لِلْمَسْؤُوْلِ عَوَاْقِبُ اَلْغُلُوْلِ
اَلْحَمْدُ، } الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ، لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {،
أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ
وَجْهِهِ وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، } يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ {. وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ
إِلَهَ إِلَّاْ هُوَ سُبْحَاْنَهُ؛ } لا
يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور {، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، أَرْسَلَهُ
لِيُخْرِجَ اَلْنَّاْسَ مِنْ اَلْظُّلُمَاْتِ إِلَىْ اَلْنُّوْرِ ، صَلَّىْ اَللهُ
عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ، وَمَنْ سَاْرَ عَلَىْ نَهْجِهِ إِلَىْ
يَوْمِ اَلْبَعْثِ وَاَلْنُّشُوْرِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U
وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، فَهُوَ اَلْقَاْئِلُ فِيْ كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
{ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ -
جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
لَقَدْ أَمَرَ اَللهُ U عِبَاْدَهُ، بِتَأْدِيَةِ اَلْأَمَاْنَةِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ اَلْخِيَاْنَةِ،
وَوَعَدَهُمْ إِنْ فَعَلُوْا ذَلِكَ، اَلْفَوْزَ وَاَلْفَلَاْحَ وَاَلْسَّعَاْدَةَ،
فَقَاْلَ U مِنْ قَاْئِلٍ: } قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ { ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَاْنَهُ صِفَاْتِهِمْ إِلَىْ أَنْ قَاْلَ: } وَالَّذِينَ
هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ { ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةً أُخْرَىْ، ثُمَّ قَاْلَ: } أُولَئِكَ
هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { ،اَلْفِرْدَوْسُ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ-: أَخْبَرَ
عَنْهُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحَيْحِ فَقَاْلَ: (( إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، فَاسْأَلُوهُ
الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ
تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ ))، هَذَاْ
لِمَنْ ؟ لِلَّذِيْنَ هُمْ لِأَمَاْنَاْتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاْعُوْنَ !
وَيَقُوْلُ U مُحَذِّرَاً مِنْ اَلْخِيَاْنَةِ، وَإِضَاْعَةِ اَلْأَمَاْنَةِ :
} يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا، لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، وَتَخُونُوا
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {، أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ!
اَلنِّدَاءُ لَكُمْ . فَاحْذَرُوا الْخِيَانَةَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ
الْإِيمَانِ، اِحْذَرُوا الْخِيَانَةَ فَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ صِفَاتِكُمْ. إِنَّمَاْ
هِيَ مِنْ صِفَاْتِ الْمُنَافِقِينَ ، الْمُنَافِقُونَ هُمْ الْخَوَنَةُ الَّذِينَ
لَا يُحَافِظُونَ عَلَى أَمَانَاتِهِمْ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( آيَةُ الْمُنَافِق ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا
وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ )) ، فَخِيَاْنَةُ اَلْأَمَاْنَةِ
تَدُلُّ عَلَىْ اَلْنِّفَاْقِ .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ :
وَمِنْ اَلْمَآسِيْ اَلَّتِيْ
سَوْفَ تَمُرُّ بِالْأُمَّةِ، اِنْتِكَاسُ اَلْمَفَاْهِيْمِ ، وَاِنْعِكَاْسُ اَلْمَوَاْزِينِ
فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ عَنْ
أَبِيْ هُرَيْرَةَ t, عَنِ اَلْنَّبِيِّ e قَالَ: ((
سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خُدَّاعَاتٌ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ
وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ, وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ, وَيُخَوَّنُ
فِيهَاْ اَلْأَمِينُ, وَيَنْطِقُ فِيهَا اَلْرُّوَيْبِضَةُ ((.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ: (( الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي
أَمْرِ الْعَامَةِ )) .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ :
وَمِنْ مَظَاهِرِ
الْخِيَانَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي اَلْمُجْتَمَعِ ، ظَاهِرَةُ اَلْغُلُوْلِ -
نَعَمْ أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ - اَلْغُلُوْلُ، اَلَّذِيْ لَاْ يُبَاْلِيْ كَثِيرٌ
مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ اَلْوُقُوْعِ فِيْهِ وَاَرْتِكَابِهِ، غَيْرَ
مُكْتَرِثِيْنَ لِحُرْمَتِهِ،وَلَاْ مُبَاْلِيْنَ بِعَذَاْبِهِ وَعُقُوبَتِهِ.
إِنَّ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ - أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ - مِنْ يَسْتَغِلُّ مَسْؤُولِيَّتَهُ ،
وَيَسْتَعْمِلُ مَنْصِبَهُ، لِيُحِقَّ لِنَفْسِهِ مَاْلَاْ تَسْتَحِقُّهُ،
وَهَذَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنْ خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ، وَمِنْ الغلول
الَّذِي حَرَمَهُ اللَّهُ U وَحَرَمَهُ رَسُولُهُ e .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ الْمُؤْمِنُونَ :
اَلْغُلُوْلُ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ اَلْذُّنُوْبِ،
وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ، وَمَعْنَاهُ - أَيُّهَا
الْأُخُوَّةُ - كَمَا ذَكَرَ ابْنُ سَعْدِي رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخِيَانَةُ فِيْ
مَاْ يَتَوَلَّاْهُ الْإِنْسَانُ. وَهُوَ حَرَامٌ حَذَّرَ اللَّهُ U مِنْهُ، وَأَخْبَرَ بِسُوءِ مَآلِ صَاحِبِهِ. يَقُولُ عز وجل: } وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ، وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ
مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ { وَمَاْ كَاْنَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغْلُ: لَاْ
يَنْبَغِيْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَخُونَ. نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ، يَوْمَ بَدْرٍ،
حِينَمَا فَقَدَ الْمُسْلِمُونَ قَطِيفَةً حَمْرَاءَ، فَزَعَمَ الْمُنَافِقُونَ
أَنَّ الرَّسُولَ e قَدْ أَخَذَهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَة ، مُكَذِّبَاً
لِلْمُنَاْفِقِيْنَ، وَمُنَزِّهَاً لِنَبِيِّهِ e } وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ
يَغُلَّ ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {، اَلَّذِيْ يَسْتَغِلُّ مَكَاْنَتَهُ
وَمَنْصِبَهُ ، وَيَأْخُذُ مَاْ لَاْيَسْتَحِقُّهُ، يَأْتِي بِمَاْ أَخَذَ يَوْمَ
اَلْقِيَامَةِ، يَأْتِي بِهِ يَحْمِلُهُ مَهْمَاْ كَاْنَ مِقْدَاْرُهُ، وَمَهْمَاْ
كَاْنَ نَوْعُهُ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ. فَاَلْغُلُوْلُ
ذَنْبٌ عَظِيْمٌ وَجَرِيمَةٌ شَنْعَاءُ، وَقَدْ أَخْبَرَ e،
بِأَنَّهُ عَلَىْ صَاْحِبِهِ عَاْرٌ وَخِزْيٌ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ. يَقُولُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَدُّوْا اَلْخِيَاْطَ وَاَلْمَخِيْطَ، فَإِنَّ
الْغُلُولَ يَكُونُ عَلَى أَهْلِهِ عَارًا وَشَنَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) وَاَلْشَّنَاْرُ: هُوَ اَلْعَيْبُ الَّذِي يُلْحِقُ صَاحِبُهُ الْخِزْيَ . نَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْ اَلْغُلُوْلِ .
بَعْضُ اَلْنَّاْسِ لَاْ
يَتَوَرَّعُ عَنْ اَلْغُلُوْلِ ، فَتَجِدُهُ يَسْتَغِلُّ مَنْصِبَهُ ، فَيَأْخُذُ
مِمَّا أُتُمِنَ عَلَيْهِ، وَأَحْيَانًا لَاْ يَرَىْ بَأْسَاً بِمَاْ أَخَذَ.
وَهُوَ مِنْ اَلْغُلُوْلِ، اَلَّذِيْ قَدْ يَدْخُلُهُ اَلْنَّارُ، وَيُلْحِقُهُ اَلْعَاْرَ
وَاَلْشَّنَاْرَ، فَفِيْ اَلْحَدِيثِ اَلَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرُوٍ رضي الله عنهما قَاْلَ: كَانَ
عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ e - اَلْثَّقَلُ: اَلْعِيَاْلُ وَمَاْ يَثْقُلُ حَمْلُهُ
مِنْ اَلْأَمْتِعَةِ - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ e: (( هُوَ فِي
النَّارِ )) ، فَذَهَبُوْا يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوْا عَبَاْءَةً
قَدْ غَلَّهَا.
تَأَمَّلُوْا - أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ - هَذَاْ اَلْرَّجُلُ، غَلَّ عَبَاءَةً ، قَدْ لَاْ تُسَاْوِيْ شَيْئَاً
يُذْكَرُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. فَالْقَلِيلُ
وَالْكَثِيرُ سَوَاءُ، آلَافُ اَلْرِّيَاْلَاْتِ، وَاَلْعَمَاْئِرُ اَلْشَّاْهِقَةُ
وَاَلْأَرَاْضِيْ اَلْوَاْسِعَةُ غُلُوْلٌ. وَكَذَلِكَ اَلْقَلَمُ وَاَلْمُسَطَرَةُ، وَلِتْرُ اَلْبَنْزِيْنِ،
وَعُلْبَةُ الزَّيْتِ، وَاَلْرِّيَاْلُ اَلْوَاْحِدُ غُلُوْلٌ . } وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ { .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ :
فِي هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ قَدْ يَسْتَعْمِلُ اَلْإِنْسَاْنُ
مَنْصِبَهُ، وَيَسْتَغِلُّ مَسْؤُولِيَّتَهُ، وَلَا يُعْلَمُ بِهِ، وَلَكِنْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، تَكُونُ الْفَضِيحَةُ، فَمَنْ غَلَّ يَأْتِيْ بِمَاْ غَلَّ
أَمَاْمَ اَلْأَشْهَاْدِ، يَأْتِيْ بِهِ يَحْمِلُهُ، إِنْ كَانَ أَرْضَاً أَتَىْ
بِهَا يَحْمِلُهَاْ أَرْضًا، وَإِنْ كَاْنَتْ سَيَّارَةً أَتَى بِهَا يَحْمِلُهَا
سَيَّارَة، وَإِنْ كَانَ مَكْتَبًا أَتَى بِهِ يَحْمِلُهُ فَوْقَ ظَهْرِهِ .
يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ t فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: قَاْمَ فِيْنَاْ رَسُوْلُ اَللهِ
e ذَاْتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ اَلْغُلُوْلَ فَعَظَّمَهُ,
وَعَظّمَ أَمْرَهُ ، ثُمَّ قَاْلَ : ((
لَاْ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىْ رَقَبَتِهِ
بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لَا
أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ، فَيَقُولُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ
أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ، يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ،
فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ
أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ،
فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا
قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي،
فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ
أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ - يَعْنِيْ ذَهَبَاً
أَوْ فِضَّةً - فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ
لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ )) .
فَمَنْ غَلَّ سَوْفَ
يَأْتِيْ بِمَاْ غَلَّ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ اَلْغُلُوْلِ
. فَلْنَتَّقِ اَللَّهَ عِبَاْدَ اَللَّهِ ، وَلْنَحْذَرَ اَلْغُلُوْلَ قَلِيلَهُ
وَكَثِيرَهُ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا
وَاسْتَغْفَرَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ
إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ
تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ
الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ
وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَمِنَ اَلْغُلُوْلِ: اَلْهَدَاْيَاْ
اَلَّتِيْ يُرَاْدُ مِنْ وَرَاْئِهَاْ اَلْتَّقَرُّبُ إِلَىْ اَلْمَسْؤُوْلِيْنَ،
فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ عَنْ أَبِيْ حُمَيْدٍ اَلْسَّاْعِدِيِّ أَنَّ رَسُوْلَ
اَللهِ e قَاْلَ: (( هَدَاْيَاْ
اَلْعُمَّاْلِ غُلُوْلٌ )). وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، أَيْضَاً عَنْ
أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ t قَالَ : اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ e
رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ، عَلَىْ اَلْصَّدَقَةِ
، فَلَمَّاْ قَدِمَ قَاْلَ: هَذَاْ لَكُمْ وَهَذَاْ لِيْ، أُهْدِيَ لِي، فَقَاْمَ
رَسُوْلُ اَللَّهِ e عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ:
(( مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ
هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي
بَيْتِ أُمِّهِ ، حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا ، وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا، إِلَّا جَاءَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ
بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ )) ، ثُمَّ رَفَعَ e يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (( اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ، اللَّهُمَّ
هَلْ بَلَّغْتُ )). فَهَدَاْيَاْ اَلْعُمَّاْلِ غُلُوْلٌ يَجِبُ اَلْحَذَرُ
مِنْهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ .
وَمِنْ أَنْوَاْعِ اَلْغُلُوْلِ
- أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - بَلْ مِنْ أَعْظَمِ اَلْغُلُوْلِ، غُلُوْلُ اَلْأَرْضِ.
يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( أَعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللهِ، ذِرَاعٌ
مِنْ الْأَرْضِ , تَجِدُونَ الرَّجُلَيْنِ جَارَيْنِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي
الدَّارِ, فَيَقْتَطِعُ أَحَدُهُمَا مِنْ حَظِّ صَاحِبِهِ ذِرَاعًا ))، وَفِيْ
رِوَاْيَةٍ: (( فَيَسْرِقُ
أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ذِرَاعًا )) (( فَإِذَا اقْتَطَعَهُ, طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ )). فَلْنَتَّقِ اَللهَ -أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ- وَلْنَحْذَرَ
اَلْغُلُوْلَ. ففي الحديث الصحيح ، قال e: (( مَنْ مَاتَ
وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ, مِنَ
الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ )) . هَذَاْ هُوَ اَلْغُلُوْلُ،
كَبِيْرَةٌ مِنْ اَلْكَبَاْئِرِ، وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاْتِ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ، وَفَضِيْحَةٌ
وَعَاْرٌ وَشَنَاْرٌ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ، نَعُوْذُ بِاَللهِ مِنْ اَلْغُلُوْلِ .نَعُوْذُ بِاَللهِ مِنْ اَلْغُلُوْلِ.
اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ
نَسْأَلُكَ عِزَّ اَلْإِسْلَاْمِ وَنَصْرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ
اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ،
وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ
. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِيْ عَلْيَاْئِكَ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ
وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاْءُ إِلَيْكَ، أَنْ تُغِيْثَ قُلُوْبَنَاْ بِاَلْإِيْمَاْنِ ،
وَبِلَاْدَنَاْ بِاَلْأَمْطَاْرِ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ
، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَسْقِنَاْ اَلْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ
مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِنَاْ غَيْثَاً مُغِيْثَاً هَنِيْئَاً مَرِيْعَاً
سَحَّاً غَدَقَاً مُجَلِّلَاً نَاْفِعَاً غَيْرَ ضَاْرٍ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ،
غَيْثَاً تُغِيْثُ بِهِ اَلْبِلَاْدَ وَاَلْعِبَاْدَ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِ بِلَاْدَكَ
وَعِبَاْدَكَ وَبَهَاْئِمَكَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ: } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {. فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |