اَلْمَأْمُوْلُ فِيْ نَزَاْهِةِ اَلْمَسْؤُوْلِ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَسْمَعُ دُعَاءَ الْخَلَائِقِ
وَيُجِيبُ، نَحْمَدُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَنَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ
مِنَ الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ وَالتَّخْرِيبِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ الْمُهَيْمِنُ وَالرَّقِيبُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
الْمُقَرَّبُ وَالْحَبِيبُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللهِ:
يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ
اللهُ بِأَنَّ شَأْنَ المْسَؤُولِيَّةِ شَأْنٌ عَظِيمٌ، يَقُوْلُ عَنْهَاْ اَلْنَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ اَلْإِسْنَاْدِ
: (( أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ
، وَآخِرُها خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، وَلِذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَخَافُونَ مِنْهَا، وَيَتَهَرَّبُونَ
عَنْهَا، وَلَكِنْ عِنْدَمَا يُبْتَلَى أَحَدُهُمْ بِهَا، يَكُونُ مِثَالًا لِلْمَسْؤُولِ
الْمُخْلِصِ اَلْنَّزِيْهِ؛ فَفِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
كَانَتْ حِمْصُ فِي الشَّامِ بِحَاجَةٍ لِوَالٍ، أَيْ: مَسْؤُولٍ يُدِيرُ شُؤُونَهَا،
وَيَرْعَى أَهْلَهَا، فَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهَا
إِلَّا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، صَحَابِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مُسْتَعْمِلُكَ عَلَى
حِمْصَ، فَقَالَ: لَا تَفْتِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: وَاللهِ لَا
أَدَعُكَ، قَلَّدْتُمُوهَا فِي عُنُقِي (يَعْنِي الْخِلَافَةَ)، وَتَرَكْتُمُونِي.
فَصَارَ عَامِلًا لَهُ
عَلَى حِمْصَ، فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا يُوصِيهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَالْجِدِّ فِي أَمْرِ
اللهِ، وَالْقِيَامِ بِالْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُ بِوَضْعِ
الْخَرَاجِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ، فَأَجَابَهُ سَعِيدٌ، وَعَمِلَ بِمَا أَوْصَاهُ
بِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ لَهُ عُمَرُ:
إِنَّا سَنَجْعَلُ لَكَ رِزْقًا، قَالَ: لَقَدْ أَعْطَيْتَنِي مَا يَكْفِينِي دُونَهُ
- يَعْنِي عَطَاءَهُ- وَمَا أَنَا بِمِزْدَادٍ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا.
يَقُولُ: يَكْفِينِي رَاتِبِي.
وَكَانَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ عِنْدَمَا يَخْرُجُ عَطَاؤُهُ، يَعْزِلُ مَا يَكْفِي أَهْلَهُ مِنْ طَعَامٍ
وَكِسْوَةٍ وَمَا يُصْلِحُهُمْ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، فَكَانَ أَهْلُهُ يَقُولُونَ:
أَيْنَ بَقِيَّةُ الْمَالِ؟ فَيَقُولُ: أَقْرَضْتُهُ !!
فَسَاءَ هَذَا الْوَضْعُ
نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ، فَأَتَوْهُ وَقَالُوا لَهُ: يَا سَعِيدُ! إِنَّ لِأَهْلِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِأَصْهَارِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِقَوْمِكَ عَلَيْكَ
حَقًّا! يَعْنِي: أَنْفِعْ رَبْعَكَ، كَمَا يَقُولُ بَعْضُ النَّاسُ: الْكُرْسِيُّ
لَيْسَ لَكَ، وَقَصْدُهُمْ مِنْ ذَلِكَ: اسْتَغِلَّ وُجُودَكَ بِنَفْعِ جَمَاعَتِكَ
وَأَقَارِبِكَ. فَتَأَمَّلُوا مَاذَا قَالَ سَعِيدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ! قَالَ: مَا
أَسْتَأْثِرُ عَلَيْهِمْ، إِنَّ يَدِي لَمَعَ أَيْدِيهِمْ، وَمَا أَنَا بِطَالِبٍ
أَوْ مُلْتَمِسٍ رِضَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِطَلَبِي الْحُورَ الْعِينَ، لَوِ اطَّلَعَتْ
مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ لَأَشْرَقَتْ لَهَا الْأَرْضُ كَمَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ، وَمَا
أَنَا بِمُخْتَلِفٍ عَنِ الْعُنُقِ الأَوَّلِ، بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((يَجِيءُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ يُزَفُّونَ كَمَا تُزَفُّ
الْحَمَّامُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: قِفُوا لِلْحِسَابِ، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا
تَرَكْنَا شَيْئًا نُحَاسَبُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ
عِبَادِي، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَبْعِينَ)).
فَمَضَى رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ الطَّيِّبِ، يَقُومُ بِمَسْؤُلِيَّتِهِ مُرَاقِبًا
للهِ رَبِّهِ، مُقْتَدِيًا بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامِلًا
بِوَصِيَّةِ وَلِيِّ أَمْرِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ حِمْصَ،
أَمَرَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا لَهُ الْفُقَرَاءَ، فَقَامُوا بِإِحْصَاءِ فُقَرَاءِ حِمْصَ،
وَوَضَعُوا أَسْمَاءَهُمْ فِي كِتَابٍ رَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَعْرَضَ عُمَرُ
الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ ضِمْنِ الْفُقَرَاءِ: سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ: مَنْ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ
قَالُوا: أَمِيرُنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!!
قَالَ: وَأَمِيرُكُمْ
فَقِيرٌ ! قَالُوا: نَعَمْ!! فَعَجِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ
أَمِيرُكُمْ فَقِيرًا؟ أَيْنَ عَطَاؤُهُ؟ أَيْنَ رِزْقُهُ؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا. يَعْنُونَ: أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِعَطَائِهِ
عَلَى الْفُقَرَاءِ.
فَبَكَى عُمَرُ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، وَعَمَدَ إِلَى أَلْفِ دِينَارٍ فَصَرَّهَا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ،
وَقَالَ: أَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُولُوا لَهُ: بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ، فَاسْتَعِنْ بِهَا عَلَى حَاجَتِكَ.
فَلَمَّا جَاءَ بِهَا
إِلَيْهِ الرَّسُولُ، نَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ دَنَانِيرُ، فَجَعَلَ يَسْتَرْجِعُ،
يَقُولُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ:
مَا شَأْنُكَ؟ أُصِيبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَعْظَمُ. قَالَتْ: فَظَهَرَتْ
آيَةٌ؟ قَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَأَمْرٌ مِنَ السَّاعَةِ؟ يَعْنِي:
قَامَتِ الْقِيَامَةُ. قَالَ: بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ!
قَالَتْ: وَمَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: الدُّنْيَا أَتَتْنِي، الْفِتْنَةُ أَتَتْنِي حَتَّى حَلَّتْ عَلَيَّ !!
قَالَتْ: فَاصْنَعْ فِيهَا
مَا شِئْتَ! قَالَ لَهَا: عِنْدَكِ عَوْنٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: ائْتِينِي بِهِ.
فَأَتَتْهُ بِخِمَارِهَا فَصَرَّهَا صُرَرًا، ثُمَّ جَعَلَهَا فِي مِخْلَاةٍ، ثُمَّ
بَاتَ يُصَلِّي، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ، فَلَمَّا
أَصْبَحَ تَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لَوْ كُنْتَ حَبَسْتَ
مِنْهَا شَيْئًا نَسْتَعِينُ بِهِ! فَقَالَ لَهَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لَوِ اطَّلَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ
لَمَلَأَتِ الْأَرْضَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )) فَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخْتَارُ عَلَيْهِنَّ !! فَسَكَتَتْ.
فَمُرَاقَبَةُ اللهِ
ــ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ــ وَالطَّمَعُ فِي رِضَاهُ، وَالرَّغْبَةُ فِي الْجَنَّةِ،
وَالْخَوْفُ مِنَ النَّارِ هِيَ أَعْظَمُ مُقَوِّمَاتِ الْمَسْؤُولِ النَّاجِحِ، وَهِيَ
الدَّعَائِمُ الْأَسَاسِيَّةُ، الَّتِي يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا عِنْدَ الِاخْتِيَارِ.
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ
عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَسَلَامَةً دَائِمَةً. أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى
إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ:
أَنَّ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
بِحِمْصَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخطَّابِ حِمْصَ، قَالَ:
يَا أَهْلَ حِمْصَ ! كَيْفَ وَجَدْتُمْ عَامِلَكُمْ؟ فَشَكَوْهُ إِلَيْهِ -وَكَانَ
يُقَالُ لِأَهْلِ حِمْصَ: الْكُوَيْفَةُ الصُّغْرَى، تَصْغِيرُ الْكُوفَةِ؛ لِشِكَايَتِهِمُ
الْعُمَّالَ- قَالُوا: نَشْكُو أَرْبَعًا:
الْأُولَى: لَا يَخْرُجُ
إِلَيْنَا حَتَّى يَتَعَالَى النَّهَارُ. قَالَ: أَعْظِمْ بِهَا! يَعْنِي: يَتَأَخَّرُ
عَنِ الدَّوَامِ. قَالَ: وَمَاذَا؟
قَالُوا: لَا يُجِيبُ
أَحَدًا بِلَيْلٍ. قَالَ: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ! قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: وَلَهُ يَوْمٌ
فِي الشَّهْرِ لَا يَخْرُجُ فِيهِ إِلَيْنَا. قَالَ: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ! وَمَاذَا؟
قَالُوا: يَغْنِطُ الْغَنْطَةَ بَيْنَ الْأَيَّامِ؟ يَعْنِي: يُغْمَى عَلَيْهِ بَعْضَ
الْأَيَّامِ.
قَالَ: فَجَمَعَ عُمَرُ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَقَالَ: مَا تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا
حَتَّى يَتَعَالَى النَّهَارُ. قَالَ سَعِيدٌ: وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَكْرَهُ ذِكْرَهُ،
لَيْسَ لِأَهْلِي خَادِمٌ، فَأَعْجِنُ عَجِينِي، ثُمَّ أَجْلِسُ حَتَّى يَخْتَمِرَ
ثُمَّ أَخْبِزُ خُبْزِي ثُمَّ أَتَوَضَّأُ ثُمَّ أَخْرُجُ إِلَيْهِمْ.
فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا
تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: لَا يُجِيبُ أَحَدًا بِلَيْلٍ. قَالَ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ:
إِنْ كُنْتُ لَأَكْرَهُ ذِكْرَهُ، إِنِّي جَعَلْتُ النَّهَارَ لَهُمْ، وَجَعَلْتُ
اللَّيْلَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ عُمَرُ: وَمَا
تَشْكُونَ مِنْهُ؟ قَالُوا: إِنَّ لَهُ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا
فِيهِ. قَالَ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: لَيْسَ لِي خَادِمٌ يَغْسِلُ ثِيَابِي، وَلَا لِي
ثِيَابٌ أُبْدِلُهَا، فَأَجْلِسُ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ أَدْلُكُهَا، ثُمَّ أَخْرُجُ
إِلَيْهِمْ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ.
قَالَ: وَمَا تَشْكُونَ
مِنْهُ؟ قَالُوا: يَغْنِطُ الْغَنْطَةَ بَيْنَ الْأَيَّامِ - يُغْمَى عَلَيْهِ - قَالَ
عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ سَعِيدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: شَهِدْتُ
مَصْرَعَ خُبَيْبٍ الْأَنْصَارِيِّ بِمَكَّةَ، وَقَدْ بَضَعَتْ قُرَيْشٌ لَحْمَهُ،
ثُمَّ حَمَلُوهُ عَلَى جَذَعَةٍ فَقَالُوا: أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟
فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي فِي أَهْلِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَاكُ بِشَوْكَةٍ، ثُمَّ نَادَى: يَا مُحَمَّدُ! فَمَا ذَكَرْتُ
ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتَرْكِي نُصْرَتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَأَنَا مُشْرِكٌ لَا
أُومِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ، إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ لِي
بِذَلِكَ الذَّنْبِ أَبَدًا، قَالَ: فَتُصِيبُنِي تِلْكَ الْغَنْطَةُ.
فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي لَمْ يُفِلْ فِرَاسَتِي.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ
بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ، وَبِالْبُعْدِ عَنْ مَنَاهِيهِ.
أَلَا وَإِنَّ مِمَّا أَمَرَكُمْ اللهُ بِهِ الصَّلَاةَ عَلَى
رَسُولِهِ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا﴾ ، فَاللَّهُمَّ
صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ، وَتَابِعِ التَّابِعِينَ وَمَنْ
تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِزَّ الْإِسْلَامِ وَنَصْرَ
الْمُسْلِمِينَ، وَذُلَّ الشِّرْكِ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَائِكَ
أَعْدَاءِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْمُعْتَدِينَ، وَبِالنَّصَارَى
الْحَاقِدِينَ، وَبِكُلِّ مَنْ عَادَى عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ.
اللَّهُمَّ أَرِنَا بِأَعْدَائِنَا عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ، وَفُجَاءَةَ
نِقْمَتِكَ، وَأَلِيمَ عَذَابِكَ، وَبَأْسَكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ
الْمُجْرِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَنَا، وَقَوِّ شَوْكَتَنَا، وَوَحِّدْ
صَفَّنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ
الصَّالِحَةَ وَاصْرِفْ عَنْهُمْ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ، وَنَعُوذُ
بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَالنَّارِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ
الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ وَتَوَفَّنَا شُهَدَاءَ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ
الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَغْفِرَةَ
ذُنُوبِنَا، وَسَتْرَ عُيُوبِنَا، وَصَلَاحَ قُلُوبِنَا، وَسَلَامَةَ صُدُورِنَا،
وَعِفَّةَ نُفُوسِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
﴿رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ ﴾ .
عِبَادَ اللهِ:
﴿إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ
اللهِ أَكبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
وللمزيد من الخطب السابقة
للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |