الْمكاسب العشر لمن يصلي صلاة الفجر 13/شوال/1438هـ الخطبة الأولى : إِنَّ الحمدَ للهِ
نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ
أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا
إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا
أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
)) ، أما بعد: فإن خير الكلام كلام
الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة
بدعة ، وكل بدعة ضلالة . أيها المؤمنون عباد الله : اختبار رباني يومي ، فرضه الله على عباده المؤمنين
... الناجون فيه لهم من ربهم مواهب ومكاسب جليلة . والمخفقون فيه يخسرون خيراً كثيراً . هذا الاختبار اليومي .. هو صلاة الفجر . صلاة الفجر .. ابتلى الله العباد واختبرهم بجعلها
في منتهى نوم الليل الذي يكون فيه الاستغراق .. فيحتاج الصحو والقيام لها إلى مجاهدة
للنفس ، ومغالبة للهوى وشهوة النوم ، ومقاومة لتخذيل الشيطان وعقده الثلاث . فما مكاسب أهل صلاة الفجر ؟ وهي خسائر للمضيعين
المتخلفين عنها . أول مكاسب المصلي صلاة الفجر : أنه يملك عهداً يومياً من الله أن يدخله الجنة وينجيه
من النار . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَمْسُ صَلَوَاتٍ
كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ وَلَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ
شَيْئًا ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ
يَأْتِ بِهِنَّ أَوْ ضَيّع مِنْهُنَّ شَيْئاَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ،
إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ ) ، والمحافظ على صلاة الفجر
حري بالمحافظة على بقية الصلوات . بل يربط النبي صلى الله عليه وسلم الحصول على أعلى
لذات نعيم الجنة بشهود صلاة الفجر والعصر ، فيقول عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّكُمْ
سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر, لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ
، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فَافْعَلُوا) حديث صحيح رواه ابن حبان . وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا
) فمن صلى الفجر والعصر له أمان أيضاً من دخول النار . الثانية من مكاسب المصلي صلاة الفجر : الدخول في ذمة الله وجواره ذلك اليوم . ففي صحيح
مسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ
اللَّهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَمَنْ يَطْلُبْهُ
مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
) فأي أمان وسكينة وطمأنينة تحل في قلب من كان في ذمة الله وجواره . وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم لِمعاذ بن جبل رضي الله عنه : ( لا تترُكَنَّ صلاةً مَكْتوبةً متعمِّدًا
، فإنَّ مَنْ ترَكَ صلاةً مَكْتوبةَ مُتَعمِّدًا ، فقد برئَت منهُ ذمَّةُ اللَّهِ )
حديث حسن أخرجه أحمد . الثالثة من مكاسب المصلي صلاة الفجر : نيل ثواب قيام الليل كله وإن بات نائماً ، ففي صحيح
مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ
فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا
صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ).. فضل عظيم ... فبشرى للمحافظين على صلاة الفجر وعزاؤنا
للمفرطين . الرابعة من مكاسب المصلي صلاة الفجر : تكفير صغائر الذنوب التي عُمِلَت ما بين العشاء
والفجر وما أكثرها في زماننا ، حيث صارت أكثر معاصي الأسماع والأبصار والألسن تفعل
بعد العشاء أمام الشاشات وفي التجمعات والاستراحات والسهرات ، وقد جاء عن النبي صلى
الله عليه وسلم أن قال : ( تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلَّيْتُم الصُّبْحَ
غَسَلَتْهَا ) فأبشر بالنزاهة أيها المصلى ، ومن يغسل عنك أيها المتخلف ، وقال عليه
الصلاة والسلام : ( الصلوات الخمس كفارة لما بينها ) , وأحاديث أخرى شهيرة دالة على
ذلك . الخامسة من المكاسب : شهادة الملائكة عند الله بحضور صلاة الفجر . قال
الله تعالى : (( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ))
تشهدها الملائكة . وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ،
وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ
بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي
؟ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ
) فهنيئاً لأهل الفجر بهذه الشهادة المصدقة من الملائكة الكرام المقربين أمام رب العالمين
. السادسة من المكاسب : البراءة من خصلة ظاهرة من خصال المنافقين والتي
كانوا يعرفون بها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ
) رواه مسلم . وثبت عن عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما أنه قال : (كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة الفجر أسأنا به الظن ) صحيح أخرجه
ابن حبان . فَبَرِّئ نفسك أيها المؤمن من النفاق بعدم التخلف عن صلاة الفجر ... وإلا
كنت متهماً ، مُسَاءً بك الظن . السابعة من المكاسب : الاستبشار بالنور التام يوم القيامة ، قال البشير
صلى الله عليه وسلم: ( بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ
التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ، يوم تنطفئ الأنوار ، ولا يبقى إلا نور الإيمان والعمل
الصالح ، فمن كان يصلي الفجر يُرجى أن يتمم له النور (( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ
النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا )) . ربنا أتمم لنا نورنا واغفر
لنا ، وقو عزائمنا على طاعتك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور
الرحيم. الخطبة الثانية : الحمد لله حمداً كثيراً
طيباً مباركاً , ملء السموات وملء الأرض وملء مبينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد
, له الحمد حتى يرضى وله الحمد إذا رضي وله الحمد بعد الرضا , أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمد بن عبد الله النبي المرتضى والرسول
المجتبى, أعبد الناس وأخشاهم وأتقى ، وأكثرهم ذكراً وشكراً وحمداً , صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسنتهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً ،، أما بعد: الثامنة من مكاسب المصلين صلاة الفجر : حل عقد الشيطان الثلاث والإصباح بنشاط وطيب نفس
. ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : ( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ
رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ، عَلَيْكَ
لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ،
فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ
نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ) . التاسعة من المكاسب : بركة البكور ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم
لأهل البكور فقال : ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) ، وأولى الناس ببركة البكور : المصلون
صلاة الفجر . العاشرة
: الأجور والخيرات العظيمة
التي لا تخطر على بال ، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : ( وَلَوْ يَعْلَمُ
النَّاسُ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ) . فيا جُمُوع المصلين صلاة الجمعة ،،، أين أنتم في صلاة الفجر ؟ هل صلاة الفجر فرض عليكم أم سنة ؟ إنكم في بلادكم في أمن ورغدٍ من العيش ؟ فما الذي
يعوقكم ؟ اتقوا الله في صلاتكم فإنها آخر ما تفقد من دينكم
. جاهدوا أنفسكم على حضورها ، فلن يرتفع الذل والهوان
عن أمتكم إلا بالعودة الصادقة لإقامة دينكم . ويا نساء المسلمين كنَّ خير معين لأزواجكن وأبنائكن
على حضور صلاة الفجر . اللهم ردنا والمسلمين
إليك رداً جميلاً ،، اللهم أصلح حالنا وحال المسلمين مع صلاة الفجر يا أرحم
الراحمين، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء، اللهم إنا على
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنَّا نسأَلُك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة
الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى. ونسألك نعيما لا ينفد، ونسألك
قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت. ونسألك لذة
النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم زيّنا بزينة
الإيمان واجعلنا هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر
همنا ولا مبلغ علمنا ، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألْحقنا بالصالحين غير خزايا
ولا مفتونين ، اللهم ألّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات
إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا
وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها
قابليها وأتمها علينا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . عباد الله: اذكروا الله
يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|