إِشَاْرَاْتٌ لِخَطَرِ اَلْمُسْكِرَاْتِ وَاَلْمُخَدِّرَاْتِ
الْحَمْدُ للهِ إِقْرَارًا بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى سَوَابِغِ نِعْمَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِه وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ بَرِيَّتِهِ . صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِأَنَّ وُجُودَ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ فِي الْمُجْتَمَعِ ، وَوُجُودَ مَنْ يَسْعَى لِطَلَبِهَا وَيَبْحَثُ عَنْهَا ، وَوُجُودَ مَنْ يُرَوِّجُ لَهَا وَيَسْكُتُ عَنِ الْمُتَوَرِّطِينَ بِهَا ؛ يُشَكِّلُ خَطَرًا عَظِيمًا ، وَضَرَرًا كَبِيرًا عَلَى الْمُجْتَمَعِ ، بَلْ وَعَلَى الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا ، فَكَمْ مِنْ عِرْضٍ هُتِكَ بِسَبَبِهَا ، وَكَمْ مِنْ دَمٍ سُفِكَ وَنَفْسٍ قُتِلَتْ بِسَبَبِهَا ، وَكَمْ مِنْ مَالٍ سُرِقَ بِسَبَبِهَا ، وَكَمْ مِنْ أُسْرَةٍ تَفَرَّقَتْ ، وَرَحِمٍ قُطِعَتْ ، وَوَحْدَةٍ مُزِّقَتْ ، بِسَبَبِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ ، وَلِذَلِكَ هِيَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى ، يَقُولُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: « أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُسْقَاهَا » ، فِيْ رِوَايَةٍ :« وَآكِلَ ثَمَنِهَا ». وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ يَقُوْلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: « كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، ومَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا فَماتَ وهو يُدْمِنُها لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ ». وَمِمَّا يَدُلُّ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ عَلَى خَطَرِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ : الْكِمِّيَّاتُ الْكَبِيرَةُ ، وَالْأَنْوَاعُ الْخَطِيرَةُ الَّتِي يَسْعَى دُعَاةُ الشُّرُورِ وَمُرَوِّجُو الرَّذِيلَةِ لِإِدْخَالِهَا لِبِلَادِنَا ، وَبَثِّهَا بَيْنَ شَبَابِنَا ؛ لِنَسْفِ ثَوَابِتِهِمْ وَمَبَادِئِهِمْ ، وَإِفْسَادِ سُلُوكِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَتَخْرِيبِ طِبَاعِهِمْ ، وَقَدْ أَدْرَكَ وُلَاةُ أَمْرِنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ - حَفِظَهُمُ اللهُ - هَذَا الْخَطَرَ الدَّاهِمَ ، فَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَنْعِ كِمِّيَّاتٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ ، الَّتِي لَوْ دَخَلَتْ لَحَدَثَ مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ ، وَلَكِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - سَلَّمَ بِفَضْلِهِ وَتَوْفِيقِهِ ثُمَّ بِفَضْلِ يَقَظَةِ رِجَالِ أَمْنِنَا . وَلَا شَكَّ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - مِنْ وُجُوبِ التَّعَاوُنِ فِي مَجَالِ صَدِّ هَذَا الْخَطَرِ الدَّاهِمِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ . وَمِنَ التَّعَاوُنِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - لِلْقَضَاءِ عَلَى الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ فِي الْمُجْتَمَعِ : الْعَمَلُ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الدَّوَافِعِ لَهَا ، وَأَسْبَابِ انْتِشَارِهَا ، وَمِنْ ذَلِكَ : ضَعْفُ الْإِيمَانِ وَالْوَازِعِ الدِّينِيِّ بَيْنَ الشَّبَابِ ، وَ«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَكَذَلِكَ رُفَقَاءُ السُّوءِ وَأَصْدِقَاءُ الشَّرِّ ، يَقُولُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ : «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» ، وَأَيْضًا - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - الْفَرَاغُ الْقَاتِلُ وَالْبَطَالَةُ سُوقٌ رَائِجَةٌ لِلْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ ، وَخَاصَّةً عِنْدَ الشَّبَابِ ، لَا سِيَّمَا إِذَا تَوَفَّرَ الْمَالُ مَعَ ذَلِكَ : إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَهْ مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيَّ مَفْسَدَهْ وَلَا يُغْفَلُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - دَوْرُ بَعْضِ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ مَعْدُومَةِ الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ ، بِعَرْضِهَا لْمَشَاهِدِ التَّدْخِينِ وَقَوَارِيرِ الْخُمُورِ وَجَلْسَاتِ الْمُنْكَرِ أَمَامَ صِغَارِ السِّنِّ ، فَهِيَ وَاللهِ أَخْطَرُ وَأَضَرُّ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ ، وَكَثْرَةُ الْمِسَاسِ تُذْهِبُ الْإِحْسَاسَ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . &&&&&&&&&&&&&&& الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : وَمِنْ أَخْطَرِ أَنْوَاعِ الْمُخَدِّرَاتِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا بَعْضُ ضِعَافِ الْعُقُولِ وَالدِّينِ وَالْإِيمَانِ ، مَا يُسَمَّى بِالشَّبْوِ ، وَهُوَ يُعْرَفُ بَيْنَ مَنْ بُلِيَ بِهِ ، بِالْكِريسْتَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قِطْعَهُ الصَّغِيرَةَ ، وَيُعْرَفُ بَيْنَهُمْ بِالآيِس أَوِ الثَّلْجِ لِبَيَاضِهِ ، يُدْمِنُهُ مُسْتَعْمِلُهُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ تَأْثِيرِهِ ، وَعِظَمِ خَطَرِهِ ، وَلَهُ أَضْرَارٌ وَأَخْطَارٌ عَلَى مُسْتَعْمِلِهِ وَعَلَى مَنْ حَوْلَهُ فِي مُجْتَمَعِهِ ، وَهَلْ هُنَاكَ أَخْطَرُ وَأَضَرُّ مِنْ أَنْ يَقْتُلَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ أَوْ أَعَزَّ مَنْ لَدَيْهِ كَوَالِدَيْهِ وَأَبْنَائِهِ ! فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَكُونُوا عَلَى إِدْرَاكٍ لِخَطَرِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ ، تَعَاوَنُوا عَلَى الْقَضَاءِ عَلَيْهَا ، وَتَطْهِيرِ الْمُجْتَمَعِ مِنْهَا ، فَوُجُودُهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبْنَائِكُمْ أَخْطَرُ مِنْ وُجُودِ الْأَسْلِحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَيْدِي أَعْدَائِكُمْ ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ جَمِيعًا مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي الدِّينِ ، وَمِنَ الْهُدَاةِ الْمُهْتَدِينَ ، وَالصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ ، إِنَّهُ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ صَلَاحَ شَبَابِنَا ، اللَّهُمَّ جَنِّبْهُمُ الْفِتَنَ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ أَوْ فَسَادٍ أَوِ انْحِرَافٍ أَوْ ضَلَالٍ ، فَاللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ . اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا ، وَرِجَالَ أَمْنِنَا لِحِفْظِ عُقُولِنَا ، وَمَا يُصْلِحُ أَحْوَالَنَا ، ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ ، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |