للفطين خطوات اللعين
اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِيْ خَضَعَتْ لِعِزَّتِهِ الْرِّقَاْبُ ، وَذَلَّتْ لِرُبُوبِيَّتِهُ الأَرْبَاْبُ ، مُنْزِلُ الْكِتَاْبِ ، } هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ { .
سُبْحَاْنَهُ مِنْ إِلَهٍ ؛ شَهِدَتْ لَهُ الآيَاْتُ الْبَاْهِرَةُ ، وَدَلَّتْ عَلَىْ كَرَمِهِ وَجُوْدِهِ ، نِعَمُهُ الْبَاْطِنَةُ وَالْظَاْهِرَةُ ، الْوَاْحِدُ الأَحَدُ ، وَالْفَرْدُ الْصَّمَدُ ، الَّذِيْ } لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ { ، } جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ { .
بِذِكْرِكَ يَاْ مَوْلَى الْوَرَى نَتَنَعَّمُ ...
وَقَدْ خَاْبَ قَوْمٌ عَنْ سَبِيْلِكَ قَدْ عَمُوا
شَهِدْنَا يَقِيْنًا أَنَّ عِلْمَكُ وَاْسِعٌ ...
فَأنَتْ تَرَى مَاْ فِي الْقُلــُوْبِ وَتَعْلَمُ
لَكَ الْحَمْدُ عَاْمِلْنَاْ بِمَا أَنْتَ أهْلُهُ ...
وَسُاْمِحْ وَسَلِّمْنَاْ فَأَنْتَ الْمُسَلِّمُ
اَلْلَّهُمَّ يَاْ مَلاَذُنَاْ إِذَاْ ضَاقَتِ الْحِيَلُ ، وَمَلْجَأُنَاْ إِذَا انْقَطَعَ الأَمَلُ ، لَاْ تُخَيِّبْ رَجَاْءَنَاْ ، وَاْغْفِرْ زَلَلَنَاْ وَإِجْرَاْمَنَاْ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ الْرَّاْحِمِيْن .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ، } هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، صَلَى اللهُ وَسَلَّمَ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنْ سَاْرَ عَلَى نَهْجِهِ ، وَتَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ } الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ { .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
اِلابْتِدَاعُ فِيْ الْدِّيْنِ ، وَالْتَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ U ، بِمَاْ لَيْسَ لَهُ دَلِيْلٌ ، مِنْ شِرْعِ رَبِ الْعَاْلَمِيْنَ ، إِثْمٌ مُبِيْنٌ ، وَذَنْبٌ عَظِيْمٌ ، وَمَعْصِيَةٌ خَطِيْرَةٌ ، مَاْ عُصِيَ اللهُ U ، بَعْدَ الْشِّرْكِ بِمَعْصِيَةٍ أَخْطَرَ مَنْهَاْ ، يَقُوْلُ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَى ـ } أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { يَقُوْلُ اِبْنُ سِعْدِيٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فِيْ تَفْسِيْرِهِ : } شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ { مَنَ الْشِّرْكِ وَالْبِدَعِ ، وَتَحْرِيْمِ مَاْ أَحَلَّ اللهُ ، وَتَحْلِيْلِ مَاْ حَرَّمَ اللهُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّاْ اقْتَضَتْهُ أَهْوَاْؤُهُم .
فَشَأْنُ اِلابْتِدَاْعِ فِيْ الْدِّيْنِ ، شَأْنٌ خَطِيْرٌ ، لَيْسَ بَعْدَ الْبِدْعَةِ ـ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ ـ إِلَّا الْشِّرْكُ وَالْكُفْرُ بِاْللهِ U ، وَلِذَلِكَ لِلْشِّيْطَاْنِ مَحَطَّاتٌ وَخُطُوَاْتٌ ، يَعْمَلُ مِنْ خِلَاْلِهَاْ مَاْ بِوِسِعِهِ وَاْسْتِطَاْعَتِهِ ، لِلْوُصُوْلِ بِاْلمُسْلِمِ ، لِمَقْتِ اللهِ U وَغَضَبِهِ ، أَخْطَرُ هَذِهِ الْمَحَطَاْتِ ، وَتَلْكَ الْخُطُوَاْتِ ـ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ ـ هِيَ الْكُفْرُ بِاللهِ سُبْحَاْنَهُ ، وَيَأْتِيْ بَعْدَهَاْ مُبَاْشَرَةً : اِلابْتِدَاْعُ فِيْ الْدِّيْنِ . نعم ـ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ ـ الْشَّيْطَاْنُ ، الَّذِيْ ذَكَرَ اللهُ U لَنَاْ عَدَاْوَتَهُ ، وَحَذَّرَنَاْ مِنْ تَتَبُعِ خُطْوَتِهِ ، لَهُ سَبْعُ مَحَطَّاْتٍ ، ذَكَرَهَاْ أَهْلُ الْعِلْمِ ، أَخْطَرُهَاْ وَأَضَرُّهَاْ عَلَى الْدِّيْنِ ، وَأَحَبُهَاْ عَنْدَ الْلَّعِيْنِ : الْكُفْرُ بِاْللهِ ، فَإِذَاْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، أَنْ يَصِلَ بِاْلْمُسْلِمِ لِمَحَطَّةِ وَمَنْزِلَةِ الْكُفْرِ ، اِنْتَقَلَ بِهِ إِلَىْ اَلْمَحَطَّةِ وَالمَنْزِلَةِ الَّتِيْ قَبْلَهَاْ ، وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْبِدْعَة ، فَيَجْعَلُهُ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ U ، بِاْعْتِقَاْدٍ أَوْ بِعَمَلٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ سُبْحَاْنَهُ ، فَيَخْسَرُ الْدُّنْيَاْ وَالآخِرَةَ ، وَ } ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ { كَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَى . فَإِذَاْ كَاْنَ المُسْلِمُ ـ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ ـ مِنَ المُتَمَسِّكِيْنَ بِالْسُّنَةِ ، المُعتَصِمِيْنَ بِحَقِيْقِةِ المُتَاْبَعَةِ ، المَاْضِيْنَ عَلَىْ طَرِيْقَةِ الْسَّلَفِ الأَخْيَاْرِ ، مَنَ الْصَّحَاْبَةِ وَالْتَّاْبِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ ، وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْشِّيْطَاْنُ ، إِيْقَاْعَهُ فِي هَذِهِ الْخُطَوَة ، اِنْتَقَلَ بِهِ إِلَىْ كَبَاْئِرِ الْذُّنُوْبِ ، فَهُوَ لَيْسَ بِكَاْفِرٍ ، وَلَاْ مُبْتَدِعٍ ، وَلَكِنَّهُ لَاْ يَتَوَرَّعُ عَنِ ارْتِكَاْبِ مَاْ حَرَّمَ اللهُ U ، يَصَلِّيْ وَلَكِنَّهُ يَزْنِيْ وَيَكْذِبُ وَيَسْرِقُ ، يَصُوْمُ وَلَكِنَّهُ يَأْكُلُ الْرِّبَاْ وَيَغِشُّ وَيَرْتَشِيْ ، يَحُجُ وَقَدْ يَكُوْنُ مِنْ أَهْلِ الْزَّكَاْةِ ، وَلَكِنَّهُ يَظْلِمُ وَيَلْعَنُ وَيَشْتُمُ ، وَغِيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْذُّنُوْبِ الَّتِي تَوَعَّدَ اللهُ U مَنْ فَعَلَهَاْ بِنَاْرٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ عَذَاْبٍ .
فَإِذَاْ كَاْنَ هَذَاْ المُسْلِم ـ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ ـ مِمَّنْ عَصَمَهُمُ اللهُ U ، بِنِوْرِ الإِيْمَاْنِ وَالْتَّقْوَى ، أَوْ بِتَوْبَةٍ نَصُوْحٍ ، اِنْتَقَلَ بِهِ الْشَّيْطَاْنُ إِلَى المَنْزِلَةِ الَّتِيْ تَلِيْهَاْ ، وَهِيَ : مَنْزِلَةُ الْصَّغَاْئِرِ ، فَيَجْعَلُهُ يَرْتَكِبُ صَغِاْئِرَ الْذُّنُوْبِ ، وَيُصِرُ عَلَىْ ذَلِكَ ، وَالإِصْرَاْرُ عَلَىْ الْذَّنْبِ أَقْبَحُ مِنْ فِعْلِهِ ، فَلَا كَبِيْرَةٌ مَعَ الْتَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَاْرِ ، وَلَاْ صَغِيْرَةٌ مَعَ الإِصْرَاْرِ ، وَفِي مُسْنَدِ الإِمَاْمِ أَحْمَد ، يَقُوْلُ الْنَّبِيُ r : (( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ )) .
فَإِذَاْ كَاْنَ المُسْلِمُ ـ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ ـ مِنَ المُتَحَرِّزِيْنَ المُتَحَفِظِيْنَ ، الَّذِيْنَ لَاْ يَفْتُرُوْنَ عَنِ الاسْتِغْفَاْرِ وَالْتَّوْبَةِ ، وَإِتْبَاْعِ الْسَّيِئِةِ الْحَسَنَةِ ، أَشْغَلَهُ الْشَّيْطَاْنُ بِاْلمُبَاْحَاْتِ ، وَثَبَّطَهُ عَنِ الاِسْتِكْثَاْرِ مَنَ الْطَّاْعَاْتِ . تَجِدَهُ يَجْلِسُ فِيْ اِسْتِرَاْحَتِهِ ، عَشْرَ سَاْعَاْتٍ ، وَلَاْ يُطِيْقَ خَمْسَ دَقَاْئِقٍ فِيْ مَسْجِدِهِ ، يَقْرْأُ عَدَدَاً مِنَ الْجَرَاْئِدِ فِي كُلِ يَوْمٍ ، وَلَكِنَّهُ لَاْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إِلَّا فِي رَمَضَاْنَ ، أَوْ يَوْمَ الْجُمَعَةِ ، يَنْفِقُ مِئَاْتِ الآلَافِ ، عَلَى حَاْجَةٍ فِيْ نَفْسِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَبْخَلُ بِمِائَةِ رِيَاْلٍ يَضَعُهَاْ فِيْ يَدِ يَتِيْمٍ أَوْ فَقِيْرٍ أَوْ مِسْكِيْنٍ أَوْ أَرْمَلَةٍ . يَكْتَفِيْ بِصَلَاةِ الْفَرَاْئِضِ بِتَرْكِ الْنَّوَاْفِلِ ، وَلَكِنَّهُ يَجْرِيْ فِيْ مَلْعَبٍ مَنَ المَلَاْعِبِ ، مَنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوْبِ الْشَّمْسِ ، وَفِيْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ المُبَاْحَاْتِ ، وَتَرْكِ الْقُرُبَاْتِ ، وَمِمَّاْ يُشْغِلُ بِهِ الْشَّيْطَاْنُ كَثِيْرَاً مِنَّاْ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ . فَإِذَاْ كَاْنَ هَذَاْ المُسْلِمُ ، مِنَ الأَذْكِيَاْءِ ، الْفُطَّنِ لِمُخَطَّطَاْتِ الْشَّيْطَاْن ، وَحَفِظَ وَقْتَهُ ، وَاسْتَثْمَرَ لَحَظَاْتِ عُمُرِهِ ، وَقَطَعَ الْطَّرِيْقَ عَلَى الْشَّيْطَاْنِ وَجُنْدِهِ ، اِنْتَقَلَ بِهِ بِاْلِانْشِغَاْلِ بِاْلمَفْضُوْلِ عَنْ الْفَاْضِلِ ، وَبِاْلمَرْجُوْحِ عَنِ الْرَّاْجِحِ ، وَبَاْلمَحْبُوْبِ عَنْدَ اللهِ عَنْ مَاْهُوَ أَحَبُ إِلَيْهِ سُبْحَاْنَهُ ، يَقُوْلُ اِبْنُ الْقَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : فَإِنْ نَجَاْ مِنْ ذَلِكَ بِفِقْهٍ فِي الأَعْمَاْلِ وَمَرَاْتِبِهَاْ عَنْدَ اللهِ ، وَمَنَاْزِلِهَاْ فِيْ الْفَضْلِ وَمَعْرِفَةِ مَقَاْدِيْرِهَاْ ، وَالْتَّمْيِيْزِ بَيْنَ عَاْلِيْهَاْ وَسَاْفِلِهَاْ ، وَمَفْضُوْلِهَاْ وَفَاْضِلِهَاْ ، وَلَا يَقْطَعُ هَذِهِ الْعَقَبَة ، إِلَّا أَهْلُ الْبَصَاْئِرِ وَالْصِّدْقِ مِنْ أُوْلِى الْعِلْمِ ، الْسَّاْئِرِيْنَ عَلَى جَاْدَةِ الْتَّوْفِيْقِ ، قَدْ أَنْزَلُوْا الأَعْمَاْلَ مَنَاْزِلَهَاْ ، وَأَعْطُوْا كُلَّ ذِيْ حَقٍ حَقَه .
فَإِذَاْ نَجَاْ مِنْهَاْ لَمْ يَبْقَ هُنَاْكَ عَقَبَةٌ يَطْلُبُهُ الْعَدُوُ عَلَيْهَاْ سُوَى وَاْحِدَةٌ لَاْ بُدَّ مِنْهَاْ ، وَلَوْ نَجَاْ مِنْهَاْ أَحَدٌ ، لَنَجَاْ مِنْهَاْ رُسُلُ اللهِ وَأَنْبِيَاْؤُهُ وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلِيْهِ ، وَهِيَ :
عَقَبَةُ تَسْلِيْطِ جُنْدِهِ عَلَيْهِ بِأَنْوَاْعِ الأَذَىْ بِاْليَدِ وَالْلِسَاْنِ وَالْقَلْبِ عَلَى حَسَبِ مَرْتَبتِهِ فِي الْخَيْرِ ، فَكُلَّمَاْ عَلَتْ مَرْتَبَتُهُ أَجْلَبَ عَلِيْهِ الْعَدُوُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ ، وَظَاْهَرَ عَلَيْهِ بِجُنْدِهِ ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ حِزْبَهُ وَأَهْلَهُ ، بِأَنْوَاْعِ الأَذَىْ وَالْتَّكْفِيْرِ وَالْتَّضْلِيْلِ وَالْتَّبْدِيْعِ وَالْتَّحْذِيْرِ مِنْهُ ، وَقَصْدِ إِخْمَاْلِهِ ، وَإِطْفَاْئِهِ ؛ لِيُشَوِّشَ عَلِيْهِ قَلْبَهُ ويُشْغِلَ بِحَرْبِهِ فِكْرَهُ ، وَلِيَمْنَعَ الْنَّاْسَ مِنَ الاِنْتِفَاْعِ بِهِ ، فَيَبْقَىْ سَعْيُهُ فِيْ تَسْلِيْطِ المُبْطِلِيْنَ مِنْ شَيَاْطِيْنِ الإِنْسِ وَالْجِنِ عَلَيْه ، فَحِيْنَئِذٍ يَلْبَسُ المُؤْمِنُ لَأمَةَ الْحَرْبِ وَلَا يَضَعُهَاْ عَنْهُ إِلَى المَوْتِ ، وَمَتَىْ وَضَعَهَاْ أُسِرَ أَوْ أُصِيْبَ ، فَلَا يَزَالُ فِي جِهَاْدٍ حَتَى يَلْقَى اللهَ U . هَذِهِ ـ أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ ـ مَحَطَّاتُ الْشَّيْطَاْنِ وَخُطُوَاْتُهُ ، وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ U : } وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ { .
بَاْرَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِاْلقُرَآنِ الْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فِيْهِ مِنَ الآيَاْتِ وَالْذِّكْرِ الْحَكِيْمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
فَاْلاِبْتِدَاْعُ فِي الْدِّيْنِ ، وَالْتَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ U ، بِمَاْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ ، مَحَطَّةٌ مِنْ مَحَطَّاْتِ الْشَّيْطَاْنِ ، وَخُطْوَةٌ مِنْ خُطُوَاْتِهِ ، المُوْصِلَةُ لِعَذَاْبِ الْرَّحْمَنِ ، وَلَكَ أَخِي أَنْ تَتَصَوَّرَ ، حَاْلَ ذَلِكَ المِسْكِيْن ، الَّذِيْ يَعْمَلُ أَعْمَاْلَاً ، يَرْجُوْ ثَوَاْبَهَاْ عَنْدَ اللهِ U ، وَلَكِنَّهَا تَكَوْنُ وَبَاْلَاً وَشَرَّاً عَلَيْهِ ، يَقُوْلُ الْنَّبِيُ e فِي الْحَدِيْثِ الْصَّحِيْحِ : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) وفي رواية : (( مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )) وَمَعْنَى فَهُوَ رَدٌّ : أَيْ مَرْدُوْدٌ عَلِيْهِ لَيْسَ لَهُ حَظٌ مِنَ الْقَبُوْلِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
وَمِنَ الْبِدَعِ المُحْدَثَةِ المُنْتَظَرَةِ فِيْ الأَيَّاْمِ الْقَاْدِمَةِ مِنْ هَذَاْ الْشَّهْرِ : بِدْعَةُ الاِحْتِفَاْلِ بِمُنَاْسَبَةِ الإِسْرَاْءِ وَالمِعْرَاْج ، فَاْلمُبْتَدِعَةُ يَحْتَفِلُوْنَ بِهَذِهِ المُنَاْسَبَةِ ، فِي لَيْلَةِ الْسَّاْبِعِ وَالْعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ رَجَب ، إِذْ يَجْتَمِعُوْنَ فِي المَسَاْجِدِ ، وَيَسْتَمِعُوْنَ لِلْخُطَبِ وَالمُحَاْضَرَاْتِ ، وَيَعْقِدُوْنَ الْلِّقَاْءَاْتِ وَالْنَّدَوَاْتِ ، إِحْتِفَاْلَاً بِهَذِهِ المُنَاْسَبَةِ . وَلَاْ شَكَّ أَنَّ الإِسْرَاْءَ وَالمِعْرَاْج ، مِنْ آيَاْتِ اللهِ U ، ذَكَرَهُمَاْ فِيْ كِتَاْبِهِ ، وَأَوْجَبَ الإِيْمَاْنَ بِهِمَاْ عَلَى عِبَاْدِهِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ لَنَاْ أَنْ نَحْتَفِلَ بِمُنَاْسَبَتِهِمَاْ ، وَلُو كَاْنَ ذَلِكَ مَشْرُوْعَاً لَفَعَلَهُ نَبِيُّنَا e ، أَوْ أَصْحَاْبُهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم . فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِي اللهِ ـ وَلْنَحْذَر الْشَّيْطَاْنَ وَخُطُوَاْتِهِ ، وَلْنَكُنْ عَلَى عِلْمٍ بِحِيَلِهِ وَمُخَطَطَاْتِهِ .
أَسْأَلُهُ U أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاْكُمْ مِنَ المُتَمَسِّكِيْنَ بِكِتَاْبِهِ ، الْعَاْمِلِيْنَ بِسُنَّةِ نَبِيِهِ r ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا . اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا ، وَخَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا ، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ أَنْ نَلْقَاكَ ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلاَمِنَا مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِيِشَةً هَنِيَّةً ، وَحَيَاةً رَضِيَّةً ، وَمِيِتَةً سَوِيَّةً . اللَّهُمَّ ارْحَمْ فِي الدُّنْيَا غُرْبَتَنَا ، وَفِي القُبُورِ وَحْشَتَنَا ، وَيَوْمَ العَرْضِ عَلَيْكَ ذُلَّ وُقُوفِنَا برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |