أجمل تشبيه للخير ومن لا خير فيه
الحمد لله الذي أوجدنا من عدم ، ومتعنا بوافر النعم ، وجعلنا من خير الأمم ، خصنا بخير كتبه ، وأرسل إلينا أفضل رسله ، القائل في كتابه : } وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، } هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم يبعثون .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته سبحانه لعباده ، الأولين والآخرين ، فهو القائل في كتابه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى البخاري ومسلم ـ رحمهما الله تعالى ـ عن أَبي موسى الأشعري t ، أن النبي r قال : (( مَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أصَابَ أرْضاً ؛ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ ، وَالعُشْبَ الكَثِيرَ ، وَكَانَ مِنْهَا أجَادِبُ أمْسَكَتِ المَاءَ ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ ؛ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كلأً ، فَذلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأسَاً ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) .
ففي هذا الحديث الشريف العظيم ، يشبه النبي r ما بعثه الله U به ، بالغيث ـ أي المطر ـ والناس بالأرض ، فإذا نزل المطر على الأرض ؛ فمنها أرض تقبل الماء ، وتنبت العشب الكثير الذي ينتفع منه الناس ، ومنها أرض تمسك الماء فقط ، فينتفع منه الناس ، ومنها أرض لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، لا تفيد ولا تستفيد ، قيعان كما قال r .
فالناس ـ أيها الأخوة ـ وكل واحد منا من هؤلاء الناس ، بالنسبة لأمر الله U ونهيه ، وما قال سبحانه وما قال رسوله r ، لا يخرجون عن إطار هذا التشبيه البليغ البديع ، فإما هم كالأرض التي تمسك الماء وتنبت الكلأ ، تستفيد وتفيد ، أو كالنوع الثاني ، وهو أقل مرتبة من الأولى : تفيد ولكنها لا تستفيد ، فهي تمسك الماء ، وينتفع منه الناس ، ولكنها لا تنبت شيئا ، أو ـ والعياذ بالله ـ كالنوع الثالث لا تستفيد ولا تفيد ؛ لأنها قيعان ، أرض سبخة ، تبلع الماء فلا تمسكه للناس ليستفيدوا منه ، ولا تنبت شيئا ينتفع منه من هو بحاجته ، وهي أردى أنواع الأرض .
أيها الأخوة المؤمنون :
فالنبي r ، شبه ما بعثه الله U به إلينا ، في هذا التشبيه ليراجع كل واحد منا نفسه ، ويحاسبها في مجال أمر الله U ونهيه ، وليتدارك تقصيره ، ولذلك قال r في آخر الحديث : (( فَذلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأسَاً ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) .
فخير الناس ـ أيها الأخوة ـ من تفقه في دين الله U ، وعلم ما يعلم من سنة النبي r ، ووجود هذا النوع ، في المجتمع يعد نعمة عظيمة ، بل هؤلاء هم الفائزون في الدنيا ، الناجون من النار يوم القيامة ، وكما قال تبارك وتعالى : } وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ { .
ويأتي بعد هؤلاء في الخيرية ـ أيها الأخوة ـ الصنف الثاني ، الذين شبههم النبي r ، بالأرض التي تمسك الماء ، لينتفع الناس به ، ففيهم خير ولكنهم ليسوا كالذين من قبلهم ، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به، هذا يشرب منه وهذا يسقى وهذا يزرع ، فهؤلاء القسمان هم السعداء ، والأولون أرفع درجة وأعلى قدرا ، و: } ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ { .
فحري بالمسلم ـ أيها الأخوة ـ أن يحرص بأن يكون من الصنف الأول ، يتعلم الوحي ويعمل به ويبلغه لغيره ، أو على الأقل ، يعمل بالوحي ، وينقله لغيره حتى ولو لم يفقه أحكامه ، ينفع غيره بنقل ما تأكد من صحته ونسبته لله U أو لرسوله r ، وكما قال r في الحديث الحسن : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئاً ، فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ )) .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
وأما الصنف الثالث ، الذين شبههم النبي r بالأرض السبخة ، التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلاء ، فهم الذين لا خير فيهم ، ولا أبلغ في ذمهم من قول النبي r : (( وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأسَاً ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) .
فهم ليست لهم قلوب حافظة ، ولا أفهام واعية ، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ، ولا يحفظونه لنفع غيرهم .
فينبغي للمسلم ـ أيها الأخوة ـ أن يحاسب نفسه وخاصة عند أمر الله U ونهيه ، وينظر موقعه وأين هو من دين الله سبحانه ، فالناس ـ كما قال بعضهم ـ : في الدين ثلاثة أقسام : قوم عَلِموا وعَمِلوا، وهم عامة المؤمنين ، وقوم علموا وعملوا وعلَّموا، وهم العلماء . وقوم لم يعملوا ، وهم الكفار والفاسقون .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يارب العالمين . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، اللهم جنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن ، اللهم اصلح أحوال المسلمين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين ، اللهم عجل بفرج المسلمين في سوريا ، اللهم احقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، اللهم آمن روعهم ، وعجل بفرجهم يا أرحم الراحمين . اللهم عليك بمن استضعفهم وقتلهم وشردهم ، اللهم عليك به وبمن ساعده أو سانده ، أو أمده وأيده ، اللهم عجل بهلاكه وزوال حكمه ، يا قوي يا عزيز .
اللهم أحفظ لنا أمننا ، وسدد ولاة أمرنا ، وآمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك يارب العالمين .
اللهم من أرادنا بسوء اللهم اشغله في نفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
} رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html
|