إقتران عبادة الذبح بالصلاة وبعض أحكام العقيقة
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله: لقد بعث الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون, وكان أعظمُ ما أمر به: التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة, وأعظمُ ما نهى عنه: الشرك مع الله في إلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته. ومِنْ أَعظَمِ الجهالات التي كان عليها المشركون, الذبحُ لغير الله, فإن الذبحَ عبادةٌ عظيمة, قَرَنَها الله بالصلاة فقال: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾. وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. فكما أن الصلاةَ لا تكون إلا لله, فكذلك الذبح لا يكون إلا لله. فلا يُذْبَحُ للأصنام, ولا للجن, ولا للملائكة, ولا لقبور الصالحين. ومَن فَعَلَ شيئا من ذلك, فكأنه سجد وركع لغير الله. وهذا يدلّ على أن الذبح وإِنْهارَ الدمِ عبادةٌ عظيمة, ولذلك عَظَّمَ الله من شأنها, فأَمَرَ بِذَبحِ الهَدْيِ والأضاحي وَذِكْرِ اسمِ اللهِ عند ذَبْحِها. وحَرَّمَ الذبائح التي يُهَلُّ بها لغير الله. وحَرَّمَ أَكْلَ الذبيحةِ إذا لم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عليها, حتى ولو كان الذابحُ مسلماً.
وَمِنَ الذَّبحِ الذي شَرَعَهُ الله لِعِبادِه, ذبحُ العقيقة التي تكون للمولود بعد ولادته, فإن الله شرعها لِكَي يَتم شكرُ الوالدِ لِرَبِّه على إنعامِه له بالولد, فتمامُ الشُّكرِ مرهونٌ بذبح العقيقة. عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ غلامٍ مرهونٌ بِعقيقتِه, تُذْبَحُ يومَ سابِعِه وَيُحْلَقُ رأسُهُ وَيُسَمَّى ) رواه أبو داود. وهذا يدل على وجوبها على القادر. فهي واجبة على مَنْ تَجِبُ عليه النفقة وهو الأب. وَلَو تَبَرَّعَ أحدُ أقاربِه فلا بأس, لكن المُطَالَب بها هو الأب.
ومفهوم الحديث أنها واجبة إذا خرج المولود حياً, حتى ولو مات بعد ذلك, وأما أذا وُلِدَ ميتا فإنها لا تجب.
والسُّنَّة عن الغلام شاتان مكافأتان, وعن الجارية شاة, لما رواه أبو داود عن أم كرز الخزاعية رضي الله عنها, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة ). ومعنى مكافأتان: أي متقاربتان في السن والكِبَر والسِّمَن, وهذا هو الأفضل. ولا تُجْزِئُ العقيقةُ بغيرِ الشاة, فلا تجوز من الإبل أو البقر. والسُّنَّةُ أن تكون في اليوم السابع, وإذا لم يتمكن ففي أي يوم, على حسب القدرة. وأما ما ورد بأنها تذبح بعد ذلك في اليوم الرابع عشر, أو الحادي والعشرين فإنه لم يثبت. ويجوز كسرُ عَظْمِها, وأما ما وَرَدَ في النهي عن ذلك فإنه لا يصح.
والمسلم مُخيَّرٌ في التصرُّفِ فيها بعد ذَبْحِها: إنْ شاءَ أَوْلَمَ وَدَعَا الناس إليها, وإن شاء أَوْلَمَ وتصدق وأهدى, ولا شك أن ذلك أفضل لأنه جَمَعَ بين أعمال ومنافع مُتَعَدِّدَة.
ولا يجوز للمسلم أن يجمع في الذبيحة الواحدة بين نيتين: نية الأضحية ونية العقيقة. لأنهما عبادتان مختلفتان.
والأفضل أن يختار الذبيحة التي تتطابق مع أحكام الأضحية في السن والسلامة من العيوب, لأن ذلك من اختيار الأكمل والأفضل, ولكن لا يجب. لِعَدَم الدليل على أن شروط العقيقة مثل شروط الأضحية.
والقاعدة في حساب اليوم السابع: أنه إذا وُلِدَ يومَ السبت مثلاً, فإنها تُذْبَحُ يوم الجمعة, وإذا وُلِدَ يوم الثلاثاء, فإنها تذبح يوم الإثنين.
وكذلك: إذا وُلِدَ ليلة الثلاثاء مثلاً, فإن الولادةَ تُحْتَسَب من يوم الثلاثاء, لأن الليلة تتبع اليوم المقبل.
ويجوز للمسلم أن يستقرض ليشتري عقيقة, إذا كان السداد عليه متيسراً وسهلاً.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ عباد الله:
لقد قضى الله الحكيمُ العليمُ على أن تكون المرأة في بعض الأحكام نصفَ الرجل وذلك في مواضع:
أولها: العقيقة كما تقدم.
الثاني: الميراث. للذكر مثل حظ الأنثيين.
الثالث: الدِّيَة. فإن دِيَةَ المرأة نصف دية الرجل.
الرابع: الشهادة في الأموال. فإن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد.
الخامس: العِتْق: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرئ مسلم أعتق امرءاً مسلماُ فهو فكاكه من النار يجزي بكل عظم منه عظماً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين فهما فكاكه من النار يجزي بكل عظمين منهما عظما منه ) رواه أبو داود عن مرة بن كعب، والترمذي عن أبي أمامة.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلّها دقّها وجلّها صغيرها وكبيرها علانيتها وسرها أولها وآخرها، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ضال إلا هديته ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرب إلا نفسته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدهم يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك اللهم وفّقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|