الحرص على تجنب المحرمات
الخطبة
الأولى
الحمد
لله على فضله وإحسانه، أغنانا بحلاله عن حرامه، وكفنا بفضله عمن سواه، وأشهد أنْ
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أنْ محمداً عبده ورسوله، صلى
الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وسلم تسليماً كثيرا، أما
بعد:
أيُّها
النَّاس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن المطعم الحلال، والمشرب الحلال،
والملبس الحلال فيهما بركة على المسلم، وفيها كفاية للمسلم، تغذي تغذيةً طيبة،
وتؤثر تأثيرا طيباً على الجسم، وأن الغذاء الحرام، والملبس الحرام، والمشرب
الحرام، لها تأثيرات سيئة على الإنسان في قلبه وفي صحته وبدنه وفي تصرفاته، لأن
الخبيث لا ينتج إلا الخبيث ولهذا قال سبحانه: (قُلْ لا
يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
عباد
الله، الأصل في المعاملات الإباحة، والحل إلا ما دل الدليل على تحريمه وذلك
من أجل التوسعة على الناس، ومن أجل حمايتهم مما يضرهم، فالحرام يمنع قبول الدعاء
سواءً أكله أو شربه أو لبسه، يمنع قبول الدعاء وهذا في الصحيح كما في الحديث في
"الرَّجُلَ الذي يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ
أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ
حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ
فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"، لا يستجيب الله له، وهو بحاجة إلى
الله، لا يستغني عن الله طرفة عين، ولكن الحرام حال بينه وبين ربه عقوبةً له،
ولهذا لما طلب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو
الله له أن يجعله مجاب الدعوة قال: "يا سعد أطب
مطعمك تستجب دعوتك"، فهذا أصلٌ عظيمٌ في تجنب المحرمات لأنها تحول بين
العبد وبين ربه، فلا يستجاب له دعاء، ولا يتحقق له عند الله رجاء، محروم من إجابة
الدعوة، بسبب أنه يتغذى بالحرام، وهذا يدل على عظمة أكل الحرام وتأثيره على العبد
فليتجنب المسلم المحرمات بأنواعها ويقتصر على المباحات ففيها الخير، وفيها البركة،
وفيها القناعة لمن وفقه الله سبحانه، والله لم يضيق على عباده لم يحرم عليهم إلا
ما فيه ضرر عليهم، وما فيه أثر سيءٌ عليهم رحمةً بهم، فعلى المسلم أن يتحرى الحلال
وأن يأكل منه ويتغذى منه ويلبس ويتصدق من الحلال، فإنه إذا تصدق من الحرام لم يقبل
منه، وهو مردود عليه، فلا ينتفع من الحرام بشيء لا في الدنيا ولا في الآخرة،
فلماذا يتعب العبد نفسه في طلب الحرام وجمع الحرام؟ والحرام متنوع في المكاسب وفي
غيرها، في المكاسب وفي المطاعم وفي المشارب متنوع، وقد بينه لنا الله جلَّ وعلا
وبينه لنا رسوله صلى الله عليه وسلم لنجتنبه ونبتعد عنه.
فالربا
هو أعظم المحرمات بعد الشرك بالله عز وجل، وقد صار اقتصاد العالم اليوم مبنياً
عليه، ولذلك ابتلوا ولله الحمد، ابتلوا بالنكسات والعقوبات، ابتلوا بالنكسات في
أموالهم والكوارث في أموالهم مصداقاً لقوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ).
كذلك
من أنواع الحرام القمار وهو جميع المغالبات والمراهنات التي يؤخذ عليها جوائز إلا
ما استثناه الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله عليه الصلاة والسلام: "لاَ سَبَقَ" أي لا يجوز أخذ الجائزة على
المسابقة "إلا في ثلاث فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ
أَوْ حَافِرٍ" فالمسابقة على النصل: وهو الرماية، المسابقة على الخيل،
المسابقة على الإبل تجوز الجوائز عليها، إذا كان القصد من ذلك التدرب على أدوات
الجهاد، أما إذا كان القصد كما هو واقع الآن القصد أخذ الجوائز فقط ولا يطرى
الجهاد لهم على بال، وإنما قصدهم أخذ الجوائز على المسابقات على الخيل أو الإبل أو
في الرماية ولا يقصدون التقوي على الجهاد والتدرب على الجهاد، ولذلك يجعلون
أطفالاً على الإبل أو على الخيل أو حتى من الكفار يجعلون من يركبها حتى من الكفار،
لأنه ليس قصدهم التدرب على الجهاد، وإنما قصدهم الحصول على الجائزة وهي محرمة في
هذا الوجه لأنها ليست على وجهها استغلوها على غير وجهها الذي أباح الله من أجلها
الجائزة.
كذلك
من أنواع المحرمات الرشوة، الرشوة وما أكثرها اليوم وهي ما يدفع للمسئولين
والمدراء وغير ذلك ممن لهم مسؤولية لأجل إنجاز المعاملات، وإمرار المقاولات،
وإرسائها على من يغش ويخدع لأجل الرشوة، والرشوة هي السحت وقد قال الله جلَّ وعلا
في اليهود: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ
لِلسُّحْتِ) والسحت: هو الرشوة، فهي حرام وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، لا يجوز
تقديمها للمسئولين والموظفين من أجل أن يحيفوا مع المراجع، أو من أجل أن يقدموا
معاملته على معاملة غيره، أو من أجل أن يصدقوا على عطاءه في المقاولات كل هذا حرام
لا يجوز، يلزم على المسئول أن يكون صادقاً في تعامله، وأن يعدل بين الناس وبين
المراجعين ولا يتطلع إلى الرشوة قد لعن النبي صلى الله عليه وسلم: الرَّاشِي وهو
الذي يدفع الرشوة ولعن الْمُرْتَشِي وهو الذي يأخذ الرشوة ولعن الساعي بينهما وهو
الرائش لعن فيه ثلاثة لشدة خطرها والعياذ بالله، أصبح الآن لا يتوصل الإنسان إلى
مطلوبه المباح إلا بدفع الرشوة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فقد يسمونها بغير اسمها
يسمونها أتعاباً أو يسمونها جائزة أو ما أشبه ذلك وهي الرشوة والأسماء لا تغير
الحقائق.
وكذلك
من المحرمات بيع ما حرم الله بيعه من السلع والمواد، كالذي يبع الصور على الناس
الصور ملعونة وملعون من صورها وملعون من تعاطاها فلا يجوز بيع الصور مجسمةً أو غير
مجسمة على الناس.
وكذلك
من المحرمات بيع آلات اللهو والمزامير والمعازف هذا حرام ولا يجوز شرائها ولا
بيعها لأنها أدوات محرمة، وكذلك لا يجوز بيع ما لا يحل تناوله وأكله أو شربه فلا
يجوز بيع الدخان ولا بيع القات ولا بيع المسكرات ولا بيع المخدرات كل ذلك حرام
وسحت، ومن تعاطاه فإنه يكتسب مالاً حراماً يعذب به في الدنيا والآخرة، ولا ينتفع
به مسحوق البركة، والعياذ بالله، فعلى المسلم، وكذلك من المحرمات بيع الملابس وما
أدراك ما الملابس، الملابس النسائية غير المحتشمة، وغير الساترة، ومع الآسف أصبح
لا يوجد في محلات بيع الملابس غيرها لا يباع إلا ملابس غربية ملابس لا تستر
المرأة، بيع العباءات الفاتنة المطرزة التي لا تستر بل تفضح لا يجوز بيع هذه
الملابس ثمنها حرام وهذا من المنكر.
فاتقوا
الله، عباد الله، طيبوا مكاسبكم، لا تحطبوا على أنفسكم حطباً يوقد عليكم في
نار جهنم يوم القيامة، أطيبوا مكاسبكم، "أطب مطعمك
تكن مستجاب الدعوة" كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه.
فاتقوا
الله، عباد الله، واكتفوا بالحلال، فإن فيه البركة وفيه الخير، واتركوا
الحرام، فإنه شر وعار ونار ولو تكدس ولو تجمع، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البينات والذكرِ الحكيم، أقولٌ
قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إنَّه
هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد
لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها
الناس، اتقوا الله تعالى، ولا تغتروا بكثرة الحرام اليوم، كثرة المكاسب
المحرمة، وكثرة من يقدم عليها ويتعاطها فإنها ممحوقة البركة، فإنها عذاب: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى
اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
فاتقوا
الله، عباد الله، ميزوا مطاعمكم ومشاربكم وملابسكم وأموالكم ميزوها، اقتصروا
على الحلال منها، وابتعدوا عن الحرام ابتعدوا عن الحرام، فإن في الحلال ولله الحمد
غنيةٌ وبركةٌ ورحمة، وفي الحرام محقٌ وسحتٌ وشرٌ ونارٌ وعار وحساب يوم القيامة.
واعلموا
أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ
الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.
وعليكم
بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،اللَّهُمَّ
صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه
الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ
أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ
أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد
آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام
والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه، وردد كيده في نحره، وجعل تدميره في تدبيره إنك على
كل شيء قدير،(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ
لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، اللَّهُمَّ أنزل
علينا الغيثَ، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسقنا وأغثنا، اللَّهُمَّ أسقنا
وأغثنا، اللَّهُمَّ أسقنا وأغثنا، اللَّهُمَّ أسقي عبادك
وبلادك وبهائمك ونشر رحمتك وأحي بلادك الميت يا سميع الدعاء، نستغفرك إنك كنت
غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا (رَبَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ
الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا
تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ
كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ
يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما
تصنعون.
|