| 		 الطلاق العاطفي الأسباب والعلاج 
  
 الحمد لله الخبير العليم ، الرؤوف الرحيم ، } يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ { ، أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، }  فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { . 
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { . 
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، الطيبين الطاهرين ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين . 
أما بعد ، عباد الله : 
تقوى الله U ، وصيته لعباده الأولين والآخرين ، يقول U من قائل : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين . 
أيها الأخوة المؤمنون : 
كان حديثنا ، في الجمعة الماضية ، عن الطلاق العاطفي ، واستكمالا لهذا الموضوع المهم ، والقضية الخطيرة ، التي تعاني منها بعض أسر المسلمين ، نتحدث في هذا اليوم عن أهم أسبابه وعلاجه ، اسأل الله أن ينفعنا بما نقول ونسمع ، إنه سميع مجيب . 
أيها الأخوة : 
الطلاق العاطفي ، لا شك أنه لا يأتي من فراغ ، إنما هو نتيجة للممارسات خاطئة ، تكون في إطار الحياة الزوجية ، تتسبب في عدم الراحة النفسية ، فتؤدي إلى انفصال الزوجين نفسيا عن بعضهما البعض ، رغم وجودهما معا تحت سقف واحد . 
أيها الأخوة : 
فالطلاق العاطفي ، له أسباب كثيرة ، ولكن يهمنا منها في هذا المقام أهمها ، وما يتفرع منه أكثرها ، ألا وهو : هجر نصوص الكتاب والسنة ، وعدم تفعيل الأدلة الشرعية ، وبناء الأسرة على العادات والتقاليد الاجتماعية ، المخالفة لتعاليم الدين ، وذلك بسبب النظرة الخاطئة للزواج ، واعتقاد أكثر الناس ، أن الزواج ما هو إلا عادة اجتماعية ، لا علاقة له بالدين ، فصاروا يتعاملون مع بعضهم ، حسب ما تقتضيه العادات والتقاليد ، المبنية على الظلم والكبر ، لأنه في نظرهم عادة وليس عبادة ، والوقائع التي تدل على صحة ما أقول كثيرة ـ أيها الأخوة ـ ولكن على سبيل المثال : هل يستطيع أحد منا ، أن يمسك بيد زوجته ، ويمشي معها أمام الناس ، هذه يعتبرها أكثرنا ، منقصة ودليل على عدم الرجولة ، بل ـ أيها الأخوة ـ وصل بنا الكبر ، الذي هو احتقار الناس ، إلى عدم النطق الصريح باسم الزوجة ، ولكن تأملوا النبي r ، الذي يقول كما في الحديث الذي رواه الترمذي : (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي )) . فهو r خير الناس ، وخيرهم لأهله ، تقول عائشة ، كما في صحيح البخاري : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِى وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ فِى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ r يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ لأَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِى حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِى أَنْصَرِفُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ . 
وتقول رضي الله عنها ، كما في مسند الإمام احمد : سَابَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ r فَسَبَقْتُهُ . وفي سنن النسائي ، تقول رضي الله عنها : حتى إذا رهقنا اللحم سابقني فسبقني فقال هذه بتيك . 
فالنبي r الذي هو قدوتنا ، ودليلنا إلى الخير ـ يقوم من أجل أن تتفرج عائشة على أناس يلعبون ، ولا ينصرف حتى تطيب نفسها ، ويسابقها أكثر من مرة ، هل تضنون أنه يفعل ذلك ، لفراغ في وقته ، أو لعدم وجود ما يشغله ، لا والله ، إنما هو من أجل القيام بواجباته ، وتأدية حقوق غيره ، وإدخال السرور على شريكة حياته . 
فمشكلتنا نحن ـ أيها الأخوة ـ بعدنا عن تعاليم ديننا ، وعدم عملنا بأدلة شرع ربنا ، بل وقوعنا بما حرم الله U ، وارتكابنا لما يغضبه سبحانه ، ومن ذلك : الكبر ، احتقار المرأة ، وخاصة الزوجة ، التي صار بعضنا يعاملها ، كما تعامل البهائم ، فهي في مؤخرة اهتماماته ، لا يستطيع حتى أن يناديها باسمها ، فإذا كان مجرد النطق بالاسم ، يستعصي على بعضنا ، فكيف بغيره ، إذا كان بعضنا ينادي زوجته ، بأنت وهيه ، ويهجرها في مضجعها إلا إذا أراد حاجته منها ، ولا يأكل معها ، ولا يسمعها ما يرفع من معنويتها ، ولا يثني على شكلها ولا على فعلها ، ويلعن ويشتم في أهلها ، ويلعن الساعة التي عرفها فيها ، ويهددها بالزواج عليها ، ويثني على زوجات إخوانه وجيرانه أمامها ، ولا يحترم مشاعرها ، ولا يرعى نفسيتها ، وهذا ـ أيها الأخوة ـ بسبب البعد عن تعاليم الدين ، وعدم تفعيل أدلة الكتاب والسنة ، وخاصة فيما يتعلق بالحياة الزوجية . 
أيها الأخوة : 
إن هذا الوضع المزري والمشين ، والمعاملة السيئة لبعض الزوجات ، جعل بعض النساء ، يكرهن أزواجهن ، ويعشن معهم حياة خاوية من المحبة ، مبنية على المجاملات ، والدليل على ذلك ، الحرب الباردة ، واهمال الواجبات الشرعية ، وترك الواجبات الزوجية ، والاحتقار الواضح للرجل ، ومقارنته مع ما يرى في مسلسلات وأفلام الحب والغرام ، حتى صار يعرف بأبي سروال وفنيلة ، عند أكثرهن . 
فلنتق الله ـ أيها الأخوة ـ ولنجعل تعاملنا مع شريكات حياتنا ، مبنيا على شرع ربنا ، منطلقا من تعاليم قرآننا ، وسنة نبينا محمد r . 
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم . 
الخطبة الثانية 
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا . 
أيها الأخوة المؤمنون : 
ولا شك أن العلاج لهذا الداء الخطير ، لا يكون إلا بالقضاء على أسبابه ، فأول خطوة في العلاج ، هي الرجوع إلى الدين ، وبناء الأسرة والتعامل مع شريكة الحياة ، على ضوء نصوص الكتاب والسنة ، وكما قال النبي r في الحديث الصحيح : (( لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة ، إِن كَرِه منها خُلُقا ، رضي منها آخَرَ )) لا يفرك أي لا يبغض  ، والبغض الذي نهى عنه النبي r في هذا الحديث ، هو السبب الحقيقي للطلاق العاطفي ـ أيها الأخوة . 
وكذلك ، من العلاج لهذا المرض الخطير ، تقوى الله U في التعامل مع الزوجة ، وكما قال r في الحديث الحسن : (( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ )) ، عوان يعني أسيرات  
فالنبي r ، يأمر المسلم ، أن يستوصي بزوجته خيرا ، وأن يتعامل معها بالحسنى ، وكأنها أسيرة بين يديه . 
أيها الأخوة : 
من تقوى الله U ، أن يعامل المسلم ، شريكة حياته ، مثل ما يحب أن تعامله ، ولهذا قال U : } وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ { فالتهميش والاحتقار والتعالي ، أمور لا ينبغي أن توجد في المعاملة الزوجية ، والمسئولية ـ أيها الأخوة ـ تقع على عاتق الزوج ، لأن المرأة كما قال النبي r ، في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : (( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا )) . 
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب . 
اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين . 
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، واجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، يارب العالمين . 
اللهم أصلح أحوالنا أجمعين ، } رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا { . 
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، أن تغيث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ،  غيثا تغيث به البلاد والعباد ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { . 
عباد الله :  
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . 
  
  
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:  
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html 
  
  
  
  
  
   |