نهاية العالم
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا و أَنْنمْ مُسْلِمُونَ { ، } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا { ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا { .
أما بعد :
فإن أحسن الحديث ؛ كلام الله ، و خير الهدي ؛ هدي محمد - صلى الله عليه و آله و سلم - وشر الأمور محدثاتها ، و كل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .
أيها الأخوة المؤمنون :
نهاية العالم ، قضية أشغلت بها بعض القنوات الفضائية ، كثيرا من الناس ، وخاصة أولائك الذين سلموا عقولهم ، واستسلمت مبادئهم لتلك القنوات ، فصارت لهم بمثابة الموجه الفعال ، والمعلم الخاص ، وهي ماهي في الحقيقة إلا مجرد مؤسسات ، يقوم عليها أفراد همهم ، إثارة الناس ، وشغلهم بما يحقق لهم أهدافهم ، ويلبي رغباتهم ، ويعينهم على الوصول إلى مآربهم سواء كانت مادية أو فكرية أو اجتماعية .
أيها الأخوة :
وقد أثبتت هذه القضية ـ أعني إشاعة نهاية العالم ـ التي تبنتها كثير من القنوات الفضائية ، أثبتت جهل كثير من المسلمين ، وبينت عدم فقههم في دينهم ، ولا شك أن هذا أمر من الخطورة بمكان ، بل قد يكون فيه دليل على عدم إرادة الخير بهم من الله U ، ففي الحديث المرفوع يقول النبي r : (( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) . فتأثر بعض المسلمين بإشاعة نهاية العالم ، يدل على عدم فقههم ، وجهلهم بشرع ربهم U ، وهذا لا شك يعتبر كارثة ومصيبة ، من كوارث ومصائب المسلمين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن نهاية العالم ، أمر لا يعلمه إلا الله U ، لا أحد يستطيع كائن من كان ، أن يحدد أو يعلم أو يقطع متى تقوم الساعة وينتهي العالم ، لأن علم الساعة علم اختص الله تبارك وتعالى به نفسه ، فلا يعلمه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا حتى النبي محمد r ، كما قال U للنبي r : } يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا { فعلم الساعة لا يعلمه الا الله U ، حتى النبي r لما سأله جبريل ـ عليه السلام ـ متى الساعة ؟ كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، قال r : (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) .
أيها الأخوة :
وعلم الساعة من مفاتح الغيب ، التي لا يعلمها إلا الله U ، كما قال تبارك وتعالى : } وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ { قال r كما في الحديث الذي رواه البخاري : (( مفاتح الغيب خمس : إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ )) . يقول ابن عباس رضي الله عنهما : هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى ، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، فمن ادّعى أنه يعلم شيئاً من هذه فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه .
أيها الأخوة المؤمنون :
ويقول تبارك وتعالى : } يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا { أي متى وقتها وموعد مجيئها ؟ قال U : } فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا { أي ليس هناك فائدة من ذكرها ومعرفة وقت مجيئها ، } إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا { أي إلى الله U وحده منتهى علمها ، كما قال تبارك وتعالى في سورة الأعراف : } يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ { .
فمعرفة متى ينتهي العالم ـ أيها الأخوة ـ أمر لا يعلمه إلا الله U ، فيجب على المسلم أن يعتقد ذلك ويجزم به ، ولا يدع مجالا لمن فسدت عقائدهم ، أن يفسدوا عليه هذا المعتقد الإيماني العظيم .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومما ينبغي للمسلم معرفته ، لا سيما في أمر الساعة ، ما أخبر به النبي r ، وما ثبت عنه في سنته المطهرة ، ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح ، الذي رواه الإمام مسلم عن حذيفة بن أُسَيد الغفاري t قال : اطلع علينا النبي r ونحن نتذاكر ، فقال r : (( ما تذاكرون )) ؟ فقلنا : نذكر الساعة ، قال r : (( إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر : الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم )) .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ ولنحذر هذه القنوات ، التي تروج لمثل هذه الشائعات ، ولا ندع للقائمين عليها مجالا أن تفسد معتقداتنا ، كما أفسدت أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا .
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، إنه سميع مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
في الحديث الصحيح ، جاء رجل إلى النبي r ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَّى السَّاعَةُ ؟ قَالَ r : (( مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ )) قَالَ : لَمْ أَعِدَّ لَهَا كَثِيرَ صَلاةٍ وَلا صِيَامٍ وَلا صَدَقَةٍ ، إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . قَالَ r : (( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )) .
ففي هذا الحديث ، نجد أن النبي r ، لما سأله هذا الرجل ، عن الساعة ، وجه اهتمامه لما أعد لها من عمل ، فينبغي للمسلم ـ أيها الأخوة ـ أن لا يصير همه متى يموت ، إنما يهتم للوضع الذي سوف يموت عليه ، يقول ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عند شرحه لهذا الحديث : ففي هذا الحديث دليل على أنه ليس الشأن كل الشأن أن يسأل الإنسان متى يموت ؟ ولكن على أي حال يموت ؟ هل يموت على خاتمة حسنة ؟ أو على خاتمة سيئة ؟
ولهذا قال r : (( ماذا أعددت لها ؟ )) يعني لا تسأل عنها فإنها ستأتي .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين ، وتجعلهم من الفقهاء في هذا الدين ، وتكفهم شر المغرضين ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار . اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، واجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، أن تغيث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html
|