الْمَدَاْرِسُ اَلْمُعَطَّلَةُ
} الْحَمْدُ
لِلَّهِ، الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَلَهُ
الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ وَعَظِيْمِ
سُلْطَاْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ هُوَ سُبْحَاْنَهُ، } لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ
يَشَاءُ ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً
عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ، وَاَلْسِّرَاْجُ
اَلْمُنِيْرُ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، } يَوْمَ
الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ { .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U،
وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، فَهُوَ اَلْقَاْئِلُ فِيْ كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
{، فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - جَعَلَنِيْ اَللهُ
وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e:
(( مَاْ اِجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي
مَجْلِسٍ فَتَفَرَّقُوا، وَلَمْ يَذْكُرُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُصَلُّوا
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا كَانَ مَجْلِسُهُمْ
تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))، تِرَةً أَيْ: نَقْصَاً وَحَسْرَةً
وَنَدَاْمَةً .
وَفِيْ حَدِيْثٍ
صَحِيْحٍ أَيْضَاٍ قَاْلَ e: (( مَا مِنْ
قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إِلَّا قَامُوا
عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ، وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))،
وَلَكَ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ أَنْ تَتَخَيَّلَ، جِيْفَةَ اَلْحِمَاْرِ المُنْتِنَةَ
القَذِرَةَ، وَاَللهِ لَاْ تَسْتَطِيْعُ اَلْمُرُوْرَ مِنْ حَوْلِهَاْ فَضْلَاً
مِنْ أَنْ تُمْضِيَ عَدَدَاً مِنْ اَلْسَّاْعَاْتِ جَاْلِسَاً بِقُرْبِهَاْ،
وَهَذِهِ حَاْلُ اَلْمَجَاْلِسِ اَلْخَاْلِيَةِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ U.
وَهَذَاْ مِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ أَهَمِيَّةِ اَلْمَجَاْلِسِ وَاَعْتِنَاْءِ اَلْشَّرْعِ
بِهَاْ ، وَوُجُوْبِ اِسْتِغْلَاْلِهَاْ بِمَاْ يُرْضِيْ اَللهَ U،
وَاَلْتَّحْذِيْرِ مِنْ مَجَاْلِسِ اَلْغَفْلَةِ وَاَلْلَّهْوِ .
وَمِمَّاْ يَدُلُ عَلَىْ
أَهَمِيَّةِ اَلْمَجَاْلِسِ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - اَلْفَضْلُ اَلْعَظِيْمُ وَاَلْأَجْرُ
اَلْكَبِيْرُ وَاَلْثَّوَاْبُ اَلْجَزِيْلُ، اَلَّذِيْ وَعَدَ اَللهُ U
مَنْ عَمَرَ مَجَاْلِسَهُ بِذِكْرِهِ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( مَاْ جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا
يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ
الرَّحْمَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )) .
أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ :
وَاللهِ فَرْقٌ بَيْنَ
أَنْ تُدْمِنَ رَوَاْئِحَ جِيَفِ اَلْحَمِيْرِ اَلْمُنْتِنَةِ، وَتُسَجِّلَ فِيْ مَوَاْزِيْنِ
عَمَلِكَ كَثِيْرَاً مِنْ اَلْحَسَرَاْتِ، وَبَيْنَ أَنْ تَحُفَّكَ اَلْمَلَاْئِكَةُ، وَتَغْشَاْكَ اَلْرَّحْمَةُ ، وَيَذْكُرَكَ اَللهُ فِيْمَنْ عِنْدَهُ. وَلَاْ شَكَّ
أَنْ لِجُلَسَاْئِكَ دَوْرٌ فَعَّاْلٌ فِيْ
ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ عَلَيْكَ أَنْ تَخْتَاْرَ مَنْ تُجَاْلِسْ، يَقُوْلُ e
فِيْ اَلْحَدِيْثِ صَحِيْحِ اَلْإِسْنَاْدِ: (( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ
الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ
وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً،
وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا تَجِدَ مِنْهُ رِيْحَاً
خَبِيْثَةً )) .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
إِنَّ مَاْ يُعَاْنِيْهُ
بَعْضُ اَلْمُسْلِمِيْنَ اَلْيَوْمَ، مِنْ غَفْلَةٍ وَجَهْلٍ وَبُعْدٍ عَنْ اَللهِ
U، سَبَبُهُ اَلْمَجَاْلِسُ، فَاَلْمَجَاْلِسُ مَدَاْرِسْ، وَقدْ أَدْرَكْنَاْ
مِنْ كِبَاْرِ اَلْسِّنِّ مَنْ يَحْفَظُ كَثِيْرَاً مِنْ اَلْأَحَاْدِيْثِ اَلْنَّبَوُيَّةِ،
وَاَلْقَصَصِ اَلْإِسْلَاْمِيَّةِ، وَاَلْآدَاْبِ اَلْشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ أُمِيٌّ
لَاْ يَعْرِفُ قِرَاْءَةً وَلَاْ كِتَاْبَةً، وَلَكِنَّهُ تَعَلَمَهَاْ مِنْ اَلْمُجَاْلِسِ،
اَلْمَجَاْلِسُ اَلَّتِيْ خَرَّجَتْ لَنَاْ أَجْيَاْلَاً عَلَىْ مُسْتَوَىً رَفِيْعٍ
مِنْ اَلْآدَاْبِ وَاَلْقِيَمِ وَاَلْأَخْلَاْقِ .
بَلْ وَجَدْنَاْ
جَدَّاْتِنَاْ وَبَعْضَ أُمَّهَاْتِنَاْ، حَاْفِظَاْتٍ لِمَاْ لَاْ يَحْفَظُهُ
كَثِيْرٌ مِنْ اَلْرِّجَاْلِ فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْنِ، اِسْأَلْهُمْ عَنْ
اَلْأُصُوْلِ اَلْثَّلَاْثَةِ وَأَنْوَاْعِ اَلْتَّوْحِيْدِ تَجِدُهُمْ كَمَاْ
قَاْلَ اَلْشَّاْعِرُ :
لَاْ بَأْسَ بِاَلْقَوْمِ
مِنْ طُوْلٍ وَمِنْ عِظَمٍ
جِسْمُ اَلْبِغَاْلِ وَأَحْلَاْمُ اَلْعَصَاْفِيْرِ
لَاْ تَسْمَعُ فِيْ مَجَاْلِسِهِمْ
إِلَّاْ اَلْغِيْبَةَ وَاَلْنَّمِيْمَةَ وَاَلْاِسْتِهْزَاْءَ، وَمَاْ يُشْبِهُ جِيْفَةَ
اَلْحِمَاْرِ، إِلَّاْ أَنَّهُ مُغَلَّفٌ بِمَاْ تُسَوِّغُهُ لَهُمْ نُفُوْسُهُمْ
اَلْمَرِيْضَةُ، وَشَيَاْطِيْنُهُمْ مِنْ اَلْجِنِّ وَاَلْإِنْسِ، وَلِذَلِكَ صَاْرَتْ
اَلْمَجَاْلِسُ مَدَاْرِسَ مُعَطَّلَةً، بَلْ مَدَاْرِسَ لِلْرَّذِيْلَةِ وَاَلْحَرَاْمِ
وَمَاْ يُغْضِبُ اَلْرَّحْمَنَ، وَمَاْ يَتَنَاْفَىْ مَعَ آدَاْبِ وَأَخْلَاْقِ
وَقِيَمِ اَلْإِسْلَاْمِ، اَللهُ اَلْمُسْتَعَاْنُ
- أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - أَيْنَ تِلْكَ اَلْمَجَاْلِس ، اَلَّتِيْ تُغَذِّيْ اَلْعُقُوْلَ
بِاَلْدُرُوْسِ وَالمَوَاْعِظِ وَاَلْعِبَرِ، وَتُعَلِّمُ اَلْشَّجَاْعَةَ وَاَلْعَفَاْفَ،
وَتَغْرِسُ فِيْ اَلْنُّفْوْسِ مَبَاْدِئَ اَلْشَّهَاْمَةِ وَاَلْرُّجُوْلَةِ.
كَاْنَ اَلْأَبْنَاْءُ
يَتَعَلَّمُوْنَ اَلْآدَاْبَ فِيْ مَجَاْلِسِ آبَاْئِهِمْ، فَتَجِدُ اَلْوَاْحِدَ
مِنْهُمْ رَجُلَاً، قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ اَلْرِّجَاْلِ، يَقُوْمُ بِوَاْجِبَاْتِهِ
دُوْنَ تَقْصِيْرٍ وَلَاْ إِهْمَاْلٍ وَلَاْ جَهْلٍ، خِرِّيْجُ مَدْرَسَةَ أَبِيْهِ،
وَأَمَّاْ فِيْ زَمَاْنِ تَعْطِيْلِ اَلْمَجَاْلِسِ، وَاَسْتِبْدَاْلِهَاْ بِاَلْاِسْتِرَاْحَاْتِ،
اَلْوَاْلِدُ يَلْعَبُ اَلْوَرَقَ وَيُشَاْهِدُ اَلْمُسَلْسَلَاْتِ ويُقَلّب شَاشَةُ
جَوّالِهِ بَيْنَ الْمَوَاقِعِ وَالبَرَامِجْ وَغَيْرِهَاْ بِاِسْتِرَاْحَتِهِ، وَاَلْاِبْنُ
مَعَ شِلَّتِهِ بِسَيَّاْرَتِهِ أَوْ بِاِسْتِرَاْحَتِهِ أَيْضَاً، وَاَلْمَجْلِسُ
غَبَّرَ فَرْشُهُ، وَعَشْعَشَتِ اَلْعَنَاْكِبُ فِيْ زَوَاْيَاْهُ، تَمُرُّ عَلَيْهِ
اَلْشُّهُوْرُ تِلْوَ اَلْشُّهُوْرِ مَاْ فُتِحَتْ أَبْوَاْبُهُ، لَاْ تَغْشَاْهُ
رَحْمَةٌ، وَلَاْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ سَكِيْنَةٌ، وَاَلْنَّتِيْجَةُ هِيَ مَاْ تُشَاْهِدُوْنَ
فِيْ اَلْمُجْتَمَعِ، اَلْبَنَاْتُ يَرْقِصْنَ عَلَىْ اَلْشِّيْلَاْتِ، وَاَلْأَبْنَاْءُ
يُفَحِّطُوْنَ عَلَىْ اَلْسَّيَّاْرَاْتِ، وَاَلْرِجَاْلُ هَمُّهُمْ اَلْمَلَذَّاْتُ
وَاَلْشَّهَوَاْتُ ، وَاَلْقَضَاْءُ عَلَىْ اَلْأَوْقَاْتِ.
فَلْنَتَّقِ اَللهَ - أَحِبَتِيْ
فِيْ اَللهِ-، وَلْنَحْفَظْ مَجَاْلِسَنَاْ بِمَاْ يُرْضِيْ رَبِّنَاْ، وَبِمَاْ
يَعُوْدُ بِاَلْخَيْرِ عَلَىْ أَنْفُسِنَاْ وَأَبْنَاْئِنَاْ، وَكَمَاْ قَاْلَ
تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } وَقَدْ نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا
وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ
وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا { .
بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ
وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فِيْهِ
مِنْ اَلْآيَاْتِ وَالْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ
وَأَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ
اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ
إِحْسَاْنِهِ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ
تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ
الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ
وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
إِنَّ تَعْطِيْلَ دَوْرِ
اَلْمَجَاْلِسِ يُعَطِّلُ كَثِيْرَاً مِنْ اَلْآدَاْبِ، وَيُجْهَلُ بِسَبَبِهِ بَعْضُ
اَلْأَحْكَاْمِ، وَاَلْوَاْقِعُ خَيْرُ بُرْهَاْنٍ، فَكَثِيْرٌ مِنْ اَلْنَّاْسِ مَنْ
لَاْ يَعْرِفُ آدَاْبَ اَلْضِّيَاْفَةِ، وَلَاْ آدَاْبَ اَلْمَجْلِسِ، وَلَاْ آدَاْبَ
اَلْسَّلَاْمِ، وَلَاْ آدَاْبَ اَلْكَلَاْمِ، وَلَاْ آدَاْبَ اَلْطَّعَاْمِ، وَلَاْ
آدَاْبَ اَلْعِطَاْسِ، بَلْ وَلَاْ آدَاْبَ اَلْلِّبَاْسِ، وَاَلْسَّبَبُ هُوَ أَنَّ
مَجَاْلِسَنَاْ صَاْرَتْ مَدَاْرِسَ مُعَطَّلَةٌ، وَهَذَاْ أَمْرٌ لَاْ يَنْبَغِيْ
، يَقُوْلُ اَلْإِمَاْمُ اَلْغَزَاْلِيُّ - رَحِمَهُ اَللهُ -: يَنْبَغِيْ لِلْأَبِ
أَنْ يُعَوَّدَ اِبْنَهُ أَلَّاْ يَبْصِقُ فِيْ مَجْلِسِهِ، وَلَاْ يَمْتَخِطُ، وَلَاْ
يَتَثَاْءَبُ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ ، وَلَاْ يَسْتَدْبِرُ غَيْرَهُ، وَلَاْ يَضَعُ
رِجْلَاً عَلَىْ رِجْلٍ، وَلَاْ يَضَعُ كَفَّهُ تَحْتَ ذِقْنِهِ، وَلَاْ يَعْمَدُ
رَأْسَهُ بِسَاْعِدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيْلُ اَلْكَسَلِ ، وَيُعَلَّمُ كَيْفِيَّةَ
اَلْجُلُوْسِ، وَيُمْنَعُ لَغْوَ اَلْكَلَاْمِ وَفُحْشِهِ.
وَهَذِهِ اَلْآدَاْبُ اَلَّتِيْ
ذَكَرَ اَلْغَزَاْلِيُّ، لَوْ تَمَكَّنَ اَلْأَبُ مِنْ تَعْوُيْدِ وَلَدِهِ عَلَيْهَاْ
لَكَاْنَ اَلْوَلَدُ وَأَبُوْهُ قِدْوَةً حَسَنَةً لِغَيْرِهِمْ، وَنُمُوْذَجَاً إِسْلَاْمِيَّاً
يُحْتَذَىْ، كَمَاْ قَاْلَ أَحَدُهُمْ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
هُنَاْكَ ظَاْهِرَتَاْنِ
سَيِّئَتَاْنِ، لَهُمَاْ دَوْرٌ هَاْمٌ فِيْ ضَيَاْعِ مَكَاْنَةِ اَلْمَجَاْلِسِ إِنْ
وُجِدَتْ، اَلْأُوْلَىْ: اَلْاِنْشِغَاْلُ بِأَجْهِزَةِ اَلْاِتِّصَاْلِ، يَجْلُسُ
مَعَكَ بَعْضُهُمْ، بِقَاْلِبِهِ وَقَلْبُهُ مَعَ جَوَّاْلِهِ، يَكْتُبُ اَلْرَّسَاْئِلَ
وَيَتَبَاْدَلُ اَلْمَقَاْطِعُ، غَيْرَ مُبَاْلٍ بِمَنْ فِيْ مَجْلِسِهِ، وَإِنْ دَلَّ
هَذَاْ عَلَىْ شَيْءٍ، فَإِنَّمَاْ يَدُلُّ عَلَىْ قِلَّةِ اَلْأَدَبِ، وَخَاْصَةً
أَدَبَ اَلْمَجْلِسِ .
وَأَمَّاْ اَلْثَّاْنِيَةُ
فَهِيَ اَلْتَّنَاْجِي. فَتَجِدُ أَهْلَ اَلْمَجْلِسِ فِيْ مَجْلِسٍ وَاْحِدٍ،
وَلَكِنْ كُلَّ اِثْنَيْنِ مِنْهُمْ، يُنَاْجِيْ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً، وَقَدْ لَاْ
يَسْلَمُ بَعْضُ اَلْجَاْلِسِيْنَ مِنْ مُنَاْجَاْتِهِمْ. وَهَذِهِ أَيْضَاً
تُنَاْفِيْ اَلْأَخْلَاْقَ اَلْإِسْلَاْمِيَّةَ ، وَاَلْآدَاْبَ اَلْشَّرْعِيَّةَ .
اَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يُوْقِظَ قُلُوْبَنَاْ مِنْ غَفْلَتِهَاْ، وَأَنْ يُعِيْدَ
لِمَجَاْلِسِنَاْ مَكَاْنَتَهَاْ، وَلِأُمَّتِنَاْ هَيْبَتَهَاْ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ
مُجِيْبٌ.
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ
اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ
بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً: } إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e:
(( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً
وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ))، فَاَلْلَّهُمَّ صَلِ
وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىْ آلِهِ
وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ
وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ
اَلْدِّيْنِ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ
يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ عِزَّ
اَلْإِسْلَاْمِ وَنَصْرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ
وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ، وَاَجْعَلْ
بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ. اَلْلَّهُمَّ
إِنَّاْ نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِيْ عَلْيَاْئِكَ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاْءُ
إِلَيْكَ، أَنْ تُغِيْثَ قُلُوْبَنَاْ بِاَلْإِيْمَاْنِ، وَبِلَاْدَنَاْ بِاَلْأَمْطَاْرِ
، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ،
اَلْلَّهُمَّ أَسْقِنَاْ اَلْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ،
اَلْلَّهُمَّ اَسْقِنَاْ غَيْثَاً مُغِيْثَاً هَنِيْئَاً مَرِيْعَاً سَحَّاً غَدَقَاً
مُجَلِّلَاً نَاْفِعَاً غَيْرَ ضَاْرٍ ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ ، غَيْثَاً تُغِيْثُ
بِهِ اَلْبِلَاْدَ وَاَلْعِبَاْد، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِ بِلَاْدَكَ وَعِبَاْدَكَ وَبَهَاْئِمَكَ
، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |