العقوبات التي عاقب الله بها العصاة والكافرين
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم كتابه المبين: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه وتعالى عما يشركون، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثير، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واجتنبوا الذنوب والمعاصي، وتوبوا إلى الله عز وجل فإن الذنوب والمعاصي هي سبب الهلاك العاجل والآجل فمن الذي أخرج الأبوين من الجنة إلا بسبب الذنب الذي وقع فيه ولكنه ما تاب إلى الله فتاب الله عليهما (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) وما الذي طرد إبليس من ملكوت السموات والأرض وجعله لعيناً قائداً إلى كل شر إلا بسبب تكبره عن أمر الله سبحانه وتعالى لما أمره بالسجود لآدم فتكبر في نفسه وحسد آدم ولم يتب إلى الله عز وجل بل استمر في طغيانه حتى لعنه الله وطرده وجعله قواداً لكل شر، وما الذي أغرق أهل الأرض حتى هلكوا عن آخرهم حتى علا الماء على رءوس الجبال ولم ينجوا منه إلا نبي الله نوح عليه السلام ومن معه في السفينة، وما الذي أهلك عاداً بالريح القيم وجعلهم (أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) وما الذي أهلك ثمود بالصيحة التي قطعت قلوبهم في أجوافهم فأصبحوا جاثمين في ديارهم، وما الذي أهلك الأمم السابقة إلا الذنوب والمعاصي (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).
فلنتقي الله سبحانه وتعالى، ولنحاسب أنفسنا وننظر في أعمالينا وننظر ما حل بنا فإن في هذا الزمان كما تعلمون قد حل من الكفر ومن الشر ومن الفسوق والمعاصي ما لا يعلمه إلا الله ضيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضيع التناصح والتواصي بالحق حتى حدث أمراض وآفات وعقوبات متتابعة ظهرت في الأرض وفي الجو وفي البر والبحر آثارها وخرابها كل ذلك بسبب الذنوب والمعاصي إنها عقوبات متنوعة في الأنفس وفي الأموال وفي الأولاد، في الأنفس ما تسمعون وما تشاهدون من الأمراض الفتاكة، فمن مرض الإيدز الذي هو فقد المناعة من الجسم ويتعدى بإذن الله إلى من خالط المصاب ولذلك يعزل هؤلاء المصابون بهذا المرض يعزلون عن الناس ويبقون في عزلة حتى يموتوا وسبب هذه الآفة فعل الفواحش من الزنا واللواط والعياذ بالله صدق الله العظيم: ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)، إلى مرض أنفلونزا الطيور حتى تلف وأتلف الناس أموالهم من الحيوانات بسبب هذا المرض ولا تزال آثاره باقية، إلى مرض أنفلونزا الخنزير الخنازير الخبيثة التي حرمها الله وأخبر أنها رجس ومع هذا يأكلها النصارى ويستبيحونها فأصابهم الله بهذا المرض الذي روع العالم بأسره وعملت الاحتياطات لتخوف من هذا المرض ولكن تحوطاتهم وأعمالهم لا تغنيهم من الله شيئا فلابد من درا هذه الأخطار لابد من الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وكذلك في الأموال أنتم ترون وتسمعون هذه المصائب في الأموال وما أصيبت به الأموال من التلف والخسارة النكسات الاقتصادية العالمية حتى ذهبت أموال عظيمة وأصيب أناس بالفقر والفاقة والعسر بعد أن كانوا أغنياء لما أدخلوا أموالهم في هذه المساهمات الموبئة المجهولة وربطوا اقتصادهم باقتصاد الكفار الذين لا يتورعون عن الربا ولا يتورعون عن القمار ولا يتورعون عن كسب المال الحرام فأصيب كثير من المسلمين بسبب دخولهم مع هؤلاء في معاملاتهم للمساهمات، والله جل وعلا حرم على المسلمين الربا وتوعد عليه بأشد الوعيد وأخبر أن لا خير فيه وأنه ممحوق البركة (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)، وكذلك القمار وهو الميسر قرين الخمر والأنصاب والأزلام (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) فالميسر وهو القمار هو عمدة اقتصاد الدول الكافرة وقد شاركهم بعض المسلمين في هذه المساهمات والقمار ما هو القمار؟ ما هو الميسر؟ كل المراهنات والمخاطرات كلها من الميسر وكل بيع محرم فهو من الميسر والكفار لا يتورعون عن حرام لكن العبرة بالمسلمين الذي يقدون على مشاركتهم والمساهمة معهم ولا يبالون بما يترتب على ذلك من العقوبات والخسارة.
فاتقو الله، عباد الله، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في أموالكم، اتقوا الله في جميع أموركم (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) فالأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى وهو الذي يرزق (هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه وشكروا له، قد بين الله سبحانه وتعالى لكم طرق الكسب الحال ووضحها لكم وحذركم من الكسب الحرام وبين لكم عقوبته وآثاره (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، الحكمة في ظهور الفساد في البر والبحر إنما هو لأجل أن يذق الله الناس عقوبة أو بعض العقوبة السيئة لعلهم يرجعون ويتوبون إليه سبحانه وتعالى هذه هي الحكمة (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى).
فتقوا الله، عباد الله، إن صلاح الأرض وصلاح البر والبحر إنما هو بطاعة الله واتباع رسوله فإن الله جل وعلا أصلح الأرض بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتحكيم الشرع المطهر وإقامة الحدود والأمر بالمعروف النهي عن المنكر فبذالك تطهر الأرض وتصلح، وأما فساد الأرض فهو بالذنوب والمعاصي والمخالفات أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وقال تعالى: ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى جعل لكم مخرجاً من ما يحصل من الذنوب والمعاصي ومن العقوبات وذلك بالتوبة إليه واستغفاره والرجوع إليه سبحانه وتعالى قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) قال تعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) فالحمد لله الذي لا يعاجل عباده بالعقوبة وإنما يمهلهم ويأمرهم بالتوبة والاستغفار، فإذا تابوا تاب الله عليهم وعفا عنهم ورد عليهم الخير الذي فقدوه وأصلح أعمالهم، وأما إذا تمادوا في طغيانهم وفي غيهم فإن الله يستدرجهم ثم يأخذهم على غرة (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فاتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا ووفقهم للعمل لما يرضيك، اللهم وفقهم لما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
المصدر
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/1767 |