهة ، ويسيئ إليه من أجل شهوة خاصة ، أو عاطفة للدين مخالفة .
مجتمعنا - أيها الأخوة - يعاني من كثير من المخالفات ، بل الجرائم والمنكرات ، بسبب تجاهل قيمة المسلم ، وما الغيبة والنميمة ، والاستهزاء والسخرية ، والهمز واللمز ، وعدم القيام بالواجبات ، وإهمال الحقوق ، بل والسجن والضرب والقتل ، إلا دليل واضح ، على ضياع قيمة المسلم في مجتمعات المسلمين ، وبرهان بيّن لترك ما أوجب رب العالمين .
أيها الأخوة :
إن مرجعنا في معالجة مشاكلنا في حياتنا ، هو كتاب ربنا U ، وسنة نبينا r ، والمنهج السليم ، الذي سار عليه الصالحون من أسلافنا ، فلو تأمّلنا ، ما جاء في ذلك في مجال قيمة المسلم ، نجد الاهتمام الواضح ، في المسلم وقيمته ، والعناية التامة في مكانته ، وتحريم كل أمر من شأنه الحط أو التقليل من منزلته ، ففي حجة الوداع ، في يوم عرفة ، في شهر ذي الحجة ، وفي مكة المكرمة ، وبين المشاعر المقدسة ، وقف النبي r يخطب ، كما جاء في الحديث المعروف ، فقال r : (( أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى ألا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ r ، قَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ , ثُمَّ قَالَ : أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ، قَالَ : أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ ، قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ )) - قَالَ راوي الحديث : فَلاَ أَدْرِي قَالَ : وَأَعْرَاضَكُمْ ، أَمْ لاَ - (( كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا , أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ r ، قَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ )) .
فحُرْمة المسلم تساوي أيها الأخوة ، حرمة يوم عرفة ، في شهر ذي الحجة ، في مكة المكرمة ، وهذا فيه دليل على عظم مكانته ، وغلاء قيمته ، وسمو منزلته ، وخطورة الاعتداء عليه ، بأي شكل من الأشكال ، أو بأي نوع من أنواع الاعتداء ، يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ )) فمجرد أن يأتي في نفسك شيء من التقليل من شأن أخيك المسلم محتقرا له ، اعتبره النبي r كافيا من الشر لك - والعياذ بالله - بل لو تقلل من شأنه بإشارة مفهومة ، قصدك احتقاره والتقليل من شأنه ، يعتبره الشرع والدين ، جريمة نكراء ، ومفسدة من أخطر المفاسد وأشنعها ، ففي الحديث الذي رواه أبو داوود ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ r : حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا - تَعْنِي قَصِيرَةً - فَقَالَ r : (( لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ )) أي لو خلطت بماء البحر لغيرته وأفسدته .
مجرد إشارة تنم إلى أنها قصيرة ، وهي كذلك ، ولكن الغير مقبول ، ولا ينبغي ، ولا يحل ، أن هذه الإشارة أتت من باب التقليل من قيمة هذه المسلمة .
فلنتق الله - أحبتي في الله - ولنحذر أن نقلل من قيمة إخواننا المسلمين ، أو نتسبب في إيذائهم ، نتيجة استهانتنا في قيمتهم ، ففي الحديث الحسن ، يقول النبي r : ((مَنْ آذَى مسلما فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ )) .
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
لا شك أن قيمة المسلم ، تأتي نتيجة إسلامه ، وطاعته لربه ، لأنه إن لم يكن كذلك فلا قيمة له ولا كرامه ، كما قال تبارك وتعالى : } وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ { فقيمة المسلم وتقديره واحترامه ، ليس من أجل كثرة ماله ولا علو منصبه ، ولا لشهاداته ، إنما يكون ذلك لانتسابه للإسلام وتمسكه به ، وعمله بتوجيهاته وتعليماته ، ولذلك - أيها الأخوة - أبو بكر الصديق t ، لما وجد بلال بن رباح t ، يُعذّبه أمية بن خلف ، وكان سيدا له ، قال ابو بكر الصديق t : أشتريه منك يا أمية ، فقال أمية : خذه ولو بعشرة دنانير ، قال أبو بكر : والله لو جعلت ثمنه مائة ألف دينار لاشتريته منك ، فاشتراه الصديق t وأعتقه لوجه الله .
أيها الأخوة :
إننا في زمن يحتاج لإعادة النظر في قيمة إخواننا المسلمين ، حيث صارت قيم الأشياء ، لأمور تافهة ، ومظاهر زائفة ، ولا أدل على ذلك من شراء لا عبين كفرة ، بملايين الدراهم ، بل حتى الحيوانات ، صارت لها قيم باهضة ، فالواحدة من الإبل ، صار يدفع لشرائها ، ما يعادل دية مئات المسلمين ، بل حتى الكلاب - أعزكم الله - صار يعتنى بها ، ويحافظ عليها ، أكثر من الاعتناء والمحافظة على الفرد المسلم ، والواقع أكبر برهان .
أسأل الله U ، أن يعلي شأن المسلمين ، وأن يجعلهم على الصراط المستقيم ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، واحمي حوزة الدين ، واجعلنا جميعا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر ، برحمتك يا أرحم الراحمين .اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، وعجل بزوال الطغاة المجرمين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |