الأخوة الإيمانية
الحمد لله الرحيم الرحمن ، الكريم المنان ، ذي الفضل والإحسان ، } هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، } وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، وخاتما للأنبياء ، وإماما للمرسلين ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصية الله لعباده أجمعين ، الأولين والآخرين ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة t ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ r قال : (( إِن رجلا زارَ أخا لَهُ في قريةِ أخرى ، فأرْصَدَ اللهُ لَهُ على مَدْرَجَتِهِ مَلَكا )) أي وكل الله ملكا يحفظه ، على مدرجته ، أي على طريقه ، (( فلما أَتى عليه قال : أين تُريدُ ؟ قال: أُريدُ أخا لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نِعْمة تَرُبُّها ؟ )) أي تقوم بها وتسعى في صلاحها . (( قال : لا ، غير أني أحبَبْتُه في الله ، قال : فإني رسولُ الله إِليكَ بأنَّ اللهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه )) .
أيها الأخوة :
إنها الأخوة الإيمانية ، التي تمثل الرابطة الأقوى والأمتن بين المسلمين ، التي من أجلها يقرب البعيد ، ويصير الغالي والنفيس زهيد ، التي إذا فقدت فقد الأمن والاستقرار ، وكثر الشر والأشرار .
ولندرك ـ أيها الأخوة ـ أهمية الأخوة الإيمانية ، ودورها الفعال في المجتمع ، نتأمل حادثتين ذكرهما الله U في كتابه :
الحادثة الأولى :
ما ذكره الله U عن أبني آدم ، أخوة النسب ، حيث قتل أحدهم الآخر ، كما قال تبارك وتعالى : } وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ { فلم تمنعه أخوة نسبه عن قتل أخيه .
أما الحادثة الثانية ـ أيها الأخوة :
فهي أيضا ما ذكره الله U ، عن أخوة يوسف ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ فلم تمنعهم أخوة النسب ، عن التخلص من أخيهم ، واحراق قلب أبيهم ، وإسخانِ دمعتهِ قُرابةَ أربعينَ عاماً ؟ ما الذي جرَّأهم على ذلك , مع أنهم إخوةٌ لأب ؟ ويعيشونَ تحتَ سقفِ بيتٍ واحد .
تأملوا وقارنوا ـ أيها الأخوة ـ ماذا تفعل الأخوة الإيمانية ؟
ذلك الرجل ، يقطع الفيافي ليزور أخيه ، لأنه يحبه في الله ، جمعت الأخوة الإيمانية بينهما ، وأخوة النسب لم تمنع من القتل ، وإحراق قلب نبي من الأنبياء ، بإلقاء أبنه في البير ، في غيابة الجب كما ذكر الله تعالى .
فالأخوة الإيمانية ، هي ما تحتاجه الأمة الإسلامية اليوم ، وهي الأمر الأهم ، الذي حينما فقد ، صار مسلم يذبح كما تذبح الشاة ، والآخر يغني ويرقص ويشجع في مدرجات الملاعب ، وصار مسلم يدك منزله عليه وعلى أطفاله ، والآخر يتابع مسلسل هابط ، ويتمتع بأنواع الترفيه ، وبما لذ وطاب من المآكل والمشارب .
الأخوة الإيمانية التي فقدت ، فصارت بعض المسلمات لا تجد حليبا لأطفالها ، وتنتظر أم الأيتام متى يقطع الكهرباء عنها ، لعجزها عن تسديد فاتورتها ، وحولها كثير من المسلمين ، وصل بهم الإسراف والتبذير إلى التنافس في المناسبات والولائم ، ورمي النعم في الزبائل .
الأخوة الإيمانية ، التي فقدت ، فصار المسلم يفتخر بحسبه ونسبه ، ويحتقر مسلما بسبب لونه أو جنسيته أو لغته . وقد يكون عند الله أفضل منه .
الأخوة الإيمانية ، التي فقدت ، فصار بعض الناس ينافس في أبله ، ليجد من يشتري الواحدة منها بملايين الريالات ، والفقراء على أبواب الجمعيات الخيرية ، ينتظرون لعل محسنا ، تأخذه الرأفة بهم ، ليضع الخمسة أو العشرة ريالات في يد أحدهم .
فالأخوة الإيمانية ـ أيها الأخوة ـ أمر من الأهمية بمكان ، يجب على كل فرد من أفراد الأمة ، أن يراجع حساباته معه ، ويرى أين موقعه منه .
أيها الأخوة المؤمنون :
والله لا خير في مجتمع ، بل ولا في نسب ، تفقد الأخوة الإيمانية منه ، لأنها إذا فقدت فقد الأمن ، وفقد الاستقرار ، وصارت العلاقات من أجل المصالح والمنافع ، ولذلك النبي r بعد هجرته من مكة إلى المدينة ، كان على رأس أولوياته ، إقامة الرابطة الأخوية الإيمانية ، فآخى بين المهاجرين والأنصار ، فوجد الإيثار والاحترام ، وانتشر الحب والوئام ، فصاروا كما قال تبارك وتعالى : } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ { وكما قال r في الحديث الصحيح : (( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَ تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ )) .
فلنتق الله ـ أخوتي في الله ـ ولنراجع أنفسنا في هذا الجانب الإيماني العظيم ، ولا نغفله في تعاملنا مع بعضنا ، فوالله الذي لا إله غيره ، لا خير في علاقة أو محبة نكونها بيننا من أجل مصلحة دنيوية ، أو منفعة أرضية ، لأن مصيرها الانهيار والشقاق والخصام .
اسأل الله ، أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الإنسان إذا تجرد من الأخوة الإيمانية ، وبنى علاقاته على مصالحه الشخصية ، فإنه يصل إلى درجة لا يحسد عليها من الانحطاط والانحدار ، وإلى درجة من الخسة والنذالة والأنانية ، وعدم الإحساس بالآخرين ، بل سوف يصل إلى منزلق خطير ، يبعده عن الدين ورضى رب العالمين
أيها الأخوة :
إن بقيام الأخوة الإيمانية بيننا ، يقوم الأمن ويعم الرخاء ، وتنتشر المحبة ، ويوجد الإيثار ، وتقوى الشوكة ، ويتوحد الصف ، وتعلوا الكلمة ، وغير ذلك مما ينبغي أن نكون عليه ، أما إذا فقدت ، فسوف تكون القطيعة ، والتنافس المذموم ، وسوء الظن ، والكذب والغيبة والنميمة والظلم وأكل الحقوق ، والكره والتخاصم والتهاجر ، وغير ذلك من الرذائل التي لا يرضاها الله U ، وقد تكون سببا في دخول النار وبئس القرار ، وكما قال تبارك وتعالى : } الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ { .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ اسأله U أن يهدي قلوبنا ، وأن يصلح أحوالنا ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم احينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، يارب العالمين .
اللهم أدم علينا أمننا ، واحفظ لنا ولاة أمرنا ، ووفق علماءنا ودعاتنا ، واجعلنا جميعا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، يا رب العالمين . اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم رحمة اهد بها قلوبنا ، واجمع بها شملنا ولمّ بها شعثنا ورد بها الفتن عنا برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، اللهم فرج عن المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم عجل بفرج المسلمين في سوريا ، وفي فلسطين وبورما وفي كل مكان، اللهم عجل بفرجهم، وآمن روعهم، واحقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، وفك أسراهم ، واجبر كسرهم يارب العالمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|