وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولَى
اَلْحَمْدُ للهِ ،
اَلَّذِيْ : } أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ
خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {
، } يَعْلَمُ السِّرَّ
وَأَخْفَى {
، } لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى { . وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ
اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، لَهُ الْأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى { . وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ
مِنْ خَلْقِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
اِتَّقُوْا اَللهَ U،
وَاَعْلَمُوْا بِأَنَّ هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ فَاْنِيَةٌ زَاْئِلَةٌ، وَأَنَّ اَلْآخِرَةَ
دَاْئِمَةٌ بَاْقِيَةٌ، يَقُوْلُ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ : } وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا، إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، لَهِيَ
الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {،
يَقُوْلُ اِبْنُ سِعْدِيٍ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ فِيْ تَفْسِيْرِهِ: يُخْبِرُ تَعَاْلَىْ
عَنْ حَاْلَةِ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ، وَفِيْ ضِمْنِ ذَلِكَ ، اَلْتَّزْهِيْدُ
فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْتَّشْوُيْقُ لِلَأُخْرَىْ فَقَاْلَ : } وَمَاْ هَذِهِ اَلْحَيَاْةُ اَلْدُّنْيَاْ { فِيْ اَلْحَقِيْقَةِ، } إِلَّاْ لَهْوٌ وَلَعِبٌ {
تَلْهُوْ بِهَاْ اَلْقُلُوْبُ ، وَتَلْعَبُ بِهَاْ اَلْأَبْدَاْنُ ، بِسَبَبِ مَاْ
جَعَلَ اَللهُ فِيْهَاْ مِنْ اَلْزِّيْنَةِ وَاَلْلَّذَاْتِ، وَاَلْشَّهَوَاْتِ اَلْخَاْلِبَةِ
لِلْقُلُوْبِ اَلْمُعْرِضَةِ، اَلْبَاْهِجَةِ لِلْعُيُوْنِ اَلْغَاْفَلَةِ ، اَلْمُفْرِحَةِ
لِلْنُّفُوْسِ اَلْمُبْطِلَةِ اَلْبَاْطِلَةِ ، ثُمَّ تَزُوْلُ سَرِيْعَاً ، وَتَنْقَضِيْ
جَمِيْعَاً ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهَاْ مُحِبُّهَاْ إِلَّاْ عَلَىْ اَلْنَّدَمِ وَاَلْحَسْرَةِ
وَاَلْخُسْرَاْنِ .
وَأَمَّاْ اَلْدَّاْرُ
اَلْآخِرَةِ، فَإِنَّهَاْ دَاْرُ }اَلْحَيَوَاْن {
أَيْ اَلْحَيَاْةَ اَلْكَاْمِلَةَ، اَلَّتِيْ مِنْ لَوَاْزِمِهَاْ، أَنْ تَكُوْنَ
أَبْدَاْنُ أَهْلِهَاْ فِيْ غَاْيَةِ اَلْقُوَّةِ، وَقُوَاْهُمْ فِيْ غَاْيَةِ اَلْشِّدَّةِ
، لِأَنَّهَاْ أَبْدَاْنٌ وَقُوَىً خُلِقَتْ لِلْحَيَاْةِ ، وَأَنْ يَكُوْنَ مُوْجُوْدَاً
فِيْهَاْ كُلُّ مَاْ تَكْمُلُ بِهِ اَلْحَيَاْةُ ، وَتَتُمُّ بِهِ اَلْلَّذَاْتُ،
مِنْ مُفْرِحَاْتِ اَلْقُلُوْبِ، وَشَهَوَاْتِ اَلْأَبْدَاْنِ، مِنْ اَلْمَآكِلِ وَاَلْمَشَاْرِبِ وَاَلْمَنَاْكِحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
، مِمَّاْ لَاْ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَاْ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَاْ خَطَرَ عَلَىْ قَلْبِ
بَشَرٍ. } لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ { لَمَاْ آثَرُوْا اَلْدُّنْيَاْ عَلَىْ اَلْآخِرَةِ
، وَلَوْ كَاْنُوْا يَعْقِلُوْنَ ، لَمَاْ رَغِبُوْا عَنْ دَاْرِ اَلْحَيَوَاْنِ ،
وَرَغِبُوْا فِيْ دَاْرِ اَلْلَّهُوِ وَاَلْلَّعِبِ.
فَاَلْعَاْقِلُ ـ
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ هُوَ اَلَّذِيْ يُفَضِّلُ اَلْآخِرَةَ اَلْبَاْقِيَةَ،
عَلَىْ اَلْدُّنْيَاْ اَلْفَاْنِيَةِ، عَمَلَاً بِمَاْ جَاْءَ فِيْ كِتَاْبِ
رَبِّهِ U،
قِدْوَتُهُ فِيْ ذَلِكَ، مَنْ أُمِرَ بِاَلْاِقْتِدَاْءِ بِهِ، اَلْنَّبِيُّ e،
فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ t
أَنَّهُ e
، جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ : (( إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ ، بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ
الدُّنْيَا مَا شَاءَ ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ ))،
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ t وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا
وَأُمَّهَاتِنَا ، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا
الشَّيْخِ ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ e،
عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا ،
وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا ،
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ e هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
هُوَ أَعْلَمُنَا بِهِ .
فَاَلْنَّبِيُّ e
-أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- فَضَّلَ اَلْآخِرَةَ عَلَىْ
اَلْدُّنْيَاْ ، وَاَخْتَاْرَ اَلْبَاْقِيَةَ عَلَىْ اَلْفَاْنِيَةِ، وَآثَرَ
اَلْدَّاْئِمَةَ عَلَىْ اَلْزَّاْئِلَةِ ، وَكَيْفَ لَاْ يَكُوْنُ كَذَلِكَ،
وَهُوَ اَلَّذِيْ أَنْزَلَ اَللهُ U
عَلَيْهِ قَوْلَهُ: } وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ
مِنَ الْأُولَى {
، وَكَيْفَ لَاْ يَزْهَدُ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ ، وَيَخْتَاْرُ اَلْآخِرَةَ، وَهُوَ
اَلَّذِيْ بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ قَوْلَهُ تَعَاْلَىْ: } وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {، بَلْ هُوَ خَيْرٌ مَنْ يَعْمَلْ بِكِتَاْبِ
اَللهِ U
، فَفِيْ صَحِيْحِ اَلْبُخَاْرِيِّ يَقُوْلُ أَبُوْ ذَرٍ t:
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ e فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ ، فَاسْتَقْبَلَنَا
أُحُدٌ ، فَقَالَ: (( يَا أَبَا
ذَرٍّ )) ! قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (( مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ
أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ،
إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ
اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا )) عَنْ يَمِينِهِ ، وَعَنْ شِمَالِهِ
، وَمِنْ خَلْفِهِ ، ثُمَّ مَشَى فَقَالَ : (( إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ،
إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا )) - عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ – (( وَقَلِيلٌ مَا هُمْ
)) .
بَلْ ـ أَيُّهَاْ
اَلْإِخْوَةُ ـ كَاْنَ مِنْ دُعَاْئِهِ e
، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( اَلْلَّهُمَّ اِجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوْتَاً ))
، وَفِيْ رِوَاْيَةٍ: (( كَفَاْفَاً
))، أَيْ مَاْيَسُدُّ رَمَقَهُمْ ـ كَمَاْ قَاْلَ اَلْنَّوَوُيُّ ـ أَوْ
مَاْ يَقُوْتُهُمْ وَيَكْفِيْهِمْ ـ كَمَاْ قَاْلَ اَلْقُرْطُبِيُّ ـ . يَسْأَلُ
اَللهَ U
، مَاْ يَسُدُّ اَلْرَّمَقَ، وَمَاْ يَقُوْتُ وَيَكْفِيْ ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ
اَلْآخِرَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ اَلْأُوْلَىْ ـ وَلِيَقِيْنِهِ أَنَّ مَنْ طَلَبَ اَلْدُّنْيَاْ
أَضَرَّ بِاَلْآخِرَةِ ، وَمَنْ طَلَبَ اَلْآخِرَةَ أَضْرَّ بِاَلْدُّنْيَاْ ! وَلِذَلِكَ
قَاْلَ e
ـ كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( فَأَضِرُّوْا بِاَلْفَاْنِيْ لِلْبَاْقِيْ )) .
دَخَلَ عُمُرُ بِنُ
اَلْخَطَّاْبِ t عَلَيْهِ يَوْمَاً ، فَإِذَاْ هُوَ e
مُضْطَجِعٌ عَلَىْ رَمْلٍ وَحَصِيْرٍ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ
فِرَاْشٌ، وَقَدْ أَثَّرَ اَلْحَصِيْرُ فِيْ جَنْبِهِ ، قَاْلَ عُمُرُ : فَرَفَعْتُ
بَصَرِيْ فِيْ بَيْتِهِ، فَوَاَللهِ مَاْ رَأَيْتُ فِيْهِ شَيْئَاً يَرُدُ اَلْبَصَرَ،
فَقُلْتُ: اُدْعُ اَللهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَىْ أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَاْرِسَ وَاَلْرُّوْمَ،
وُسَّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوْا اَلْدُّنْيَاْ، وَهُمْ لَاْ يَعْبُدُوْنَ اَللهَ،
فَقَاْلَ e: (( أَوَ فِيْ شَكٍ أَنْتَ يَاْ اِبْنَ اَلْخَطَّاْبِ ، أُوْلَئِكَ قَوْمٌ
عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاْتِهِمْ ، فِيْ اَلْحَيَاْةِ اَلْدُّنْيَاْ )) .
فَاَلْمُؤْمِنُ
اَلْعَاْقِلُ ، يَجْعَلْ عَمَلَهُ وَهَمَّهُ وَمَقْصَدَهُ ، مَاْهُوَ خَيْرٌ لَهُ
، وَاَلْآخِرَةُ خَيْرٌ مِنْ اَلْدُّنْيَاْ، بِخَبَرِ اَلْخَبِيْرِ بِهِمَاْ،
وَاَلْعَلِيْمِ بِمَاْ فِيْهِمَاْ ، يَقُوْلُ اَلْحَسَنُ اَلْبَصْرِيُّ ـ رَحِمَهُ
اَللهُ ـ: وَاَللهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِيْنَ بَدْرِيًّا ، أَكْثَرُ لِبَاسِهِمْ
اَلْصُّوْفُ ، لَوْ رَأَوْا خِيَاْرَكُمْ لَقَاْلُوْا: مَاْ لِهَؤُلَاْءِ مِنْ خَلَاْقٍ،
وَلَوْ رَأَوْا شِرَاْرَكُمْ لَقَاْلُوْا: مَاْ يُؤْمِنُوْنَ بِيَوْمِ اَلْحِسَاْبِ
، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَاْمَاً كَاْنَتْ اَلْدُّنْيَاْ أَهْوَنَ عَلَىْ أَحَدِهِمْ
مِنْ اَلْتُّرَاْبِ تَحْتَ قَدَمِيْهِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَاْمَاً يُمْسِيْ
أَحَدُهُمْ لَاْ يَجِدُ عَشَاْءً إِلَّاْ قُوْتَاً ، فَيَقُوْلُ : لَاْ أَجْعَلَ هَذَاْ
كُلَّهُ فِيْ بَطْنِيْ ، لَأَجْعَلَنَّ بَعْضَهُ للهِ U
، فَيَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ ، وَإِنْ كَاْنَ هُوَ أَحْوَجُ مِمَّنْ
يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ.
فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ
أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْيَكُنْ هَمُّنَاْ اَلْآخِرَةَ فِيْ هَذِهِ
اَلْدُّنْيَاْ ، يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ، وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ {
، بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ
بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فِيْهِ مِنْ
اَلآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ
اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ،
وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ
إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ
رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ مِنْ اَلْدُّنْيَاْ ، وَهِيَ اَلْبَاْقِيَةُ
وَاَلْدُّنْيَاْ هِيَ اَلْفَاْنِيَةُ ، وَلَكِنَّ لِلْشَّيْطَاْنِ دُوْرٌ
فَعَّاْلٌ فِيْ اَلْإِعْرَاْضِ عَنْ اَلْآخِرَةِ وَاَلْإِقْبِاْلِ عَلَىْ
اَلْدُّنْيَاْ ، وَذَلِكَ ظَنُّهُ
اَلَّذِيْ جَزَمَ بِهِ ، وَحَذَّرَنَاْ اَللهُ U
مِنْهُ ، يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } وَلَقَدْ صَدَّقَ
عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ، فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ { ، فَاَلَّذِيْ يُعْرِضُ عَنْ اَلْآخِرَةِ ،
وَيُقْبِلُ عَلَىْ اَلْدُّنْيَاْ ، وَيَجْعَلُهَاْ هَمَّهُ وَشُغْلَهُ
اَلْشَّاْغِل ، يَعْمَلْ لَهَاْ ، وَيُفْنِيْ عُمُرَهُ وَيُبْلِيْ شَبَاْبَهُ مِنْ
أَجْلِهَاْ ، هُوَ مِنْ أَتْبَاْعِ اَلْشِّيْطَاْنِ وَمِنْ قُرَنَاْئِهِ ،
اَلَّذِيْنَ } لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ
قَرِينًا {
.
فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْتَكُنْ
اَلْدُّنْيَاْ بِزَهْرَتِهَاْ ، مَطِيَّةً لَنَاْ لِلْفَوْزِ بِاَلْآخِرَةِ، وَوَسِيْلَةً
لِلْوُصُوْلِ إِلَىْ اَلْدَّرَجَاْتِ اَلْعَاْلِيَةِ، وَإِنْ اُبْتِلِيْنَاْ
بِشَيءٍ مِنْهَاْ ، فَلْيَكُنْ بِأَيْدِيْنَاْ لَاْ فِيْ قُلُوْبِنَاْ ، كَمَاْ
قَاْلَ U:
} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ
اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا { نَبْتَغِيْ بِدُنْيَاْنَاْ مَاْعِنْدَ
رَبِّنَاْ، وَنَسْتَمْتِعُ بِهَاْ بِمَاْ لَاْ يَثْلُمُ دِيْنَنَاْ وَلَاْ يُضِرُّ
بِآخِرَتِنَاْ ، وَاَلْسَّعِيْدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ :
فَـلَا
تَغُرَّنَّكَ اَلْدُّنْيَاْ وَزِينَتُهَاْ
وَاَنْظُرْ إِلَىْ
فِعْلِهَاْ فِيْ اَلْأَهْلِ وَاَلْوَطَنِ
وَاَنْظُرْ
إِلَىْ مَنْ حَوَىْ اَلْدُّنْيَاْ بِأَجْمَعِهَاْ
هَلْ رَاْحَ مِنْهَاْ
بِغَيْرِ اَلْحَنْطِ وَاَلْكَفَنِ
خُذِ
اَلْقَنَاْعَةَ مِنْ دُنْيَاْكَ وَاَرْضَ بِهَاْ
لَوْ لَـمْ يَكُنْ
لَكَ إِلَّاْ رَاْحَةُ اَلْبَدَنِ
يَاْ زَاْرِعَ اَلْخَيْرِ تَحْصُدْ بَعْدَهُ ثَمَرَاً
يَاْ زَاْرِعَ اَلْشَّـرِّ مَوْقُوْفٌ
عَلَىْ اَلْوَهَنِ
أَسْأَلُ اَللهَ أَنْ لَاْ يَجْعَلَ اَلْدُّنْيَاْ أَكْبَرَ
هَمِّنَاْ، وَلَاْ مَبْلَغَ عِلْمِنَاْ ، وَنَعُوْذُ بِهِ مِنْ غِنَىً يُطْغِيْنَاْ
، وَمِنْ فَقْرٍ يُنْسِيْنَاْ، وَمِنْ عَمَلٍ يُخْزِيْنَاْ ، وَمِنْ أَمَلٍ
يُلْهِيْنَاْ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ،
وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ
اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : }
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ،
يَقُوْلُ e
: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً
وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاَلْلَّهُمَّ
صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ
وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ
وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ
اَلْدِّيْنِ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ
يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ
اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ
وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ
بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ
اَحْفَظْ لَنَاْ أَمْنَنَاْ ، وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ، وَعُلَمَاْءَنَاْ
وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ جَنِّبْنَاْ اَلْفِتَنَ ، مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ
وَمَاْ بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ
أَوْ شَبَاْبَنَاْ أَوْ نِسَاْءَنَاْ بِسُوْءٍ ، اَلْلَّهُمَّ فَأَشْغِلْهُ
بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ
سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ يَاْقَوُيَّ يَاْ عَزِيْز .
}
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ :
}
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى،
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ {
.
فَاذْكُرُوا
اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |