الوعي الأسري
الحمد لله } الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه : } نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك : } لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، يقول عنه U : } إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا { ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته سبحانه لنا ولمن كان قبلنا : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الوعي الأسري ، والاهتمام به ، قضية مهمة ، ومسألة ذات شأن عظيم ، يحتاجها المجتمع المسلم ، وتقتضيها مصلحة المسلمين ، وتوجبها الأوضاع المتردية في كثير من أسر المسلمين ، فبسبب غياب الوعي الأسري ، انتشرت المظاهر السيئة في المجتمع ، وكثرة المخالفات الشرعية ، بل والاجتماعية ، ووجدت الأمراض النفسية ، وتنوعت حتى الأمراض العضوية ، والسبب ـ أيها الأخوة ـ عدم الوعي الأسري ، الذي يعتبر جانبا من أهم جوانب التربية .
بعض الناس ـ أيها الأخوة ـ يعتقد أن مهمته الأسرية ، تنتهي بتوفير الطعام والشراب واللباس لأسرته ، وجلب وسائل الترفيه والراحة لهم ، وإيجاد سائق ينقلهم ، وخادمة تخدمهم ، ويعتبر نفسه بعد ذلك أنه قد قام بواجبه نحو أسرته على الشكل المطلوب ، بل تجده يسفه من يتهمه بالتقصير ، وهو لا يدرك أنه قد أهمل هذا الجانب العظيم من جوانب التربية ، وترك ذلك الأمر الذي بتركه لا تسأل عن وضع أسرته ، وما سوف يحل بها من أخطار وأضرار ، وما ينعكس على أفرادها من سلبيات ، وسلوكيات سيئة ، تمتد معهم طوال حياتهم ، وتنعكس سوءا على تصرفاتهم ، إلى أن تصل إلى مجتمعهم ، بل قد يصل ضررها وشرها وخطرها حتى إلى أمتهم .
ولذلك ـ أيها الأخوة ـ الوعي الاجتماعي هو امتداد للوعي الأسري ، فكل ما يحدث في المجتمع من ظواهر سيئة ، من عقوق وتمرد ، وخروج عن دائرة الأخلاق ، ومن سرقات ، وكتابات على الجدران ، وتفحيط وإزعاج للمسلمين ، وشذوذ وإعجاب وعشق ومخدرات ، ومضاربات ، بل وطلاق ومنازعات وغير ذلك ، تجد خلفه أناس قد تخرجوا من أسر غير واعية ، لم تهتم بتوعية أفرادها توعية سليمة ، أو كان وعيها مخالفا للوعي الصحيح ، المستمد من تعاليم الكتاب والسنة .
أيها الأخوة :
لذلك اهتم الدين بجانب الوعي الأسري ، واعتنى به في نصوص الكتاب والسنة ، والأدلة على ذلك كثيرة ، ولكن منها قول الله تعالى ، } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا { فإرادة رضا الله U ، والفوز في الجنة ، أمر يجب أن يكون إطارا عاما للأسرة المسلمة ، وضابطا لتصرفات أفرادها ، لأن كل فرد يعيش داخل هذا الإطار ، سوف يكون عضوا فعالا نافعا لأسرته ومجتمعه وأمته . وأما } إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا { إن كان هم الأسرة الحياة الدنيا وزينتها ، فمن الخير أن لا تتكون هذه الأسرة ، بل من الخير أن تنفصل ، ليسلم المجتمع والأمة من التبعات التي سوف تتسبب بها هذه الأسرة ، بل ليسلم أفرادها من شقاء الدنيا ، وعذاب الآخرة .
أيها الأخوة :
ولنتأمل كيف اهتم النبي r في جانب الوعي الأسري ، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة t قال أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله r : (( كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة )) و حينما رأى r ابنته فاطمة ـ عليها السلام ـ وفي يدها سلسلة من ذهب ، فقال r كما في الحديث الذي صححه الألباني ـ رحمه الله ـ : (( يَا فَاطِمَةُ ، أَيَغُرُّكِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ : ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ وَفِي يَدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ )) ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ ، فَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ بِالسِّلْسِلَةِ إِلَى السُّوقِ ، فَبَاعَتْهَا ، وَاشْتَرَتْ بِثَمَنِهَا غُلاَمًا فَأَعْتَقَتْهُ ، فَحُدِّثَ بِذَلِكَ r ، فَقَالَ : (( الْحَمْدُ ِللهِ الَّذِي أَنْجَى فَاطِمَةَ مِنَ النَّارِ )) . بعض الناس ـ أيها الأخوة ـ يبلى أبناؤه ذكورا وإناثا بأشياء ، من الخطورة بمكان ، فيتورطوا بسوء نتائجها ، لأنهم لا يعون خطورتها ، ولا يدركون ضررها ، وكم من رذيلة وقعت ، ومصيبة حلت ، بسبب عدم الوعي الأسري . والله ـ أيها الأخوة ـ إن إحداهن اتصلت بي تذكر أن لها ست سنوات متزوجة ، ولكنها لا تعرف كيفية غسل الجنابة ، والأخرى يلف عندها زوجها ـ أعزكم الله ـ الحشيش المخدر ، أخطر أنواع المخدرات ، وهي لا تعلم بأنه حشيش ، وأخرى يتحرش بها أخوها ، ومثلها من يتحرش بها عمها ، وثالثة تشتكي من علاقة زوجها بزوجة أخيه ، وغير ذلك من المظاهر السيئة ، نتيجة عدم الوعي الأسري .
فلنتق الله ـ أخوتي في الله ـ ولنهتم بهذا الجانب العظيم ، الذي يعود علينا بسلامة أعراضنا ودمائنا وأموالنا بإذن الله تعالى .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن الوعي الأسري من الأهمية بمكان ، ومن أهمله ولم يهتم به ، فإنه على خطر عظيم ، ففي الحديث الذي رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه ، يقول النبي r : (( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ، وهي مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) .
فتوعية من في أسرنا ـ أيها الأخوة ـ هي مسؤوليتنا ، التي سوف يسألنا الله عنها يوم القيامة ، فلنستعد لذلك السؤال بتعليمهم الخير ، وتحذيرهم الشر ، وتوضيح ما يحيط بهم ، وما سيواجههم ، وما ينقل لهم ، وما يروج بينهم ، من أخطار وأضرار .
بعض الناس ـ أيها الأخوة ـ من جهله وعدم فقهه ، يعتبر الحديث في بعض الأمور التي يحتاجها أفراد الأسرة ، وخاصة الأبناء والبنات ، لتوعيتهم وإدراك الأضرار والشرور المحيطة بهم ، يظن أنه غير مناسب لأفراد أسرته ، بل حتى لو سأله أحدهم عن شيء ما ، أنبه وعاتبه ، أو كذب عليه ليتخلص من سؤاله ، فتكون النتيجة وقوع ذلك الابن المسكين ، أو البنت المسكينة ، نتيجة الجهل ، بما لا تحمد عقباه ولا تسر نتائجه .
فنحن ـ أيها الأخوة ـ بحاجة ماسة لتوعية من في أسرنا ، من زوجات وبنين وبنات ، ليس عيبا ولا حراما أن تبين لهم خطر المخدرات أو اللواط والإعجاب ، ليس عيبا ولا حراما أن تحذرهم من الخلوة المحرمة ، ليس عيبا ولا حراما أن تبين لهم خطر وسائل الاتصال الحديثة ، وتذكر لهم نماذج من ضحاياها ، ليس عيبا ولا حراما أن تبين الأم لبناتها ماهي الدورة الشهرية وما يترتب عليها من أحكام ، ليس عيبا ولا حراما أن يحذر الأبناء من رفقاء السوء ويبين لهم خططهم وحيلهم .
بل هذا هو المطلوب ـ أيها الأخوة ـ وهذا هو ما ينبغي الحرص عليه ، لكي لا يتورط الأبناء بشيء من ذلك .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يجعلنا من الفقهاء في هذا الدين ، ويحفظ أبناءنا من كل سوء ، إنه سميع مجيب .اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين .اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، برحمتك يا أرحم الراحمين .اللهم إنا نسألك عز الإسلام والمسلمين ، وذل الشرك والمشركين ، اللهم احفظ أوطاننا ، وأعز سلطاننا ، ووحد كلمتنا ، وقوي شوكتنا ، وأدم أمننا ، واغفر لنا ، وارحمنا ، ولا تجعلنا من الخاسرين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
|