الداعية و الطاغية
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْقَاْئِلِ : } قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، } وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ، وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ عز وجل }وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ : } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
يَقُوْلُ U: } إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا {، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ e خَطِيبًا ، بِمَاءٍ يُدْعَى : خُمًّا ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : (( أَمَّا بَعْدُ ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي ، فأجيب ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ : أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ )) ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ .
وَفِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، عَنْ أَبِيْ شُرَيْحٍ اَلْخُزَاْعِيِّ ، قَاْلَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ e فَقَالَ : (( أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ )) فَقُلْنَا : نَعَمْ أَوْ بَلَى ، قَالَ e : (( فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بَيْدِ اللهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ ، فَتَمَسَّكُوا به ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا )) .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
فَاَلْقُرَّآنُ اَلْكَرِيْمُ ، هُوَ حَبْلُ اَللهِ اَلْمَتِيْن ، مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ فَاْزَ بِجَنَّةِ اَلْنَّعِيْمِ ، وَنَجَىْ مِنْ عَذَاْبِ اَلْجَحِيْمِ ، وَمِمَّاْ جَاْءَ بِهِ ، آدَاْبُ اَلْنَّاْسِ مَعَ حُكَّاْمِهِمْ ، وَلَعَلَّنَاْ نَكْتَفِيْ بِقُصَّةِ نَبِيِ اَللهِ مُوْسَىْ ـ عَلَيْهِ وَعَلَىْ نَبِيِّنَاْ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ ـ ، مَعَ أَعْظَمِ طَاْغِيَةٍ عَرَفَتْهُ اَلْبَشَرِيَّةُ ، فِرْعَوْنَ ، يَقُوْلُ U : } إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ، وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ، يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ { .
فَاَللهُ U أَرْسَلَ مُوْسَىْ اَلْنَّبِيَ اَلْدَّاْعِيَة ، إِلَىْ فِرْعَوْنَ ، اَلْحَاْكُمِ اَلْطَّاْغِيَة ، فَلَمْ يَلْبَسْ حِزَاْمَاً نَاْسِفَاً ، وَلَمْ يَكُنْ مُدَاْهِنَاً مُتَلَوِّنَاً ، إِنَّمَاْ فَعَلَ مَاْ أَمَرَهُ رَبُّهُ U بِهِ ، } اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى { ، يَقُوْلُ اَلْقُرْطَبِيُ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ فِيْ تَفْسِيْرِهِ : فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: } فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً { : دَلِيْلٌ عَلَىْ جَوَاْزِ اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِاللَّيِّنِ مِنَ الْقَوْلِ لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّةُ ، وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ .
فَمُوْسَىْ ـ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ـ ذَهَبَ إِلَىْ فِرْعَوْنَ ، وَدَعَاْهُ إِلَىْ اَللهِ U ، حَسَبَ اَلْطَّرِيْقَةِ اَلَّتِيْ أَمَرَهُ اَللهُ U بِهَاْ ، سَأَلَهُ وَأَجَاْبَهُ ، وَاَتَّهَمَهُ بِاَلْسِّحْرِ ، وَجَاْءَ فِرْعَوْنُ بِسَحَرَتِهِ ، فَغَلَبَهُمْ مُوْسَىْ بِعَصَاْهُ ، اَلَّتِيْ هِيَ آيَةٌ مِنْ آيَاْتِ رَبِّهِ ، وَآمَنَ اَلْسَّحَرَةُ بِاَللهِ U ، وَصَدَّقُوْا بِرِسَاْلَةِ نَبِيِّهِ مُوْسَىْ ، وَتَوَعَدَهُمْ فِرْعَوْنُ قَاْئِلَاً ، كَمَاْ ذَكَرَ اَللهُ U فِيْ كِتَاْبِهِ: } فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ، قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ، إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ، فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ، وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ، قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ، فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ، إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ، وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ، وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى { ، فَمَاْذَاْ كَاْنَ قَرَاْرُ فِرْعَوْنَ ، اِسْمَعُوْهُ مِنْ قَوْلِ اَللهِ تَعَاْلَىْ : } قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ { ، قَرَاْرٌ خَطِيْرٌ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ يُقَتِّلُ اَلْأَطْفَاْلَ ، وَيَسْتَعْبِدُ اَلْنِّسَاْءَ ، فَمَاْذَاْ فَعَلَ مُوْسَىْ ؟ هَلْ خَرَجَ بِاَلْمُؤْمِنِيْنَ مَعَهُ لِلْمُظَاْهَرَاْتِ اِحْتِجَاْجَاً عَلَىْ هَذَاْ اَلْقَرَاْرِ ؟ أَوْ أَمَرَهُمْ بِاَلْإِعْتِصَاْمِ ، حَتَّىْ يَعْدِلُ فِرْعَوْنُ عَنْ قَرَاْرِهِ ، لَاْ وَاَللهِ ، قَاْلَ كَمَاْ قَاْلَ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ، اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {. فَاَلْإِسْتِعَاْنَةُ بِاَللهِ U وَاَلْصَّبْرُ، أَمْرَاْنِ مَطْلُوْبَاْنِ مِنْ اَلْمُؤْمِنِ، عِنْدَمَاْ يُبْتَلَىْ بِطَاْغِيَةٍ كَفِرْعَوْنَ ، يَدَّعِيْ اَلْرُّبُوْبِيَةَ ، وَيُقَتِّلُ اَلْأَطْفَاْلَ ، وَيَسْتِخْدِمُ اَلْنِّسَاْءَ ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ ، وَلَذَلِكَ جَاْءَ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ t : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : (( يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، وَسَيَقُومُ فِيكُمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إنْسٍ )) ، يَقُوْلُ حُذَيْفَةُ : قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَدْرَكْت ذَلِكَ ؟ قَالَ e : (( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُك وَأُخِذَ مَالُك فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )) . اِسْمَعْ وَاَطِعْ ، لَاْ تُكَفِّرُ وَلَاْ تُفَجِّرُ ، وَلَاْ تُظَاْهِرُ وَلَاْ تَعْتَصِمُ ، وَلَاْ تُهَيِّجُ وَلَاْ تُحَرِّضُ .
فَمَوْسَىْ ـ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ـ أَمَرَ مَنْ مَعَهُ ، بِاَلْإِسْتِعَاْنَةُ بِاَللهِ وَاَلْصَّبْرِ ، فَاَسْتَعَاْنُوْا بِاَللهِ وَصَبَرُوْا ، حَتَّىْ جَاْءَ أَمْرُ اَللهِ U لَهُمْ مَعَ نَبِيِهِمْ بِاَلْخُرُوْجِ مِنْ مِصْرَ ، فَخَرَجُوْا وَاْتَّبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُوْدُهُ ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ : } فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ، وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ { .
نَجَىْ مُوْسَىْ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، وَغَرِقَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ اَلْكَاْفِرِيْنَ ، وَكَمَاْ قَاْلَ U : } إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ { .
بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآْنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
نَجَىْ مُوْسَىْ وَاَلْمُؤْمِنُوْنَ مَعَهُ ، وَهَلَكَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ ، فَتَوَجَّهَ مُوْسَىْ ـ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ـ إِلَىْ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ ، وَأَمَرَ قَوْمَهُ بِاَلْدُّخُوْلِ ، كَمَاْ قَاْلَ U : } وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ { ، فَرَفَضُوْا اَلْدُّخُوْلَ ، كَمَاْ قَاْلَ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ : } قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ، قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ { ، فَعَاْقَبَهُمُ اَللهُ U ، بِأَنْ يَتِيْهُوْنَ فِيْ اَلْأَرْضِ ، كَمَاْ قَاْلَ U : } قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ { ، وَخِلَاْلَ هَذِهِ اَلْفَتْرَةِ ، تُوُفِّيَ مُوْسَىْ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ، وَاَلْشَّاْهِدُ مِنْ ذَلِكَ : أَنَّ مُوْسَىْ ، بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ ، وَاَنْتِهَاْءِ حُكُوْمَتِهِ وَزَوَاْلِ سُلْطَتِهِ ، لَمْ يَرْجِعْ إِلَىْ مِصْرَ لِيَسْكُنَ قُصُوْرَهُ ، وَيَسْتَوْلِىْ عَلَىْ مُلْكِهِ ، لِأَنَّهُ صَاْحِبُ دَعْوَةٍ ، وَمُبَلِّغُ رِسَاْلَةٍ ، لَمْ يَكُنْ طَاْلِبَ سُلْطَةٍ ، وَلَاْ قَاْصِدَ زَعَاْمَةٍ ، وَلَاْ سَاْعٍ لِدَوْلَةٍ
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
فَمِنْ خِلَاْلِ قِصَّةِ مُوْسَىْ اَلْدَّاْعِيَةِ ، مَعَ فِرْعَوْنَ اَلْطَّاْغِيَةِ ، يَتَبَيَّنُ لَنَاْ : أَنَّ اَلْدَّعْوَةَ إِلَىْ اَللهِ U ، لَاْ تَنْجَحُ وَلَنْ تَكُوْنَ فَعَّاْلَةً مُؤَثِّرَةً ، إِلَّاْ إِذَاْ كَاْنَتْ حَسَبَ تَوْجِيْهِ اَلْكِتَاْبِ وَاَلْسُّنَّةِ ، خَالِصَةً لِوَجْهِ اَللهِ U ، لَاْ لِطَلَبِ سُلْطَةٍ أَوْ زَعَاْمَةٍ أَوْ رِئَاْسَةٍ أَوْ مَاْلٍ أَوْ جَاْهٍ ، فَصَدَقَ اَللهُ : } لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ، مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ { .
جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ بِهِ ، اَلْعَاْمِلِيْنَ بِكِتَاْبِهِ ، اَلْسَّاْئِرِيْنَ عَلَىْ هَدِيِ نَبِيِّهِ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن .
اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ وَفْقْ وَلِاْةَ أَمْرِنَاْ لِهُدَاْكَ ، وَاَجْعَلْ عَمَلَهُمْ بِرِضَاْكَ ، وَاَرْزُقْهُمْ اَلْبِطَاْنَةَ اَلْصَّاْلِحَةَ اَلْنَّاْصِحَةَ ، اَلَّتِيْ تَدُلُّهُمْ عَلَىْ اَلْخَيْرِ وَتُعِيْنُهُمْ عَلَيْهِ ، وَأَبْعَدْ عَنْهُمْ بِطَاْنَةَ اَلْسُّوْءِ يَاْرَبَّ اَلْعَاْلَمِيْن .
اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ أَنْ تَكُوْنَ مَعَ رِجَاْلِ أَمْنِنَاْ ، اَلَّذِيْنَ يَحْفَظُوْنَ بِلَاْدَنَاْ ، وَيَذُوْدُوْنَ عَنْ عَقِيْدَتِنَاْ وَمُقَدَّسَاْتِنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عَوْنَاً وَنَصِيْرَاً ، وَمُعِيْنَاً وَظَهِيْرَاً ، اَلْلَّهُمَّ اَحْفِظْ أَرْوَاْحَهُمْ ، وَاَحْقِنْ دِمَاْءَهُمْ ، وَاَرْحَمْ شُهَدَاْءَهُمْ ، وَاَجْعَلْ دَاْئِرَةَ اَلْسُّوْءِ عَلَىْ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ ، اَلْلَّهُمَّ اَجْعَلْ كَيْدَ اَلْخَوَاْرِجِ وَاَلْحُوْثِيِّيْنَ وَأَذْنَاْبِهِمْ فِيْ نُحُوْرِهِمْ ، وَتَدْبِيْرَهُمْ سَبَبَاً فِيْ تَدْمِيْرِهِمْ وَاَلْقَضَاْءِ عَلَيْهِمْ ، يَاْقَوُيَ يَاْعَزِيْزَ .
اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَاْ تَشَاْءُ وَمَاْ تُرِيدُ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيْدُ ، وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ وَاَلْعَبِيْدُ ، اَلْلّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ، اللّهُمّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيّت اللّهُمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |