الإعتراف بالنِعَم وشُكْر المُنعِم والثناءُ بها عليه
خطبة الجمعة 27-04-1432 هـ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:2-5] ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته ، كما أنه لا شريك له في ربوبيته وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وخيرته من جميع بريته ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن تمسك بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد : أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، أنعم الله علينا بالإسلام والإيمان ، وأنعم الله علينا بالأمن في الأوطان ، وأنعم الله علينا في سعة الرزق ، وأنعم علينا بنعمٍ لا تحصى ، قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [إبراهيم:34] ، نِعَمٌ ظاهرةٌ وباطنة ، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20] ، إن الواجب علينا أن نشكر هذه النِعَم ، كما قال الله سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] ، إذا شكرتم هذه النِعم فإن الله يزِيدها ويُبارك فيها ويُنمّيها ، وإن كفرنا هذه النعم فإن عذاب الله شديد ، فيُبدّل الأمن بالخوف ، ويُبدّل الصحة بالمرض ، ويُبدّل الرزق بالجوع ، وهكذا ، ما من نعمة إلا ولها ضد ، فالله سبحانه وتعالى غفور شكور، من شَكَرَه زاده من فضله ، ومن كفر بنعمه فإنه سبحانه شديد العقاب ، وشُكْر النعمة يكون بثلاثة أمور: يكون باللسان والتحدث بها ظاهرا ً، قال تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11] ، ويكون بالاعتراف بها باطناً في القلب بأن يعترف أن هذه النعمة لم تصل إليه إلا من الله لا بحوله ولا بقوته ، يعترف بها أنها من الله ، ولا يكفي أن يتحدث بها بلسانه ، والأمر الثالث : أن يصرفها في طاعة الله عز وجل ، ولا يصرفها في المعاصي ، فإن صرف النعم في المعاصي كفر للنعم ، فمن رزقه الله علماً فإنه يشكر الله ببذل علمه ونفع الجهال وتعليم الناس والقيام بإرشادهم وتوجيههم ، وإن أنعم الله عليه بالمال فإن شكر هذه النعمة أن يوسّع على المحتاجين وعلى الفقراء والمصابين من هذا المال الذي أعطاه الله إياه ، وإن أنعم الله عليه بالقوة في بدنه فإنه يساعد الضعفاء في أبدانهم من المرضى ومن فيهم نقص في خِلقتهم أو عيب في أجسامهم فيساعدهم على حوائجهم ، وإن أنعم الله عليه بالجاه فإنه يبذُل جاهه بالشفاعة للمحتاجين عند مَن عندهم أمور الناس ، فيشفع لهم ويتوسط لهم في قضاء حوائجهم عند مَن هي عنده ، ولا يصرف هذه النعم في معصية الله ويستعين بها على معاصي الله كما يفعله كثير من الناس ، قال تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ) [سبأ:13]، فالإنسان إذا أنعم الله عليه قد تحمله هذه النعمة على الأشر والبطر، ومن الكفر بنعمة الله إهدارها بالإسراف والتبذير بغير فائدة ، ومن الكفر بنعمة الله في المال السفر في العطل وغيرها إلى بلاد الكفار للنزهة ولضياع دينه ودنياه وقد والعياذ بالله يُضيع عِرضه ويُضيع ذريته والعياذ بالله في المِتعة الحرام ، وقد يحتال عليها بما يسمى بالعقد الصوري فيعقد عليها صورة العقد الشرعي وهو لا يريدها زوجة وإنما يريد أن يستمتع بها في ليلته أو في يومه ثم يتركها إلى أخرى ، وهكذا ، فهذا من كفر النعمة بالمال ، فيجب على من أغناه الله أن يعلم أنه مسؤول عن هذا المال يوم القيامة ، كما في الحديث : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن علمه ما عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" ، فلنتق الله في أنفسنا ، كلٌ عليه واجب الشكر على حسب ما أعطاه الله في بدنه ، في عقله ، في علمه ، في ماله ، في جاهه ، كلٌ عنده نعمة فيشكر الله على ما أعطاه من هذه النعمة ، ويَصرِفها في طاعة الله سبحانه وتعالى ، فهذا أمرٌ واجب ، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) [إبراهيم:7] يعني أخبركم ، (تَأَذَّنَ) [إبراهيم:7] يعني أخبركم ، (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] ، إن الإنسان في هذه الحياة يُبتلى ، إما أن يُبتلى بالمصائب والشدائد ، فواجبه عندها الصبر وعدم الجزع ، وانتظار الفرج ، وإما أن يُبتلى في النِعم فواجبه عندها الشكر لله عز وجل ، والدين نصفان ، نصف صبر ونصف شكر، فإذا أصاب الإنسان مصيبة فإنه يصبر ويحتسب الأجر، وإذا ضاقت عليه ضائقة فإنه يصبر وينتظر الفرج من الله عز وجل ، ولا يحمله ذلك على معصية الله ، وعلى الجزع والسخط بأقدار الله ، يصبر على ذلك ، وإن أصابته نعمة فليعلم أنها من الله لا بحوله ولا بقوته ، فيشكر الله عليها بأنواع الشكر، باللسان ، بالقلب بالتصرفات ، فإنه مسؤول عنها يوم القيامة ، كما قال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ) [التكاثر:8] ، ورد في الحديث أن الله يسأله فيقول له : "ألم نُصِّحَ جسمك ونَسقيَك من الماء البارد" ، هذا من النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة ، فعلى المسلم أن يَعرف مكانه في هذه الدنيا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له عجب إن أصابته ضراء صبر فكان ذلك خيراً له وإن أصابته نعماء شكر فكان ذلك خيراً له وليس ذلك إلا للمؤمن" ليس ذلك إلا للمؤمن ، هو الذي يتصف بصفة الصبر عند الشدائد ، وصفة الشكر عند النعم ، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه ، المثنين بها عليه وأن يتمها علينا ، وأن يجعلها عوناً لنا على طاعته ، إنه قريب مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الأسماء الحسنى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسّك بسنته واقتفى ، وسلّم تسليماً كثيراً ، أما بعد : أيها الناس إن هذه البلاد ، هذه البلاد ، أقول هذه البلاد بين العالم قد أنعم الله عليها بنعمٍ عظيمة لا توجد في بلاد العالم ، أولُها نعمة الإسلام والتوحيد والعقيدة السليمة ، حتى إن العوام والبادية يلهجون بالعقيدة الصحيحة كأنهم متعلمون ، لأنهم نشؤوا في هذه البلاد الطيبة ، نشؤوا على العقيدة الصحيحة ، سلِمت فطرتهم من الانحراف ، فهذه أكبر النعم هذه البلاد آفاء الله عليها من الأرزاق ما لا يُعد ولا يُحصى ، والعالم حولها يتضورون من الجوع ، ومن قلة العيش ، هذه البلاد فيها الحرمان الشريفان ، مكة المكرمة والبيت العتيق ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يهفو إليها العالم الإسلامي من المشارق والمغارب ، يستقبلون الكعبة المشرفة في صلواتهم في اليوم والليلة خمس مرات في الفرائض وفيما لا يُحصى من النوافل ، هذه البلاد ظهر منها الإسلام ، ونزل فيها الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأنارت العالم كله من هذه البلاد ، فيجب علينا أن نشكر على الله على هذه النعمة ، إن الكفار يحاولون زعزعة الأمن عندنا ، يحاولون تفريق جماعتنا ، يحاولون أن يشتتوا المسلمين في كل مكان ، وينشرون هذا في وسائل إعلامهم ، وفي الشبكات الشيطانية التي تسمى بالشبكات العنكبوتية ، وكرّم الله العنكبوت عن هذه الخبائث ، ولكنها الشبكات الشيطانية التي يستخدمها شياطين الإنس والجن لإضلال الناس ، ويسهر عليها كثير من الناس ، يسهرون عليها ، ويُمضون عليها أوقاتَهم ، وقد يضيّعون الصلوات بمتابعتها ، فتمتلئ نفوسهم وأفكارهم وقلوبُهم من الرعب ومن الخوف ومن الأفكار السيئة ، هذا ما يريده الكفار، فعلينا أن نعرِف هذا ، وأن نتحاذر من هذا ، وأن نُخلي بيوتنا من هذه الشبكات الملعونة أن نُخلي بيوتنا ، تسلم ذرارينا وبناتنا وأولادنا ونساؤنا ، تسلم من هذه الأفكار المبثوثة ، التي أصبحت ديدن كثيرٍ من الناس ، نسوا ما هم فيه من النعمة ، ونسوا ما هم فيه من الخير، أصبحوا لا يتحدثون إلا بهذه الأمور وهذه التشويشات ، لا تغرنكم هذه الأمور، أقبلوا على ذكر الله ، وعلى طاعة الله ، أقبلوا على الدعاء ، أقبلوا على الصلاة ، ولن يضركم شيء بحول الله ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل:128]، ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة ، فإن يد الله على الجماعة ، ومن شذ شذ في النار، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] .
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين ، الأئمةِ المَهدِيِّين ، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين ، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين ، ودمِّرْ أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين ، اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم آمنا في دورنا ، وأصلح ولاة أمورنا ، واجعلهم هداة مهتدين ، اللهم خذ بنواصيهم إلى الحق ، اللهم أصلح بطانتهم ، اللهم أبعد عنهم بطانة السوء ، اللهم وفقهم لما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين وصلاح البلاد والعباد يا رب العالمين ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين ، اللهم ادفع عنا من البلاء ما لا يدفعه سواك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، اللهم اكفنا شرورهم إنك على كل شيء قدير.
عبادَ الله ، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91] ، فاذكروا اللهَ يذكرْكم ، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون .
|