الضرورات الخمس وخطر المخدرات
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقُوا اللهَ تعالى، واعلمُوا
أنَّ دِينَ الإسلامِ دِينُ رحمةٍ، في مَقَاصِدِهِ العَظيمةِ، وقَواعِدِهِ، وتَشْرِيعاتِه. فَهُوَ رحمةٌ في الحَرْبِ والسِّلْمِ، ورحمةٌ في الشِّدَّةِ
والرَّخاءِ، ورحمةٌ في الضِّيقِ والسَّعَةِ، ورحمةٌ في الإثابَةِ والعُقُوبَةِ، ورحمةٌ في الحُكْمِ والتَّنْفيذِ، ورحمةٌ في كُلِّ الأحوالِ. ولِتَحْقِيقِ هذه
الرحمةِ، جاءَ الإسلامُ بِحِفْظِ الضَّرُورِياتِ الخَمْسِ التي لابُدَّ مِنْها في
قِيامِ مَصالِحِ الدِّينِ والدنيا، بِحَيْثُ إذا فُقِدَت ضاعت مَصالِحُ العِبَادِ
والبِلادِ، وفَسَدَتْ أحوالُهم. وهي: الدِّينُ والنَّفْسُ والعَقْلُ والنَّسَبُ
والمالُ. والمُحافَظَةُ عَلَيْها هي السِّياسَةُ الداخِلِيَّةُ الحَقِيقِيَّةُ في
دَوْلَةِ الإسلامِ.
أوَّلُها: الدِّينُ: فَقَد جاءَ الإسلامُ
بِالمحافظةِ عَلَيْهِ وذلك بالدعوةِ إلى التوحيدِ والسُّنَّةِ، والنَّهْيِ عن
الشِّرْكِ والبِدَعِ، وحِمايَةِ المُجْتَمَعِ المسلمِ مِنْ كُلِّ فِكْرٍ دَخِيلٍ
يَضُرُّ بِعَقِيدَةِ المسلمين. وقَتْلُ مَنْ ارْتَدَّ عن الإسلامِ لِقَوْلِ
النبيِّ صلى اللهُ علية وسلم: ( مَنْ بَدَّلَ دِينَه فاقْتُلُوهُ ).
الثانيةُ مِن هذِه الضَّرُورَاتِ:
الأَنْفُسُ: فَقَدْ جاءَ الإسلامُ بالمحافظةِ عَلَيْها، فَشَرَعَ اللهُ القِصاصَ
زَجْراً لِمَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُه بالقتلِ, وحِمايَةً لِدَمِ المُسْلِم. قال
تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ ). وَنَهى الشارعُ الحَكِيمُ عَن قَتْلِ المُسْلِمِ نَفْسَه، أَوْ
فِعْلِ ما يُؤَدِّي إلى هلاكِها. ويَدْخُلُ في ذلكَ حِمايَةُ البِلادِ
والمُجْتَمَعِ مِنْ كُلِّ ما يُخِلُّ بِأَمْنِها وَيَنْشُرُ الرُّعْبَ والخَوْفَ
في المُجْتَمَعِ، وَيَتَسَبَّبُ في تَرْوِيعِ الآمِنِينَ وسَفْكِ دِمائِهِم.
الثالثةُ: العُقُولُ: فَقَدْ جاءَ الإسلامُ
بالمحافظةِ عَلَيْها وذَلِكَ بِتَحرِيمِ جَمِيعِ ما يَضُرُّ عَقْلَ المسلمِ، ومِنْ
ذلك قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فُقُلِيلُه حَرامٌ ).
ولُعِنَ في الخَمْرِ عَشَرَةٌ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أتاني
جِبْريلُ فقال: يا محمدُ إِنَّ اللهَ لَعَنَ الخَمْرَ، وعاصِرَها، ومُعْتَصِرَها،
وشارِبَها، وحامِلَها، والمَحْمُولُةَ إِلَيْهِ، وبائِعَها، ومُبْتاعَها،
وساقِيها، وَمُسْقَاها ) وأَمَرَ الشارعُ بِجَلْدِ شاربِ الخَمْرِ. وأَخْطَرُ مِن
الخُمُورِ: استِعْمالُ الحَشِيشِ والمُخَدِّراتِ، التي أَجْمَعَتْ أنْظِمَةُ
الدُّوَلِ، بِما فيها الدُّوَلُ التي تُباعُ فيها الخُمُورُ عَلَناً، بِمَنْعِها
وتَجْريمِ مُسْتَخْدِمِيها ومُرَوِّجِيها. وما ذاكَ إلاّ لِأَنَّ خَطَرَها يَعُودُ
عَلَى جَمِيعِ الضَّرُوراتِ الخَمْسِ. فَهِي مِنْ أَعْظَمِ ما يُفْسِدُ دين
المَرْءِ وعَلاقَتِه بِرَبِّهِ. وهِيَ أَعْظَمُ مُدَمِّرٍ لِلْعَقْلِ البَشَرِيِّ
وإِلحاقِ صاحِبِه في عِدادِ البَهائِمِ. وأَعْظَمُ مُتْلِفٍ لِلمالِ. وسَبَبٌ
رَئِيسٌ في فَسادِ العِرْضِ وبَيْعِ الشَّرَفِ، وإهلاكِ النَّفْسِ. فَكَمْ مِنْ
شابٍّ، ضاعَ شَبابُه ودينُه وشَرَفُه ورُجُولَتُه بِسَبَبِها. وَكَمْ مِن رَبِّ
أَسْرَةٍ ضَحَّى بِقِوَامَتِهِ ومالِه وقُوتِ عِيالِه بِسَبَبِها. وَكَمْ مِنْ
زَوجَةٍ بائِسَةٍ ضاعَت بِسَبَبِ ضَياعِ زَوجِها وما جَرّهُ إِلَيْها مِنْ حَرَجٍ
بِسَبَبِ المُخَدِّرات. وَلِعِظَمِ خَطَرِها وفَتْكِها بالفَرْدِ والمُجْتَمَعِ
صارتْ المُخدِّراتُ وَسِيلَةً مِنْ وسائِلِ الحُرُوبِ التي يُسْتَهْدَفُ بِها
المسلمونَ في هذِه البلادِ وَغَيْرِها مِنْ بِلادِ الإسلامِ. فالمخدراتُ سِلاحٌ
اسْتَغَلَّه أعداءُ الإسلامِ لِيُحِّطُمُوا بِهِ شبابَ المسلمين، تَدْمِيرًا
لِدِينِهِم وقَضَاءً عَلَى مُسْتَقْبَلِهِم، فالذينَ وَقَعُوا في شَرَكِ المُخَدِّراتِ
أَظْلَمَتْ حياتُهُم بَعْدَ البَصيرَةِ، وأَلْغَوا عُقُولَهُم بَعْدَ استِنارَتِها
بَهُدُى اللهِ، وأَقْدَمُوا عَلَى الجريمةِ، فَيَتَّمُوا أطفالَهُم وَهُمْ
أَحْياءٌ، وَرَمَّلوا نِساءَهُم وَهُم أحياء، وأشاعُوا الفسادَ في الأرضِ بَعْدَ
إصلاحِها. إِنَّ حَرْبَ المخدراتِ أضْحَت مِنْ أخْطَرِ أنْواعِ الحُرُوبِ
المُعاصِرَةِ، يُدْرِكُ ذلك مَنْ وَقَفَ في المَيْدانِ واقْتَرَبَ مِنْ
المُعْتَرَكِ، سَواءً مِنْ رجالِ الأمْنِ ومكافحةِ المخدراتِ، أو مِن العامِلِينَ
في جَمْعِيَّاِت المُكافحةِ الخَيْرِيَّةِ وأطِبَّاءِ المستشفيات.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
الرابِعَةُ من الضروراتُ: الأنسابُ:
ولِلْمُحافظةِ عَلَيْها أَمَرَ الشارِعُ بِالنِّكاحِ، وَوَضَعَ لَهْ شُرُوطًا
وأَرْكانًا، وضَوابِطَ، وحَثَّ الشَبابَ عَلَيْهِ، وحَرَّمَ الشارعُ الحَكِيمُ
الزِّنا، وأَمَرَ بِجَلْدِ الزاني البِكْرِ وَرَجْمِ الزانِي المُحْصَنِ، وسَدَّ
جَمِيعَ الطُّرُقِ المُوصِلَةِ إلى الزنا، وذلكَ أَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ
بِالحِجابِ ونَهَى عَن الخَلْوَةِ بالمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ وَلَوْ كانت مِن
الأقاربِ، وَنَهَى عن سفَرِ المَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَأَمَرَ النِّساءَ
بالقَرارِ في البُيُوتِ وَأَمَرَ بِغَضِّ البصرِ، ونَهَى المَرْأَةَ عن الخُضُوعِ
بالقَوْلِ، والتَّمَيُّعِ بِالكلامِ، حَتى لا يَطْمَعَ مَنْ في قَلْبِهِ مَرَضٌ.
الخامِسَةُ: الأموالُ: وَلِأَجْلِ
المُحافظةِ عَلَيْها حَرَّمَ اللهُ أَخْذَ الرَّشْوَةِ، ونَهَى عن المُعاملاتِ
المَبْنِيَّةِ عَلَى الغَرَرِ والجَهالَةِ، أَو الخِداعِ والتَّغْرِيرِ، وحَرَّمَ
اللهُ أكْلَ الربا وكذلكَ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السارِقِ، ( وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ
اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويحفظ للأمة أمنها ودينها
واستقرارها وسيادتها، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق
لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم لا
تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً
إلا شفيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج
الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسّرتها، برحمتك
يا أرحم الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا
بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح
ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، اللهم
احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور
والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت،
وأصلح مما كانت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم يا أرحم
الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني
ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم
اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل،
اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث
ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد
والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا
نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم
صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|