لِلْبَلِيْدِ بِلَاْدُ اَلْتَّوْحِيْد
اَلْحَمْدُ لِلهِ ذِيْ اَلْفَضْلِ وَاَلْكَرَمِ، اَلْمُتَفَضِّلِ عَلَىْ خَلْقِهِ بِأَنْوَاْعِ اَلْنِّعَمِ ،} هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ } اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، } هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ يُبْعَثُوْنَ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ : }وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوتُوا الْكِتَاْبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ ، أَنِ اتَّقُوْا اللَّهَ{ ، فَلْنَتَقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤمِنُوْنَ :
لَاْ يَخْفَىْ عَلَىْ كُلِّ عَاْقِلٍ سَلِمَ قَلْبُهُ مِنَ اَلْشُّبُهَاْتِ ، وَعَقْلُهُ مِنَ اَلْزَّيْغِ واَلْضَّلَاْلِ وَاَلْإِنْحِرَاْفِ، وَسَلِمَتْ نَفْسُهُ مِنَ اَلْخُبْثِ وَاَلْشَّهَوَاْتِ، لَاْ يَخْفَىْ عَلِيْهِ مَاْ مَنَّ بِهِ اَللهُ U عَلَىْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، وَمَاْ مَيَّزَهَاْ بِهِ عَنْ كُلِّ بُلْدَاْنِ اَلْعَاْلَمِ فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْنِ ، حَتَّىْ صَدَقَ عَلَيْهَاْ قَوْلُهُ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ { . فَهِيَ بِلَاْدٌ آمِنَةٌ مُطْمَئِنٌّ أَهْلُهَاْ ، وَيُتَخَطَّفُ اَلْنَّاْسُ مِنْ حَوْلِهِاْ ، وَيُوْجَدُ مِنْ أَبْنَاْئِهَاْ ، مَنْ تَنَكَّرَ لَهَاْ عُقُوْقَاً وَجُحُوْدَاً، بَلْ تَكْفِيْرَاً وَتَفْجِيْرَاً، } بِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ { حَاْلُهَاْ كَحَاْلِ تَلْكَ اَلْأَعْرَاْبِيَّةِ ، اَلَّتِيْ وَجَدَتْ ذِئْبَاً صَغِيْرَاً فَحَنَّتْ عَلِيْهِ ، وَأَخَذَتْهُ تُطْعِمُهُ مِنْ حَلِيْبِ شَاْةٍ عَنْدَهَاْ ، فَكَاْنَتِ اَلْشَّاْةُ بِمَثَاْبَةِ اَلْأُمِ لِذَلِكَ اَلْذِّئْبِ . وَبَعْدَ مُرُوْرِ اَلْوَقْتِ كَبُرَ اَلْذِّئْبُ اَلْصَّغِيْرُ ، وَعَاْدَتِ اَلْأَعْرَاْبِيَّةُ يَوْمَاً إِلَىْ بَيْتِهَاْ ، فَوَجَدَتْهُ قَدْ هَجَمَ عَلَىْ شَاْتِهَاْ وَأَكَلَهَاْ ، فَأَنْشَدَتْ بِحُزْنٍ قَاْئِلَة :
أَكَلْتَ شُوَيْهَتِيْ وَفَجَعْتَ قَلْبِيْ وَأَنْتَ لِشَاْتِنَاْ وَلَـدٌ رَبِيْبُ
غُذِيْتَ بِدُرِّهَاْ وَرَضَعْتَ مِنْهَاْ فَمَنْ أَنْبَاْكَ أَنَّ أَبَاْكَ ذِيْبُ
إِذَاْ كَاْنَ اَلْطِّبَاْعُ طِبَاْعَ سُوْءٍ فَلَاْ أَدَبٌ يُفِيْدُ وَلَاْ أَدِيْبُ
فَاَلْتَّنَكْرُ لِهَذِهِ اَلْبِلَاْدِ، وَاَلْاِنْخِرَاْطُ مَعَ مَنْ يَتَمَنَّىْ زَوَاْلَهَاْ ، وَيَكِيْدُ لَهَاْ، هُوَ إِيْمَاْنٌ بِاَلْبِاْطِلِ، وَكُفْرٌ بِاَلْنِّعَمِ ، فَهِيَ اَلْوَحِيْدَةُ عَلَىْ وَجْهِ اَلْأَرْضِ، اَلَّتِيْ تُقِيْمُ شَرْعَ اَللهِ ، وَتُحَرِّمُ مَاْ حَرَّمَ سُبْحَاْنَهُ ، وَتَحْفَظُ مَاْ أَتَتِ اَلْشَّرِيْعَةُ بِحِفْظِهِ: اَلْدِّيْنَ ، وَاَلْنَّفْسَ ، وَاَلْمَاْلَ ، وَاَلْعِرْضَ ، وَاَلْعَقْلَ ، فَهِيَ لَيْسَتْ كَغِيْرِهَاْ مِنَ اَلْبُلْدَاْنِ ، فَيَجِبُ عَلَىْ كُلِّ مُسُلِمٍ عَلَىْ وَجْهِ اَلْأَرْضِ، أَنْ يُسَرَّ وَيَفْرَحَ بِمَاْ هِيَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُسَاْهِمَ وَيَعْمَلَ مَاْ بِوِسْعِهِ لِلْمُحَاْفَظَةِ عَلَىْ أَمْنِهَاْ وَاَسْتِقْرَاْرِهَاْ ، وَمُحَاْرَبَةَ كُلِّ مَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ اَلْإِسَاْءَةَ إِلَيْهَاْ ، أَوْ اَلْمِسَاْسَ بِذَرَّةِ رَمْلٍ مِنْ أَرْضِهَاْ . وَلِذَلِكَ لِمَّاْ سُئِلَ اَلْشَّيْخُ اِبْنُ عُثَيْمِيْنَ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ عَنْ حُكْمِ اَلْدِّفَاْعِ عَنِ اَلْوَطَنِ ؟
أَجَاْبَ بِقَوْلِهِ : اَلْدِّفَاْعُ عَنِ اَلْوَطَنِ يَنْقَسِمُ إِلَىْ قِسْمَيْنِ: اَلْقِسْمُ اَلْأَوَّلُ : دِفَاْعٌ عَنِ اَلْوَطَنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَطَنٌ ؛ فَهَذَاْ لَيْسَ فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ U، وَيَسْتَوُيْ فِيْهِ اَلْكَاْفِرُ وَاَلْمُؤْمِنُ ، حَتَّىْ اَلْكَاْفِرُ يُدَاْفِعُ عَنْ وَطَنِهِ.
وَاَلْقِسْمُ اَلْثَّاْنِي: أَنْ يُدَاْفِعَ عَنْ وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنٌ إِسْلَاْمِيٌّ؛ فَحِيْنَئِذٍ يَكُوْنُ دِفَاْعُهُ جِهَاْدًا فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ U، لِأَنَّهُ يُقَاْتِلُ دِفَاْعًا عَنِ اَلْإِسْلَاْمِ، وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَىْ اَلْبِلَاْدِ أَهْلُ اَلْكُفْرِ فَيُغَيّرُ مَنْهَجُ اَلْبِلَاْدِ اَلْإِسْلَاْمِيَّةِ، فَمَنْ قَاْتَلَ مِنْ أَجْلِ إِبْقَاْءِ اَلْإِسْلَاْمِ اَلَّذِيْ هُوَ دِيْنُ وَطَنِهِ صَاْرَ مُجَاْهِدًا فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ U، وَدَلِيْلُ ذَلِكَ: أَنَّ اَلْنَّبِيَّ r سُئِلَ عَنِ اَلْرَّجُلِ يُقَاْتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاْتِلُ شَجَاْعَةً، فَقَاْلَ - عَلِيْهِ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ -: (( مَنْ قَاْتَلَ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اَللهِ هِيَ اَلْعُلْيَاْ ، فَهُوَ فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ )) .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
هَنِيْئَاً لِمَنْ جَنَّدَ نَفْسَهُ ، لِلْدِّفَاْعِ عَنْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، وَسَاْهَمَ فِيْ حِفْظِ مَاْ تَنْعُمُ بِهِ، وَمَاْ تَمَيَّزَتْ مِنْ خِلَاْلِهِ، وَيَاْ لِخَيْبَةِ مَنْ أَعْمَتِ اَلْشَّهَوَاْتُ وَاَلْشُّبُهَاْتُ بَصِيْرَتَهُ ، فَسَلَّمَ عَقْلَهُ لِمَنْ لَاْ دِيْنَ وَلَاْ خَلَاْقَ لَهُ ، فَصَاْرَ أُلْعُوْبَةً بَيَدِ اَلْحَاْسِدِيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ، وَأَدَاْةً لِأَهْلِ اَلْسُّوْءِ اَلْفَاْسِدِيْنَ، وَكَمَاْ قَاْلَتِ اَلْأَعْرَاْبِيَّةُ :
إِذَاْ كَاْنَ اَلْطِّبَاْعُ طِبَاْعَ سُوْءٍ فَلَاْ أَدَبٌ يُفِيْدُ وَلَاْ أَدِيْبُ
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
قَبْلَ يَوْمِيْنِ ، قَدِمْتُ مِنْ خَاْرِجِ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، عَلَىْ مَتْنِ طَاْئِرَةٍ تَاْبِعَةٍ لِأِحْدَىْ اَلْدُوَلِ اَلْشَّقِيْقَةِ، فَأُعْلِنَ فِيْ اَلْطَّاْئِرَةِ، أَنَّ شُرْبَ اَلْكُحُوْلِ، يُمْنَعُ مَنْعَاً بَاْتَّاً فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ، وَعَلَىْ اَلْرُّكَّاْبِ مُرَاْعَاْةُ ذَلِكَ، قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَاْبَ اَلْطَّاْئِرَةِ، فَحَمَدْتُ اَللهَ U ، عَلَىْ هَذَاْ اَلْأَمْرِ اَلْعَظِيْمِ، اَلَّذِيْ فِيْهِ رَضَىً للهِ U ، وَعَمَلَاً بِدِيْنِهِ وَشَرْعِهِ ، وَفِيْ اَلْمَطَاْرِ هُنَاْ، تَحَدَّثَ إِلَيْنَاْ ، مُدِيْرُ اَلْجَمَاْرِكِ، بِأَنَّهُ خِلَاْلَ اَلْأَيَّاْمِ اَلْمَاْضِيَةِ، تَمَّ ضَبْطُ كَمِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ مِنَ اَلْمُخَدِّرَاْتِ، جَاْءَ بِهَاْ بَعْضُ اَلْمُفْسِدِيْنَ، لِتَرْوِيْجِهَاْ بَيْنَ شَبَاْبِنَاْ، فَحَمَدْتُ اَللهَ أَيْضَاً ، عَلَىْ هَذَاْ اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيْمِ ، وَتَسَاْءَلْتُ! مَاْذَاْ يُرِيْدُ مَنْ تَنَكَّرَ لِهَذِهِ اَلْبِلَاْدِ؟ إِذَاْ كَاْنَ يُطَبَّقُ شَرْعُ اَللهِ ، وَيُمْنَعُ مَاْ حَرَّمَ اَللهُ، وَتُقَاْمُ شَرَاْئِعُ اَلْدِّيْنِ ، وَيُؤْمَرُ بِاَلْمَعْرُوْفِ وَيُنْهَىْ عَنِ اَلْمُنْكَرِ ، فَلَمْ أَجِدْ إِجَاْبَةً لِتَسَاْئُلِيْ، إِلَّاْ عِنْدَ مَنْ لَاْ يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوَىْ r، فَقَدْ جَاْءَ اَلْإِخْبَاْرُ عَنْهُمْ فِيْ أَحَاْدِيْثَ صَحِيْحَةِ، أَنَّهُمْ : (( يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ، وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَىْء ، وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَىْءٍ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ ، لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ )) . (( لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ ، الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ، مَا قُضِىَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ r ، لاَتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ )) ، (( يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ )) ، (( كِلاَبُ النَّارِ ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ )) . فَاَتَّقُوْا اَللهَ عِبَاْدَ اَللهِ ، } وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ، إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ { .
بَاْرَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
ذَكَرَ نَعِيْمُ بِنُ حَمَّاْدٍ ، فِيْ كِتَاْبِهِ اَلْفِتَن ، حَدِيْثَاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t، نَذْكُرُهُ لِمُوَاْفَقَتِهِ لِوَاْقِعِ مَنْ يُهَدِّدِوْنَ أَمْنَ بِلَاْدِنَاْ، وَيُثِيْرُوْنَ اَلْفِتَنَ بَيْنَنَاْ، وَهَذَاْ اَلْحَدِيْثُ يُضَعِّفُهُ بَعْضُ اَلْعُلَمَاْءُ، وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ لِلْنَّبِيْ r لِأَنَّ عَلِيْاً t لَاْ يَعْلَمُ اَلْغَيْبَ، وَاَلْوَاْقِعَ يُؤَيِّدُهُ ، فَفِيْ كِتَاْبِ اَلْفِتَنِ لِنَعْيْمِ بِنِ حَمَّاْدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t قَالَ: (( إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ فَالْزَمُوا الْأَرْضَ فَلَا تُحَرِّكُوا أَيْدِيَكُمْ ، وَلَا أَرْجُلَكُمْ )) أَيْ: اِعْتَزِلُوْا هَذِهِ اَلْفِتْنَةِ ، (( ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ )) أَيْ حُقَرَاْءَ لَاْ قِيْمَةَ لَهُمْ ، لَاْ عِلْمَ وَلَاْ دِيْنَ وَلَاْ أَخْلَاْقَ وَلَاْ مَنْفَعَةَ لِلْمُجْتَمَعِ، (( قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ )) أَيْ قَاْسِيَةٌ لَيْسَ فِيْهَاْ رَحْمَةٌ ، (( هُمْ أَصْحَابُ الدَّوْلَةِ )) وَلَمْ يَقُلْ t : دَوْلَةٌ . إِنَّمَاْ قَاْلَ : اَلْدَّوْلَةُ . بِتَعْرِيْفِهَاْ بِأَلْ كَمَاْ عِنْدَ أَهْلِ اَلْلُّغَةِ ، ثُمَّ قَاْلَ عَلِيٌ t : (( لَا يَفُونَ بِعَهْدٍ وَلَا مِيثَاقٍ ، يَدْعُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ أَسْمَاؤُهُمُ الْكُنَى ، وَنِسْبَتُهُمُ الْقُرَى )) ايْتُوْنِيْ بِدَاْعِشِيٍ يُعْرَفُ اسْمَهُ، أَبُوْ بِكْرٍ اَلْبَغْدَاْدِيٌ نِسْبَةً لِبَغْدَاْدَ، أَبُوْ مُصْعَبٍ اَلْجَوْلَاْنِيُ لِجَوْلَاْن، أَبُوْ مُصْعَبٍ اَلْزَّرْقَاْوُيُ لِلْزَّرْقَاْءِ. قَاْلَ عَلِيٌ t: (( وَشُعُورُهُمْ مُرْخَاةٌ كَشُعُورِ النِّسَاءِ )) إِيْتُوْنِيْ بِدَاْعِشِيٍ يَحْلُقُ شَعْرَهُ ، إِنَّ شُعُوْرَهُمْ كَشُعُوْرِ اَلْنِّسَاْءِ ، ثُمَّ قَاْلَ : (( حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ )) يُصْبِحُ اِخْتِلَاْف، (( ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْحَقَّ مَنْ يَشَاءُ )) .
فَلْنَتَقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنَكُنْ يَدَاً وَاْحِدَةً وَصَفَّاً وَاْحِدَاً ، ضِدَّ مَنْ يُحَاْوُلُ تَفْرِيْقَ كَلِمَتِنَاْ ، وَتَمْزِيْقَ وُحْدَتِنَاْ ، وَلْيَكُنْ كُلُّ وَاْحِدٍ مِنَّاْ جُنْدِيَاً مِنْ جُنُوْدِ هَذَاْ اَلْوَطَنِ ، اَلَّذِيْ يَحْمِيْ مُقَدَّسَاْتِنَاْ ، وَيَحْفَظُ أَعْرَاْضَنَاْ وَأَمْوَاْلَنَاْ وَدِمَاْءَنَاْ .
أَسْأَلَ اَللهَ U ، لِمَنْ أَرَاْدَهُ بِسُوْءٍ أَنْ يُشْغِلَهُ بِنَفْسِهِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ تَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ ، أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ U مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاْ : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْإِمَاْمُ أَحْمَدُ وَاَلْنَّسَاْئِيُ، يَقُوْلُ r : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرِكْ ، عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّد ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُوْدِكَ وَكَرَمِكَ وَفَضْلِكَ ، وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
الْلَّهُمَّ إِنَاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ الإِسْلَاْمِ وَعِزَّ المُسْلِمِيْنَ ، الْلَّهُمَّ احْمِِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ ، وَاجْعَلْ هَذَاْ الْبَلَد آمِنَاً مُطْمَئِنَّاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ المُسْلِمِيْن. الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وِلَاْةَ أُمُورِ المُسْلِمِيْن لِهُدَاْكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ بِرِضَاْكَ، وَارْزُقْهُم الْبِطَاْنَةَ الْصَّاْلِحَةَ وَأَبْعِدْ عَنْهُم بِطَاْنَةَ الْسُّوءِ يَاْرَبَّ الْعَاْلَمِيْن .
الْلَّهُمَّ إِنَاْ نَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ ذُنُوْبَنَاْ، وَتَسْتُرَ عُيُوْبَنَاْ، وَتَهْدِيْ قُلُوْبَنَاْ ، وَتَشْفِيْ مَرْضَاْنَاْ ، وَتَرْحَمْ مَوْتَاْنَاْ، وَتُسَدِدْ دُيُوْنَنَاْ ، وَتَعَاْفِيْ مَنِ ابْتَلَيْتَهُ مِنَّاْ بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ الْرَّاْحِمِيْن . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|