إلا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواته
ردا على ما نشرته جريدة الرياض الأربعاء 29 شوال 1434هـ من مقال إبراهيم المطرودي كان الأستاذ إبراهيم بن سليمان المطرودي المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يكتب في الصحف كتابات تستغرب من مثله ومن هو في مثل منصبه حيث لا يتناسب مع من ينتسب لهذا الجامعة العريقة دارسا ومدرسا أن تصدر منه تلك المقالات لغرابة مضامينها ولما فيها من أفكار شاردة. وكنا نغض الطرف عن هذه الكتابات راجين أن يتراجع عنها إلى مواضيع مفيدة ونافعة أو أن الجامعة تتخذ معه إجراء مناسبا ولكنه - هداه الله - تمادى في مساره بل تجاوز الخطوط الحمراء حيث تجرأ على حديث صحيح روته أصح دواوين السنة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم اللذين يبلغ ما ورد فيهما أعلى درجات الصحيح وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقال: "إنا لم نخلق لهذا وإنما خلقنا للحرث" فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم، فقال: "فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر".
فقال الكاتب: (لم أجد لي مهربا من السؤال بوجهيه: كلام البقرة أن وحي إلا الشك في صدور الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عده الكاتب شيئا مما لم يصب البخاري في عزوه إلى الرسول - إلى أن قال: ( والقول بمثل هذا يصطدم بقاعدة صارخة صارمة أن الله لم يوح للحيوانات ولم يجعلها مصدر المعرفة أحكامه) إلى أن قال: (وأحسب من يؤمن بهذا الحديث ويصدق بعزوه إلى رسول الله الإسلام يلزمه أن يقول إن الله تعالى يوحي للحيوانات ويجعلها وسيلة للتشريع) إلى آخر ما قال حول هذا الحديث الشريف مما يدور حول التشكيك في الحديث وتجهيل البخاري ومسلم وأئمة الحديث الذين رووه في دواوينهم، والرد عليه من وجوه:
أولا: الصحابة رضي الله عنهم لما سمعوا الحديث لم يعترضوا عليه وإنما سبحوا تعجبا من قدرة الله تعالى حيث أنطق الحيوان، ولله قادر على كل شيء فهو ينطق الأيدي والأرجل حينما تشهد على أصحابها يوم القيامة ونقول: (أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ).
ثانيا: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر" ليس معناه أن البقية لا يؤمنون به وإنما معناه أن الإيمان يتفاضل فإيمان الرسول صلى الله عليه وسلم وإيمان أبي بكر وعمر أفضل من إيمان بقية الصحابة.
ثالثا: الذين رووا هذا الحديث وعزوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هم أهل الثقة عند أهل الإسلام فقد أجمع المسلمون على قوة حفظهم وإتقانهم وتوثيقهم للمرويات سندا ومتنا ووثقوا بصحة ما يعزونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فالتشكيك فيهم تشكيك في أعظم أئمة الإسلام ودواوين الإسلام. وماذا يبقى للمسلمين إذا اهتزت الثقة بالإمام البخاري وبالإمام مسلم وبقية أئمة الحديث وكلهم رووا الحديث ولم يشككوا فيه كما صنع هذا الكاتب ـ هداه الله ـ نتيجة لدخوله فيما لا يحسنه والله تعالى يقول: ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
رابعا: (القول بمثل هذا يصطدم بقاعدة صارخة صارمة وهي أن الله تعالى لم يوح للحيوانات ولم يجعلها رسوله للتشريع للناس) نقول له: من أين أتيت بهذه القاعدة وهي: أن الله لم يوح للحيوانات والله تعالى يقول: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) فالوحي على قسمين:
وحي إلهام وهو الذي حصل للنحل.
ووحي إرسال وتشريع وهو الذي يحصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن وحي الإلهام ما حصل لأم موسى قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) الآية.
والكاتب لم يفرق بين النوعين مما أوقعه في هذا التخبط العجيب ونقول له ناصحين: دع ما ليس من اختصاصك وأعط القوس باريها كأمثال البخاري ومسلم وأئمة الحديث وأرح القراء من هذا الخوض.
خامسا: الله خلق الحيوانات ونوعها وجعل لكل نزع منها عملا تستعمل فيه لتقوم بذلك مصالح العباد باستخدامها وفي تغيير استخدامها وما خصت له تعطيل لانتفاع العباد بها وتعذيب لها، والله كتب الإحسان على كل شيء كما في الحديث كما قال تعالى: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ).
ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق لفهم كتابه وسنة نبيه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
في 09/11/1434هـ
المصدر
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/14992
|