لِلْعِبَاْدِ بِمُنَاسَبَةِ اَلتَّعْدَادِ
الْحَمْدُ للهِ الْكَرِيمِ الْجَوَادِ ، أَنْزَلَ الْكِتَابَ ﴿يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا
لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ﴿
هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ .
أَمَّا بَعْدُ ،
فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ
لِعِبَادِهِ ، وَخَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ
لِمَعَادِهِ ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَائِلٍ : ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى ﴾ ،
فَاتَّقُوا اللهَ -أَحِبَّتِي فِي اللهِ- ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ
عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
الْمُؤْمِنُونَ :
عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ
سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : وَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ
مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدَّعٍ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟
فَقَالَ : « أُوصِيكُمْ
بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا ؛ فَإِنَّهُ
مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي
وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا
وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ؛ فَإِنَّ
كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ » .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
:
الْمُوَدِّعُ إِذَا أَرَادَ
الْمُغَادَرَةَ، يَعِظُ مَنْ خَلْفَهُ بِالْمَوَاعِظِ الْبَلِيغَةِ ، وَلِهَذَا عِنْدَمَا
تَأَثَّرَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِمَوْعِظَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَوَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ، يَعْنِي: خَافَتْ، وَذَرَفَتْ
عُيُونُهُمْ مِنَ الْبُكَاءِ ، وَأَحَسُّوا بِفِرَاقِهِ، طَلَبُوا الْوَصِيَّةَ؛ يَا
رَسُولَ اللهِ ؛ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ! فَأَوْصِنَا.
فَأَوْصَاهُمْ بِتَقْوَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَوْصَاهُمْ بِوَصِيَّةِ اللهِ لِخَلْقِهِ، الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ،
كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ . ثُمَّ أَوْصَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ
وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَهُمْ ، مَهْمَا كَانَ هَذَا الْوَلِيُّ ، حَتَّى لَوْ كَانَ
مِنْ مَمَالِيكِ أَهْلِ الْحَبَشَةِ ، يَقُولُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ
اللهُ : يَعْنِي حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَرَبِ ، لَوْ كَانَ مِنَ الْحَبَشَةِ
وَتَوَلَّى وَجَعَلَ اللهُ لَهُ السُّلْطَةَ ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ
لَهُ ، لِأَنَّهُ صَارَ أَمِيرًا . وَلَوْ قُلْنَا -يَقُولُ الشَّيْخُ- وَلَوْ قُلْنَا
بِعَدَمِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ ، لَأَصْبَحَ النَّاسُ فَوْضَى ، كُلٌّ يَعْتَدِي
عَلَى الْآخَرِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَوْلُهُ:
السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ ؛ أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا
الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" . يَعْنِي : فِيمَا يُقِرُّهُ الشَّرْعُ .
فَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ
وَاجِبَةٌ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ ، وَإِذَا أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّهُ
لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ ، يَقُولُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ
اللهُ :
الْأَحْوَالُ -يَعْنِي : فِي أَوَامِرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ -
ثَلَاثَةٌ :
إِمَّا أَنْ يَكُونَ
مَا أَمَرَ بِهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ مَأْمُورًا بِهِ شَرْعًا ، كَمَا لَوْ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ
مَثَلًا ، فَهَذَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ ، لِأَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَلِأَمْرِ وَلِيِّ
الْأَمْرِ .
وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَ
وَلِيُّ الْأَمْرِ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ ، فَهَذَا لَا طَاعَةَ
لَهُ وَلَا سَمْعَ .
وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَ
النَّاسَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ وَلَا مَعْصِيَةٌ شَرْعِيَّةٌ ، فَهَذَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ ، لِأَنَّ اللهَ
قَالَ : ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ ﴾ فَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ
طَاعَةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ . انتهى كلامُهُ رحِمَهُ اللهُ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
الْمُؤْمِنُونَ :
إِنَّ طَاعَةَ وَلِيِّ
الْأَمْرِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَمَنْ أَطَاعَ
وَلِيَّ أَمْرِهِ - بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ - فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطَاعَ
رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ، وَمَنْ
عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي ، وَمَنْ
يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي " .
وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُخَالَفَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ فِي
مُخَالَفَتِهِ مَفَاسِدَ عَظِيمَةً، وَأَخْطَارًا جَسِيمَةً ، يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
ابْنُ تَيْمِيَّة: السُّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ فِي الْأَرْضِ، وَيُقَالُ : سِتُّونَ
سَنَةً مِنْ إِمَامٍ جَائِرٍ أَصْلَحُ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا سُلْطَانٍ، وَالتَّجْرِبَةُ
تُبَيِّنُ ذَلِكَ .. فَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْإِمَارَةِ دِينًا وَقُرْبَةً يُتَقَرَّبُ
بِهَا إِلَى اللهِ ، فَإِنَّ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ فِيهَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ
رَسُولِهِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ
وَلِهَذَا - أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ - جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لِمَنْ نَزَعَ يَدَ الطَّاعَةِ مِنْ وَلِيِّ
الْأَمْرِ ، فَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ؛ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : "مَنْ
خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ
، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " .
وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ
عَلَيْهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " . وَوَلِيُّ الْأَمْرِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ -
مَهْمَا كَانَتْ حَالُهُ ، وَمَهْمَا كَانَ وَضْعُهُ ؛ تَجِبُ طَاعَتُهُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ هَذَا الْوَلِيُّ يَأْخُذُ حَقَّهُ كَامِلًا مِنَ النَّاسِ،
وَيَأْكُلُ حُقُوقَهُمْ ، فَإِنَّهَا تَجِبُ طَاعَتُهُ ، فَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَأَلَ
سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ، يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأَعْرَضَ
عَنْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ
مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ " .
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا خَالِصًا
، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى
تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
الْمُؤْمِنُونَ :
قَدْ سَمِعْتُمْ عَنْ
مَشْرُوعِ تَعْدَادِ السُّكَّانِ وَالْمَسَاكِنِ ، وَالَّذِي سَيَبْدَأُ قَرِيبًا
إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى؛ فَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي هَذَا الْمَجَالِ
مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ فَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ
مَعْصِيَةٍ طَاعَةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ؛ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ
يَسْتَجِيبَ مَعَ مُوَظِّفِي التَّعْدَادِ ، وَيَصْدُقُ فِيمَا يَطْلُبُونَهُ
مِنْهُ مِنْ مَعْلُومَاتٍ ، وَالْإِحْصَاءُ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- وَرَدَ فِيهِ
نُصُوصٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَفِي الْقُرْآنِ يَقُولُ اللهُ
-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي سُورَةِ مَرْيَمَ : ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي
الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ
آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ ، وَفِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُحْصَى
مَنْ فِي الْمَدِينَةِ ، فَوَجَدَهُمْ أَلْفَ رَجُلٍ ، وَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ
كَانَ عَدَدُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ
عَشَرَ رَجُلًا ، وَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ أَيْضًا أَرَادَ النَّبِيُّ مَعْرِفَةَ
عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ ، فَسَأَلَ كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْإِبِلِ . فَقِيلَ لَهُ
: عَشْرَةً، فَقَالَ : إِذًا عَدَدُهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ ، لِكُلِّ مِائَةِ رَجُلٍ
نَاقَةٌ أَوْ بَعِيرٌ . فَمَعْرِفَةُ عَدَدِ النَّاسِ، وَخَاصَّةً مِنْ قِبَلِ
وَلِيِّ الْأَمْرِ لِمَنْ هُمْ تَحْتَ يَدِهِ ، وَمَنْ يُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَمِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ .
لِذَا -أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- لِيَحْصُلْ شَيْءٌ مِنَ التَّعَاوُنِ فِي هَذَا الْمَجَالِ ،
وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْإِدْلَاءِ بِمَعْلُومَاتٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ؛
فَإِنَّ الْكَذِبَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا فِي
مَوَاضِعَ مَحْدُودَةٍ وَمَعْرُوفَةٍ ، وَالتَّعْدَادُ لَيْسَ مِنْهَا .
وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّاتِهِ- عِدَّةَ أَسْئِلَةٍ عَنِ
التَّعْدَادِ ، فَمِمَّا قَالَ فِي جَوَابٍ لَهُ : أَنَّ الْعَمَلَ فِي
التَّعْدَادِ لَا حَرَجَ فِيهِ إِذَا رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ الْمَصْلَحَةَ
الْعَامَّةَ فِي ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْإِدْلَاءُ بِمَعْلُومَاتٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ
فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَذْمُومِ .
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا
لِوَجْهِهِ خَالِصًا ، وَسَلَامَةً دَائِمَةً إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .
أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ
الْمُنِيرِ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ
مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا﴾ وَفِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " مَنْ
صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا "
، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ
وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ
بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ
الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ ،
وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا ،
وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا أَمْنَنَا ،
وَوُلَاةَ أَمْرِنَا ، وَعُلَمَاءَنَا وَدُعَاتَنَا ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ
، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا أَوْ أَرَادَ بِلَادَنَا أَوْ شَبَابَنَا أَوْ
نِسَاءَنَا بِسُوءٍ ، اللَّهُمَّ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي
نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ
.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا
فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
عِبَادَ اللهِ : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ
الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ،
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة
للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|