القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 5759 بالامس : 5497 لهذا الأسبوع : 31680 لهذا الشهر : 137805 لهذه السنة : 2713147 منذ البدء : 17376986 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (20): باب قول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾. المادة خطبة رقم (20): باب قول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾. الحمد لله جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نُزلاً، ويسر للمكلفين الأعمال وهداهم النجدين، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. أحمده - سبحانه - وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الحجة على خلقه، فهو لم يخلقهم عبثًا ولا سدى، ولم يتركهم هملاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله دعا إلى الحق وأوضح المحجة، فلا نبغي عن محجته بدلاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإِسلام بالعروة الوثقى؛ فإن أجسامكم وأقدامكم على النار لا تقوى، واعلموا أن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل؛ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. أيها المسلمون: خلق الله - سبحانه وتعالى - الملائكة من نور، وأعطاهم من القوة والعظمة ما لا يعلمه إلا هو، ليس لهم من صفات الربوبية والألوهية شيء، بل هم عباد منقادون لطاعة الله، كما قال - سبحانه وتعالى-: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]. وأفضل الملائكة جبريل - u-، إذ هو موكل بالوحي بين الله ورسله وفي الصَّحيح عن أبي هريرة - t - عن النبي r قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: 23] فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، وكذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء». عباد الله: يُخْبر الرسول r عن حال الملائكة إذا سمعت الوحي من الله جل جلاله إلى جبريل - u - يأمره بما شاء أنَّها تَفْزَع، ويصيبها الغشي تعظيمًا لله، وهيبة له، وخضعانًا لقوله، فإذا زال الفزع عن قلوبهم يتساءلون بينهم: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ﴾ فهو - سبحانه - الحق، وقوله الحق، ودعوته هي الحق: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ له العلو الكامل من جميع الوجوه: علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر: ﴿الْكَبِيرُ﴾ الذي لا أكبر منه ولا أعظم. وفي قوله تعالى-: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾ دلالة وبرهان واضح على وجوب إفراد الله بالعبادة؛ وأنه - سبحانه وتعالى - المستحق للعبادة وحده، وعلى بطلان ألوهية الملائكة، إذ أن من يعرض له الخوف والفزع والغشي لا يصلح للإِلهية، فمن عبدهم واستغاث بهم، أو دعاهم من دون الله فقد وقع في الشرك الأكبر. وقد قال بعض العلماء في هذه الآية: إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب. وفي الآية صفتان من صفات الله - سبحانه وتعالى - هما: صفة العلو لله - سبحانه وتعالى - على ما يليق بجلاله وعظمته. وصفة الكلام لله، فهو - سبحانه - يتكلم بما شاء، إذا شاء، متى شاء. عباد الله: يركب الشياطين بعضهم فوق بعضهم حتى يصلوا إلى حيث يسمعون تحدُّث الملائكة بالأمر الذي يقضيه الله في السماء، ثم تلقيه إلى الساحر أو الكاهن فربما أدرك الشهاب الشيطان المسترق لتلك الكلمة التي سمعت من السماء قبل إلقائها فأحرقه، وربما ألقى الكلمة قبل أن يدركه الشهاب لما لله - سبحانه - في ذلك من الحكمة وإلا فلا يفوته شيء - سبحانه-. ثم يكذب الكاهن أو الساحر مع تلك الكلمة التي ألقاها إليه وليّه من الشياطين مائة كذبة، ويزيد وينقص، أو يكذب الشيطان مع الكلمة التي استرقها مائة كذبة، فيغتر أهل السفه والجهل وضعاف النفوس، فيتعلقون بالكاهن من أجل صدْقه مرة واحدة، وأمَّا مائة كذبة فلا يعتبرون بها، والشيء إذا كان فيه شيء من الحق لا يدل على أنه حق كله، فالسحر والكهانة، باطلة مبنية على الكفر بالله العظيم. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله-: والآيات المذكورة في هذا الباب والأحاديث تقرر التوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، فإن الملك العظيم الذي تصعق الأملاك من كلامه خوفًا منه ومهابة، وترجف منه المخلوقات، الكامل في ذاته وصفاته وعلمه وقدرته وملكه وعزه وغناه عن جميع خلقه، وافتقارهم جميعًا إليه ونفوذ قدره وتصرفه فيهم بعلمه وحكمته، لا يجوز شرعًا ولا عقلاً أن يُجعل له شريك من خلقه في عبادته التي هي حقه عليهم، فكيف يجعل المربوب ربًا والعبد معبودًا؟! أين ذهبت عقول المشركين؟! - سبحان الله عما يشركون-. وعن النواس بن سمعان - t - قال: قال رسول الله r: «إذا أراد الله أن يوحي بالأمر، تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة» أو قال: «رعدة شديدة، خوفًا من الله - عز وجل - فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء، سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي على حيث أمره الله - عز وجل -». أيها المسلمون: تفرد الله - عز وجل - بالعظمة والجلال، وجميع ما في الكون خاضع له، فإذا تكلم بما شاء من وحيه في جميع الأمور التي يقضيها، تصيب السماوات من كلامه رجفة، أو رعدة شديدة خوفًا منه - سبحانه - وهيبة له، وهذا دليل صريح على أن السماوات تسمع كلام الله، وتخاف منه، وقد أخبر - سبحانه - في كتابه أن هذه المخلوقات العظيمة تدرك عظمة ربها وتسبحه وتقدسه، قال - تعالى-: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: 44]. وإذا كانت السماوات العظيمة تدرك عظمة الله وتخافه وهي جمادات فكيف لا يخافه الإِنسان الضعيف المسكين. إن تعظيم الله وإجلاله والخوف منه يدفع العبد إلى فعل الطاعات وترك المحرمات، وإذا سكن الخوف القلب أحرق الشهوات. وفي الحديث تُصعق الملائكة عند سماع كلام الله، وتخر بالسجود تعظيمًا وهيبةً له، وخوفًا منه، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل - u - فيوحي الله - سبحانه - إليه بما أراده من أمره ثم يمر جبريل على الملائكة، وكلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال رُبنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله - عز وجل - من السماء والأرض. إن الله - عز وجل - الذي تصعق الملائكة عند سماع كلامه خوفًا ومهابة، والسموات على عظمتها وسعتها ترجف ويُصعق من فيها هيبة له وخوفًا منه هو المستحق للعبادة وحده، فالواجب علينا إفراده بها. إذ لا يجوز شرعًا ولا عقلاً، أن يُجعل لله شريك من خلقه في عبادته، وجميع الخلق عباد له. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: 93 – 95]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله جل جلاله، وعظم ثناؤه، وتقدست أسماؤه، - سبحانه - بحمده، لا تحصى نعماؤه، أحمده - سبحانه - وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، المبعوث بالهدى ودين الحق، ارتفعت به أعلامه، وعلا ضياؤه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، هم بدور الدجى وسناؤه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا صالحًا، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله. أيها المسلمون: ذم الله من لم يقدره حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه، فأخبر أنه لم يقدره حق قدره؛ من أنكر إرساله للرسل، وإنزال كتبه عليهم، ولم يقدره حق قدره من عبد معه إلهًا آخر، ولم يقدره حق قدره من جحد صفات كماله، ونعوت جلاله. والإيمان به - سبحانه - لا يتم إلا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلا بتعظيم أمره ونهيه فعلى قدر تعظيم العبد لله - سبحانه - يكون تعظيمه لأمره ونهيه، وتعظيم الأمر يدل على تعظيم الآمر، وأول مراتب تعظيم الآمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة إليه رغم القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإِتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأمورً به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر فإن ورد الشرع بذكر حكمة الأمر، أو فقهها العقل كانت زيادة في البصيرة والداعية إلى الامتثال، وإن لم تظهر له حكمته لم يوهن ذلك انقياده ولم يقدح في امتثاله. فأطيعوا ربكم وعظموا أمره ونهيه، واعرفوا له حقه، فإن أمامكم الجزاء والحساب ثم المنصرف إلى جنة أو نار. جعلنى الله وإياكم من أهل جنته ممن ينادون في ذلك الموقف العظيم: ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: 49].
.......... انتهت الخطبة التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|