وقفة مع آية(18)
قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186)
التفسير:
{ 186 } قوله تعالى: { وإذا سألك }؛ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ والمراد بقوله تعالى: { عبادي }: المؤمنون؛ وقوله تعالى: { عني } أي عن قربي، وإجابتي
قوله تعالى: { فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان المراد بقوله تعالى: { إذا دعان } أي إذا صدق في دعائه إياي بأن شعُر بأنه في حاجة إلى الله، وأن الله قادر على إجابته، وأخلص الدعاء لله بحيث لا يتعلق قلبه بغيره.
قوله تعالى: {فليستجيبوا لي} أي فليجيبوا لي؛ لأن «استجاب» بمعنى أجاب .
قوله تعالى: { وليؤمنوا بي } أي وليؤمنوا بأني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان؛
قوله تعالى: { لعلهم يرشدون }؛ «لعل» للتعليل؛ وكلما جاءت «لعل» في كتاب الله فإنها للتعليل .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن الصيام مظنة إجابة الدعاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه الآية في أثناء آيات الصيام؛ ولا سيما أنه ذكرها في آخر الكلام على آيات الصيام.
وقال بعض أهل العلم: يستفاد منها فائدة أخرى: أنه ينبغي الدعاء في آخر يوم الصيام - أي عند الإفطار.
2 - ومنها: رأفة الله عز وجل؛ لقوله تعالى: { وإذا سألك عبادي }، حيث أضافهم إلى نفسه تشريفاً، وتعطفاً عليهم.
3 - فإن قال قائل: كيف الجمع بين قربه جل وعلا وعلوه؟
فالجواب: أن الله أثبت ذلك لنفسه - أعني القرب، والعلو؛ ولا يمكن أن يجمع الله لنفسه بين صفتين متناقضتين؛ ولأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته؛ فهو قريب في علوه عليٌّ في دنوه.
4 - ومن فوائد الآية: إثبات سمع الله؛ لقوله تعالى: { أجيب }؛ لأنه لا يجاب إلا بعد أن يُسمعَ ما دعا به.
5 - ومنها: إثبات قدرة الله؛ لأن إجابة الداعي تحتاج إلى قدرة.
6 - ومنها: إثبات كرم الله؛ لقوله تعالى: { أجيب دعوة الداع إذا دعان }.
7 - ومنها: أن من شرط إجابة الدعاء أن يكون الداعي صادق الدعوة في دعوة الله عز وجل، بحيث يكون مخلصاً مشعراً نفسه بالافتقار إلى ربه، ومشعراً نفسه بكرم الله، وجوده؛ لقوله تعالى: { إذا دعان }.
8 - ومنها: أن الله تعالى يجيب دعوة الداع إذا دعاه؛ ولا يلزم من ذلك أن يجيب مسألته؛ لأنه تعالى قد يؤخر إجابة المسألة ليزداد الداعي تضرعاً إلى الله، وإلحاحاً في الدعاء؛ فيقوى بذلك إيمانه، ويزداد ثوابه؛ أو يدخره له يوم القيامة؛ أو يدفع عنه من السوء ما هو أعظم فائدة للداعي؛ وهذا هو السر - والله أعلم - في قوله تعالى: { أجيب دعوة الداع }.
9 - ومنها: أن الإنابة إلى الله عز وجل، والقيام بطاعته سبب للرشد؛ لقوله تعالى: { فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون }.
10- ومنها: أن الاستجابة لا بد أن يصحبها إيمان؛ لأن الله قرن بينهما؛ فمن تعبد لله سبحانه وتعالى وهو ضعيف الإيمان بأن يكون عنده تردد - والعياذ بالله - أو شك فإنه لا ينفعه؛ أو يكون عنده إنكار، كما يفعل المنافقون: فإنهم يتعبدون إلى الله عز وجل ظاهراً؛ لكنهم ليس عندهم إيمان؛ فلا ينفعهم.
والله ولي التوفيـــــــــــــــــق
--------------------------
بقلم الشيخ : وليد بن سالم الشعبان
رئيس مركز هيئة قفار
|