عَظِيْمُ اَلْقُرَبِ فِيْ تَفْرِيْجِ اَلْكُرَبِ الْحَمْدُ للهِ غَفَّارِ الذُّنُوبِ ، وَسَاتِرِ الْعُيُوبِ ، وَقَابِلِ التَّوْبَةِ مِمَّنْ إِلَيْهِ يَتُوبُ ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّهُ مِنْ لُغُوبٍ . وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَاشِفُ الْكُرُوبِ . وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ ، وَالْحَوْضِ الْمَوْرُودِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : تَقْوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ : ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ- بِأَنَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ خُطُوبًا جَسِيمَةً وَكُرُبًا عَظِيمَةً ، أَشَارَ إِلَيْهَا اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي كِتَابِهِ ، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي سُنَّتِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ ، وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى : ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴾ ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، يَقُولُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : « تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ » ، قَالَ الرَّاوِي : فَواللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؛ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ؟- قَالَ : « فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا » . قَالَ : وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. فَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ عَظِيمٌ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ وَفِيهِ كُرَبٌ عَظِيمَةٌ وَخُطُوبٌ جَسِيمَةٌ ، وَلَكِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ - يُهَوِّنُهَا عَلَى مَنْ آمَنَ بِهَا ، وَصَدَّقَ بِوُقُوعِهَا ، وَاسْتَعَدَّ لَهَا ، وَحَرَصَ عَلَى وَسَائِلِ النَّجَاةِ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ ، وَمِنْ ذَلِكَ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ » . الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ كُلُّ كُرْبَةٍ تُنَفِّسُهَا عَنْ أَخِيكَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، تَكُونُ سَبَبًا لِيُنَفِّسَ اللهُ عَنْكَ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَهِيَ وَاللهِ فُرْصَةٌ ، عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْقَادِرُ ، أَنْ تَسْعَى لِإِزَالَةِ مَا يَحُلُّ بِإِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّائِبَاتِ وَالْمَصَائِبِ وَالْكُرَبِ ، وَاللهِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ لَوْ زَادَ يَقِينُنَا بِأَنَّ مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ، يُنَفِّسُ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ لَبَحْثَنَا بِأَنْفُسِنَاْ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ فِي أَمَاكِنِهِمْ ، وَلَسْتَبْشَرَ أَحَدُنَا عِنْدَمَا يَجِدُ مَكْرُوبًا لِيُفَرِّجَ عَنْهُ كُرْبَتَهُ ، هَذِهِ حَقِيقَةٌ -إِخْوَتِي فِي اللهِ- ضَعُفَ الْيَقِينُ وَالتَّصْدِيقُ بِمَوْعُودِ اللهِ ، فَصَارَ أَحَدُنَا يَتَضَايَقُ عِنْدَمَا يَطْلُبُ مِنْهُ أَخُوهُ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْهُ كُرْبَةً أَلَمَّتْ بِهِ. فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاحْرِصُوا عَلَى هَذَا الْخُلُقِ الْعَظِيمِ ، وَالْعَمَلِ النَّبِيلِ ، وَكَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ يَسْأَلُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُعْطِيهِ ، فَبَكَى سُفْيَانُ . فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ! مَا الَّذِي يُبْكِيكَ ؟ قَالَ : أَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُؤَمِّلَ فِيكَ رَجُلٌ خَيْرًا فَلَا يُصِيبُهُ . تَأَمَّلُوا ! يَبْكِي رَحِمَهُ اللهُ ، وَهَكَذَا هُمُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ اللهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، يَقُولُ عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَرْبَعَةٌ لَا أَقْدِرُ عَلَى مُكَافَأَتِهِمْ : رَجُلٌ بَدَأَنِي بِالسَّلَامِ - يَعْنِي : سَلَّمَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ - وَرَجُلٌ وَسَّعَ لِي فِي الْمَجْلِسِ ، وَرَجُلٌ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي الْمَشْيِ فِي حَاجَتِي ، فَأَمَّا الرَّابِعُ فَمَا يُكَافِئُهُ عَنِّي إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ . قِيلَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : رَجُلٌ نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ فَبَاتَ لَيْلَتَهُ يُفَكِّرُ فِيمَنْ يَقْصِدُهُ ، ثُمَّ رَآنِي أَهْلًا لِحَاجَتِهِ فَأَنْزَلَهَا بِي . أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفَرِّجَ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا هُدَاةً مُهْتَدِينَ لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ ، وَأَنْ يَرْحَمَنَا بِرَحْمَتِهِ فَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَلِّفْ عَلَى الْحَقِّ قُلُوبَنَا ، وَاجْعَلْنَا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ مُتَآلِفِينَ ، اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا عَلَى طَاعَتِكَ ، وَانْشُرْ بَيْنَنَا رَحْمَتَكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|