الطلاق العاطفي
الحمد لله العلي الكبير ، والعليم الخبير ، والسميع البصير ، الذي : } لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { .
أحمده حمداً يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، وأشكره على نعمه وآلائه ، } الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
وأشهد أن مُحمَّدًا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله : } بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ { ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U هي وصية الله لعباده ، الأولين والآخرين ، يقول U من قائل : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الراحة النفسية ، نتيجة الاستقرار الأسري ، مطلب شرعي ، وضرورة اجتماعية ، بل هي آية من آيات الله U الدالة على قدرته ، وكمال خبرته وحكمته ، كما في قوله تعالى : } وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { ، وكما في قوله تعالى ، في الآية التي في سورة الأعراف : } هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا { السكن هنا ـ أيها الأخوة ـ هو الأنس ، والذي من نتائجه : الراحة النفسية ، والتي من أبرز ثمارها : الاستقرار الأسري .
أيها الأخوة :
وعندما نتأمل ، في واقع بعض الأسر في المجتمع ، نجد المعاناة الأليمة ، نتيجة فقدها لهذا الجانب المهم ، حيث صار بعضها كالسجون ، يعاني أهلها أنواعا من العذاب ، وعدم الاستقرار ، بل بعضهم بسبب سوء معاملته ، وتصرفاته البعيدة كل البعد عن تعاليم الدين ، صار ينفر من بيته ، ويكره الجلوس فيه ، ولا يجد السكن ـ الذي ذكر الله U في الآية ـ إلا إذا خرج منه .
ولذلك ـ أيها الأخوة ـ صارت أكثر البيوت ، لا تعرف إلا في أوقات الأكل أو النوم ، وما كثرة الاستراحات ، وإدمان السفرات والسهرات ، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، والطلاق ، والمنازعات في المحاكم ، إلا بسبب عدم الاستقرار الأسري ، نتيجة عدم الراحة النفسية .
أيها الأخوة :
إن هذه الظاهرة الخطيرة ، تعاني منها كثير من أسر المسلمين ، فالسكن صار شقاء وتعاسة ، والمودة والرحمة ، صارت بغضا وكرها وحقدا ، وتفننا بأنواع التعذيب والانتقام ، ولولا خوف بعضهم ، من تشتت الأبناء ، وكلام الناس ، وبعض الالتزامات المادية ، لأنهيت المواثيق بوقوع الطلاق ، ولذلك تستمر العلاقة الزوجية أمام الناس فقط ، ولكنها في حقيقتها ، متقطعة الخيوط ، واهية الأركان ، وهذا ما يعرف عند علماء النفس بالطلاق العاطفي .
نعم ـ أيها الأخوة ـ الطلاق العاطفي ، المؤدي إلى موت الحب بين الزوجين ، قضية خطيرة ، وظاهرة موجودة في المجتمع ، لا ينكرها عاقل ، ولا يجحدها إلا مكابر .
ولا شك إن هذه القضية ، التي لا يبالي بها بعض الناس ، لقضية خطيرة ، لها آثار سيئة ، وثمار مرة ، وعواقب وخيمة ، فقد تؤدي إلى الطلاق الحقيقي ، وقد تؤدي إلى مالا يحمد عقباه ، كالعلاقات المحرمة ، المؤدية إلى الخيانات الزوجية ، وكالإمراض النفسية ، وزواج المتعة والمسيار ، بل قد تؤدي إلى الانتحار والعياذ بالله .
والله العظيم ـ أيها الأخوة ـ اتصلت علي إحداهن ، تسأل عن حكم الانتحار ، تريد أن تنهي حياتها ، والسبب أنها مطلقة طلاقا عاطفيا .
أيها الأخوة :
إن بعض الأزواج ـ هداهم الله ـ ينطبق عليه ، قول الشاعر : ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل في الماء !
يوفر في بيته أنواع القنوات التي تثير غرائز الحيوانات ، ببرامجها الساقطة ، وأفلامها الهابطة ، ولقطاتها المثيرة ، مع وجود وسائل الاتصال الحديثة ، التي تمكن بعضهم من التواصل مع غيره وهو في غرفة نومه ، ويستعرض من خلالها ، ما تحتاجه نفسه ، التي قد تكون أمارة بالسوء ، كما ذكر الله جل جلاله } إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي { ، يوفر كل ذلك ، وفي الوقت نفسه ، يهمل أو لا يبالي ، بما تحتاجه شريكة حياته ، وما تتطلع إليه الضعيفة المسكينة ، لإشباع غريزتها العاطفية ، ورغباتها الزوجية ، وملذاتها النفسية ، ولا شك أن هذا من الظلم العظيم ، وعدم تأدية الحقوق ، والقيام بالواجبات .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ ولنراجع أنفسنا ، وخاصة في مجال تعاملنا مع أهلنا ، ولا ندع مجالا لشياطين الجن والأنس للعب في نفوسنا ، والتعدي على أعراضنا ، ولنعلم يقينا ، بأنه لا نجاة لنا ولا سلامة ، إلا بالتمسك بكتاب ربنا ، والسير على هدي نبينا محمد r .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله ، لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
&&&&&&&&&&&&&&&&&&
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
يخطأ كثير منا ، في فهم العلاقة الزوجية ، فيعتقد أن كمال سعادتها ، وقمة حاجتها ، توفير الطعام والشراب ، والمسكن والملبس ، فتجده يبذل قصارى جهده ، وينفق ما بوسعه ، من أجل توفير ذلك ، ولكنه لا يهتم في المجالات النفسية لشريكة حياته ، بل بعضهم يعتقد أن الاهتمام بالجوانب العاطفية ، وإشباع الرغبات النفسية ، نقص في رجولته ، وخارم من خوارم مروءته ، وهذا بلا شك من الجهل العظيم ، بل من السفه وقلت العقل والدين والتقوى .
النبي r ـ أيها الأخوة ـ على جلالة قدره ، وعلو مكانته ، لم يهمل هذه الجوانب المهمة ، في حياة المرأة ، إنما جعلها من الواجبات ، التي يثاب فاعلها ، ويعاقب تاركها ، بل اعتبر r ، خير الناس من قام بها ، وحرص عليها ، وفي مقدمة هؤلاء ، هو r ، ففي الحديث الذي رواه الترمذي ، يقول r : (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي )) .
أيها الأخوة :
أنتم يامن تتأففون من حركة فيها سعادة زوجاتكم ، أو كلمة تضفي الأنس على شريكة حياتكم ، تأملوا كيف كان نبيكم r ، الذي شهد له الله U ، بحسن خلقه ، فقال : } وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ { تأملوا كيف كان مع زوجاته :
روى النسائي ـ رحمه الله ـ أن أم المؤمنين صفية ـ رضي الله عنها ـ كانت مع النبي r في سفر , وكان ذلك يومها , فأبطأت في المسير , فاستقبلها رسول الله r وهى تبكى , وتقول حملتني على بعير بطيء , فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها , ويسكتها .
وروى الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في صحيحه ، عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : كنت أشرب فأناوله النبي r فيضع فاه على موضع فيّ , وأتعرق العرق ـ أي العظم ـ فيضع فاه على موضع فيّ .
وتقول ـ رضي الله عنها ـ أيضا في صحيح مسلم : كان رسول الله r يتكئ في حجري وأنا حائض .
وفي صحيح البخاري ـ رحمه الله ـ أن النبي r إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث .
وفي صحيح البخاري أيضا ، لما سئلت عائشة ما كان النبي r يصنع في بيته ؟ قالت : كان في مهنة أهله .
بل r كما ثبت عنه ، كان يمدح عائشة ، ويهدي إلى صديقات خديجة ، ويعلن محبته ، ويتزين لهن ، ولا يفشي لهن سرا .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ ولنجعل النبي r قدوة لنا في كل شئوننا ، الخاصة والعامة ، ولندرك يقينا ، أن في ذلك سعادتنا دنيا وأخرى .
اللهم أيقظنا من رقدة الغافلين ، وأغثنا بالإيمان واليقين ، واجعلنا من عبادك الصالحين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أصلح أحوالنا أجمعين ، واجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ،اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
. اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، أن تغيث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html
|