شماتة الأعداء
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه ، الواحد الأحد ، والفرد الصمد ، }وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ{ . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، لا معبود بحق إلا إياه .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وخليله ومصطفاه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
شماتة الأعداء ، من الابتلاءات العظيمة ، التي يبتلى بها الإنسان ، ولذلك ذكر أن النبي r سئل عن أي حال بلائه كان أشد عليه ؟ قال r : (( شماتة الأعداء )) بل ـ أيها الأخوة ـ شماتة الأعداء ، لخطرها وعظيم ضررها ، كان النبي r يتعوذ بالله منها ، كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة t كان النبي r : يتعوذ من جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء .
جهد البلاء ـ أيها الأخوة ـ الحالة الشاقة ، وعد منها ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قلة المال وكثرة العيال .
ودرك الشقاء : أي أن يدرك الإنسان شقاء في دنياه وآخرته. أما سوء القضاء : فهو شامل لما يكتب للإنسان في دينه ودنياه وبدنه وماله وأهله وقد يكون في خاتمته ، نسأل الله السلامة والعافية .
وشماتة الأعداء ـ أيها الأخوة ـ : هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه . فالنبي r كان يستعيذ من هذه الأربع لخطرها ، وشدة ضررها كما ذكرت ، ومنها شماتة الأعداء ، ولذلك قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ : استعاذ r من شماتة الأعداء ، وأمر بالاستعاذة منها : لعظم موقعها ، وشدة تأثيرها في الأنفس البشرية ، ونفور طباع العباد عنها .
أيها الأخوة المؤمنون :
وشماتة الأعداء ، أشار إليها الله U في كتابه ، حينما ذكر قصة موسى ، حينما عاد إلى قومه ، فوجدهم يعبدون عجل السامري ، فأخذ يلوم أخاه هارون ، ويجره إليه بشعر لحيته ورأسه ، } قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ { يقول ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية : } لا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ { بنهرك لي ، ومسك إياي بسوء ، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة ، أو يطلعوا لي على زلة .
فشماتة الأعداء ـ أيها الأخوة ـ قضية من الأهمية بمكان ، وخاصة إذا كان الأعداء ، على مستوى مجتمع ودولة ، وكما تعلمون وتدركون ، عداوة كثير من الحقاد والحساد ، لهذه البلاد الطاهرة ، الذي تحكم بكتاب الله U وسنة رسوله r ، والذين يتصيدون الأخطاء ، ويتتبعون العثرات ، ليجعلوا منها وقودا لتفريغ ما في نفوسهم الخبيثة ، ووسائل لإقناع المخدوعين بهم ، ومبررات للوصول إلى مئاربهم .
إنهم ـ أيها الأخوة ـ كالغريق الذي يتعلق بقشة ، فيجب علينا أن لا ندع مجالا لهؤلاء السفهاء وأتباعهم وأذنابهم ، ليشمتوا بنا وفي مجتمعنا ودولتنا ، وأن نأخذ على أيدي الجهلة والسفهاء ، بمنعهم والتصدي لهم ، لكي لا ندع مجالا لشماتتهم .
أيها الأخوة :
إن في مجتمعنا بعض المظاهر ، التي تكون متعلقا لهؤلاء ، يجب التصدي لها ، والتحذير منها ، ومن أهمها ، العنصرية القبلية ، التي جاء الدين بمقتها والتحذير منها والقضاء عليها ، كما قال U : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ { فالله U جعلنا شعوبا وقبائل ، لا للتفاخر والتفاضل ، واحتقار غيرنا من الناس ، إنما جعلنا كذلك لنتعارف ، ليعرف بعضنا بعضا ، أما إذا كنا نهتم لذلك من أجل التقليل من شأن غيرنا ، واعتباره أقل منا مكانة ومنزلة في المجتمع ، متخذين أمجاد أجدادنا ، كالعنز التي تستعرض في إلية الخروف ، فهذا هو الفخر بالقبيلة ، والذي يعتبر نوعا من أنواع الجاهلية المقيتة التي لا يجوز شرعا إحياؤها مرة أخرى لا عن طريق مزايين الإبل ولا ملتقى حاتم الطائي ولا غير ذلك من أي أمر يتعلق بأمور القبائل ، لأن هذا إحياء لمبدأ ألغاه الإسلام . ويتأكد هذا لأننا نعيش في وطن ، لم يرى النور إلا بعد ما قضى على براثن الجاهلية ، وطمست معالم الشرك .
فينبغي بل يجب أن يكون انتماؤنا واعتزازنا وافتخارنا بديننا أولا ، ثم إلى هذا الوطن ـ بلاد الحرمين الشريفين ـ لما يحويه من مناقب وفضائل ، أما أن نشرذم أنفسنا في عصبيات قبلية ليس لها أساس فهذا ما يمقته الشرع ، وما يجعل أعداءنا يشمتون بنا .
أيها الأخوة :
ومما يجعل أعداءنا يشمتون بنا ، وينبغي أن يجعل له عقابا رادعا ، تطاول السفهاء ، على معتقداتنا وثوابتنا ، فالسكوت عنهم أو التهاون معهم ، يجده الأعداء فرصة ، ويتخذونه ذريعة للنيل من ولاة أمرنا ، والطعن في علمائنا وقضاتنا ، وآخرهم المجرمة الحقيرة ، التي تطاولت على ذات الله U .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنحرص أن لا ندع فرصة لشامت .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ومن الأمور الخطيرة التي يجد فيها الأعداء مجالا لشماتتهم ، وتفريغ ضغائنهم وأحقادهم ، وإثارة السفهاء من أتباعهم : الفساد الإداري ، وهو كما عرفه بعضهم : بسوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة ، والذي بلي به الخونة لأماناتهم ، فهذا الأمر ـ أيها الأخوة ـ اتخذه الأعداء مادة دسمة للوصول إلى أهدافهم عبر منتدياتهم وقنواتهم ، وبالمناسبة ـ أيها الأخوة ـ نسأل الله أن يوفق ولي أمرنا ، خادم الحرمين الشريفين ، الذي أمر بمعالجته والقضاء عليه ، ومحاربة أهله .
فالفساد الإداري ـ أيها الأخوة ـ بأنواعه وأشكاله ، يجب التعاون على التصدي له ، والأخذ على أيدي أصحابه ، لتسلم لنا مصالحنا أولا ، ولا ندع مجالا لأعدائنا للشماتة بنا ثانيا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا في هذه البلاد ، لسنا كغيرنا في كثير من البلدان ، فقد من الله علينا بولاة أمر من أمراء وعلماء ، يقيمون شرع الله ، ويتحاكمون إلى كتاب الله U وسنة رسوله r على فهم سلفنا الصالح ، وأعداؤنا لا تنطلي مخططاتهم إلا على الجهلة من الناس ، وحقيقتهم كما قال الشاعر :
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
اسأل اللهU أن لا يحقق لهم غاية ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك أن تحفظ لنا ديننا ، الذي هو عصمة أمرنا ، وأن تصلح لنا دنيانا ، التي فيها معاشنا ، وآخرتنا التي إليها معادنا ، وأن تجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين .
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
|