وأتموا الحج والعمرة لله
خطبة الجمعة 26-11-1433هـ
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، جعل الحج إلى بيته أحد أركان الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلَّ وصام وحج بيت الله الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعملوا أن الحج له فضل عظيم قال الله جلَّ وعلا: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور، ليس له جزاء إلا الجنة"، والحج المبرور هو الذي يتقبله الله سبحانه وتعالى من عبده إذا أداه على الوجه المشروع، قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى هذا البيت، فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
والحج يا عباد الله، له أحكام عظيمة ينبغي؛ بل يجب على المسلم أن يعرفها ليؤديه على الوجه المشروع، لا يؤديه على حسب العادات والتقاليد؛ بل يؤديه على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم" أي تعلموا مني أحكام حجكم مما أقوله وأفعله في هذا الحج في حجة الوداع، والله جلَّ وعلا قال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) كلمتان عظيمتان يتضمنان منهج الحج الصحيح المقبول عند الله، الكلمة الأول: أتموا الحج، الكلمة الثانية: لله، فالأول تعني أن يكون الحج تاماً بمناسكه على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكلمة الثانية: (لله) تعني الإخلاص لله عز وجل في الحج كغيره من سائر العبادات، وإتمام الحج يكون بأداء مناسكه كما أمر الله وكما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا من العادات والتقاليد واجتهادات الشخصية، فيكون الحج تاما إذا أديت مناسكه ولم ينقص منها شيئاً، فإن نقصت منها شيئا لم يصح حتى تأتي بهذا الناقص، وهو يختلف باختلاف نوعية الناقص، وإذا فعلت هذه المناسك من غير اتباع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأدخلت فيها البدع والمحدثات والعادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" أي: مردود عليه، والنقص في الحج يأتي إما من الجهل، فيجب على الإنسان أن يتعلم مناسك الحج، وكيف يؤديها قبل أن يحج؟ وذلك بالقراءة مما كتب في المناسك الصحيحة، وبسؤال أهل العلم قبل أن يحج حتى يؤديه على الوجه المشروع عن علم وبصيرة، وإما أن يكون النقص في الحج بسبب العجلة، بسب العجلة في أداء المناسك لأجل أن يتخلص ويرجع إلى بلده في أسرع وقت ممكن وهذا غلط شديد، الواجب أن تؤدى مناسك الحج كما شرعها الله في أوقاتها المحددة حتى ينتهي الحج، قال الله سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) وهو اليوم الثاني عشر (وَمَنْ تَأَخَّرَ) إلى اليوم الثالث عشر(فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فلا يستعجل الإنسان، جاء من مسافة بعيدة، وأنفق أموال كثيرة، يريد الحج، ثم يتلاعب به الشيطان والهوى فينقص منها، ويقدمها عن أوقاتها، ليفرغ منها سريعا ويعود إلى بلده، إذا هو تعب ولكنه لم يتم الحج لله عز وجل، وإما أن يكون النقص في الحج بسبب تتبع الفتاوى الخاطئة، والأقوال الشاذة، لأجل أن يتخلص في أسرع وقت ممكن، أفتى فلان وقال فلان ورخص فلان، ولا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال فلان وعلان، فيطوي مناسك الحج بسبب الفتاوى الضالة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تبرئ ذمته، فعلى المسلم أن يتوطن في الحج وهو على خير، في عبادة ولا يتسرع، ويتتبع الرخص، وإنما يتبع قال الله قال رسوله وما قاله أهل العلم الراسخين في العلم الذين يتقون الله قال جلَّ وعلا: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) الذين يخشون الله عز وجل، أما أن يتبع كل ما قيل ولا يسأل عن صحته ومن قاله فهذا ضلال مبين، وعلى حسابه وحساب حجه، ولا ينفعه من أفتاه عند الله سبحانه وتعالى، وإما أن يكون النقص في الحج بسبب الحملات، الحملات يا عباد الله هذه التي همها جمع المال، وهي تأخذ أموال الناس وقليل من أصحابها من يبرئ ذمته ويؤدي بهم الحج المطلوب؛ بل يريد أن يرجع بهم في أسرع وقت ليوفر المال، ليوفر المال الذي يأخذه منهم، سمعنا أن من أصحاب الحملات من يخير المتقدمين إليه، هل تريد حجا بسعر كذا وكذا أو تريد حجا بسعر كذا وكذا أنزل وأخفض؟ يا سبحان الله الحج يتخذ للمال وفيه حج غالي وفيه حج رخيص، نعم رخيص لأنهم لا يكملونه، لا يبيتون في منى، لا يأخذ لهم منازل في منى؛ بل يتركهم يذهبون ويستأجرون في الشقق في العزيزة أو في غيرها، وهذه الشقق ليست من مشاعر الحج، الحج في أيام في منى يكون في منى، وأصحاب الحملات يقدرون على أن يأخذوا مخيمات في منى، لكن بثمن وهم لا يريدون أن يدفعوا ثمناً كثيرا لأجل أن يوفروا المال، كذلك من أصحاب الحملات من يسرع بمنسوبيه قبل أن يكملوا حجهم، ويحثهم على السرعة وعلى أن يطووا مناسك حجهم لأجل أن يرجع بهم ويوفر المال وهذا غلط كبير من الحاج ومن صاحب الحملة، وعلى الجميع أن يتقوا الله سبحانه، الله جل وعلا قال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ) لم يقل حجوا فقط قال: (وَأَتِمُّوا) أتموا الحج، إذا حججت فأتم الحج وإلا فجلس في بيتك، لا يكون التعب بدون فائدة، فهذا واجب على المسلم أن يتقي الله في نفسه وفي حجه وفيمن ولاه الله عليهم ولا يكون نظرته مالية فقط؛ بل تكون نظرته أمانة بينه وبين الله سبحانه وتعالى، فليتقي الله أصحاب الحملات، فكم يشتكي منهم؟ كم يشتكي منهم الذين يذهبون معهم من التصرفات السيئة ومن القصور؟ دعوكم من القصور في الأكل والشرب هذا أمره سهل مع أنه أمانة؛ لكن هو بالنسبة للقصور في أداء المناسك أمر سهل، فالأموال تذهب وتهون أمام أحكام الدين، فعلى المسلم سواء كان في الحملة أو في غيرها وعلى أصحاب أن يتقوا الله عز وجل في حجهم وفي حج المسلمين معهم، والكلمة الثانية: قوله: (لِلَّهِ)، ماذا تعني كلمة لله؟ تعني عن الإخلاص من الشرك ومن الرياء ومن السمعة أن يحج، ومن النزهة أيضا؛ بل يحج لوجه الله عز وجل، تقربا إلى الله سبحانه، إجابةً لنداء الله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)، فعلى المسلم أن يستشعر ما هو الحج؟ ولماذا شرع الحج؟ فيؤديه كما أراد الله وكما أمره الله سبحانه وتعالى ولو أخذ عليه بعض الوقت فإنه في طاعة الله عز وجل، لا يتضايق من طول الوقت، إذا طال عليه ينتظر أداء المناسك بأمانة وإخلاص لا ينتظر طول الوقت، فإنه في سبيل الله عز وجل، ويكون حجه خالصا لله ليس فيه رياء، ليس فيه سمعة، ليس فيه قصد للمال، بأن ينوب عن غيره بالحج ليأخذ المال، لا يكون هذا قصده فإنه لو حج لأجل المال ليس له حج (لِلَّهِ)، كذلك من باب أولى لا يكون عنده شرك في القبور والأضرحة وزيارة الآثار والتبرك بها، فإن كثيرا من الحجاج لا يأتون إلى المسجد الحرام إلا قليلا، لا يأتون إلى المسجد الحرام الذي الصلاة الواحدة فيه عن مائة ألف صلاة فيه، لا يعتكفون في المسجد الحرام بمعنى أن يصرفوا وقتهم إذا توفر لهم وقت وتمكنوا أن يصرفوا وقتهم في المسجد الحرام لا، يصرفونه في زيارة القبور والأضرحة والآثار فيتبركون فيها ويدعون غير الله عز وجل، أين الحج؟ وأين العبادة؟ الله جل وعلا يقول: (لِلَّهِ) ما حججت لفلان أو علان تطلب بركته وتطلب جاه، وتطلب أن يشفع لك، إنما حججت لله عز وجل، فترك غير الله عز وجل، فإذا كنا قصدك تذهب للضريح الفلاني والقبر الفلاني والغار الفلاني والأثر الفلاني حجك لغير الله، ليس هو لله، والله لا يقبل من الأعمال إلا ما كنا خالصاً لوجهه، وصواباً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا في جميع الأعمال وفي الحج خاصة، فعلى المسلم أن يستشعر عظمة الحج وما فيه من المناسك والعبادات فيؤديها على الوجه المطلوب، ينفقون أموالهم للسيارة الأجرة التي تذهب بهم إلى غار حراء، وإلى غار ثور، وإلى مقبرة أو قبر فلان يصرفونها وينفقون أموالها في سخط الله عز وجل، فعلى المسلم أن يتوب إلى الله، وأن يُخلص نيته لله في جميع أعماله، وأن يعبد الله كما شرعه الله سبحانه وتعالى.
فاتقوا الله في حجكم وعمرتكم وأدوهما كما أمركم الله لترجعوا بالثواب العظيم، والأجر الجزيل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعملوا أنكم في مستقبل عشر مباركة، هي عشر ذي الحجة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما من أيام العمل خير وأحب إلى من هذه الأيام العشر"، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"، فهي أيام مباركات يشرع فيها التكبير من بدايتها إلى نهايتها، يُشرع فيها الصيام صيام العشر إلا يوم عرفة للحاج فلا يصمه، وأما غير الحاج فيصوم التسعة جميعا أما يوم العيد فإنه يوم الحج الأكبر وهذا لا يجوز صيامه، يحرم صيامه، فيصوم التسعة إن كان غير حاج، يصوم الثمانية إن كان حاجا فيها فضل عظيم، فيها ثواب جزيل، يكثر من الصدقات، يكثر من الصلوات التطوع والنوافل، فإنها أيام مباركة، العمل فيها خير من الجهاد في سبيل الله كما سمعتم في الحديث.
فاغتنموها وفقني الله وإياكم، كل بما يسر الله له من الخير فيها، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، وردد كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره إنَّك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
المصدر موقع الشيخ صالح الفوزان
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/14130
|