القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 5986 بالامس : 5497 لهذا الأسبوع : 31907 لهذا الشهر : 138032 لهذه السنة : 2713374 منذ البدء : 17377213 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (16): باب من الشرك النذر لغير الله المادة خطبة رقم (16): باب من الشرك النذر لغير الله. الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه واستغفره، رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، حَمى حِمى التوحيد، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، آمنوا بربهم وأخلصوا له واستقاموا على أمره فأنجز لهم ما وعدهم عزًا في الدنيا وحسن ثواب في الآخرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم ونفسي، بتقوى الله - عز وجل-، فتقوى الله أكرم ما أسررتم وأجمل ما أظهرتم، وأفضل ما ادخرتم، نسأل الله الإِعانة على لزومها والثبات عليها. عباد الله: لم يخلق الله الخلق ليتقوى بهم من ضعف، ولا ليتعزز بهم من ذلة، ولا ليستكثر بهم من قلة، فهو المُنعم المتفضل، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير، خلقهم لعبادته وطاعته، ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. ومن أنواع العبادة النذر؛ وهو أن يوجب المُكلف على نفسه شيئًا لم يكن واجبًا عليه بأصل الشرع. وقد مدح الله الذين يتعبدون له بما أوجبوه على أنفسهم من الطاعات، وهو - سبحانه - لا يمدح إلا على فعل واجب أو مستحب، أو ترك محرم، وذلك هو العبادة، قال الله - تعالى-: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: 7]. مدح الله - سبحانه المؤمنين الموفين بنذرهم؛ خلاف من ينذر ثم يتقاعس ويخلف، فدل ذلك على أنه عبادة. وقال - تعالى-: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: 270]. من سعة علم الله - جل وعلا - واطلاعه على جميع الأعمال يخبر - تعالى - أن ما أنفقناه من نفقة أو نذرناه من نذر، متقربين به إليه، أنه يعلمه، ويجازينا عليه؛ فدل ذلك على أنه عبادة. وفي قوله - تعالى-: ﴿فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ﴾ إثبات صفة العلم لله - تعالى - على ما يليق بجلاله وعظمته. وينقسم النذر إلى قسمين: الأول: نذر طاعة؛ وهو إلزام العبد نفسه بنذر فيه طاعة وقربة لله - تعالى-، والواجب على المسلم الوفاء به للحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله r قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» [رواه مسلم]. وينقسم النذر إلى نذر مطلق ونذر مقيد، فالنذر المطلق: مطلقًا ليس له سبب: كأن يقول: «لله على أن أصوم ثلاثة أيام». ونذر مقيد له سبب: كأن يقول: «لله علي إن شَفَى مريضي أن أصوم ثلاثة أيام». ويكره للمسلم أن ينذر ابتداءً لقوله r: «إن النذر لا يأتي بخير إنما يستخرج به من البخيل» [رواه البخاري ومسلم]. فعلى المسلم إذا أراد أن يفعل خيرًا فليفعله دون أن يلزم نفسه، والإِنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر فمعنى ذلك أن الطاعة ثقيلة عليه، أما إذا ظن أن الله لا يقضي حاجته إلا بنذر ففي ذلك سوء ظن بالله، إذ هو - سبحانه - المتفضل على عباده آناء الليل وأطراف النهار. الثاني من أقسام النذر: نذر معصية: وهو إلزام العبد نفسه بنذر فيه معصية لله - سبحانه وتعالى-. وهذه القسم يحرم الوفاء به، كما قال r: «ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» مثاله: كمن يقول: نذرت ألا أكلم أخي. والنذر عبادة لله من صرفها لغيره فقد وقع في الشرك الأكبر، مثل أن ينذر شيئًا من ذبح بهيمة، أو تقديم طعام، أو شراب، أو شمع، أو بخور لقبر نبي، أو ولي، أو غير ذلك، فهذا كله من التقرب للأموات، وهو من الشرك الأكبر المخرج من الملة الموجب للخلود في النار، قال - تعالى-: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا للظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ قال الفقهاء: خمسة لغير الله شرك: الركوع والسجود والنذر والذبح واليمين، والحاصل أن النذر لغير الله فجور. فمن أين تحصل لهم الأجور. قال شيخ الإسلام: وما نذره لغير الله كالأصنام والشمس والقمر ونحو ذلك، بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات، لا وفاء عليه ولا كفارة؛ وكذلك الناذر للمخلوق ليس عليه وفاء، فإن كليهما شرك، والشرك ليس له حرمة، بل عليه أن يستغفر الله، ويقول ما أمر به النبي r: «من حلف وقال في حلفه: واللات والعزى؛ فليقل لا إله إلا الله» [متفق عليه]. عباد الله: إذا قامت الأقوال والأعمال على ساق التوحيد أثمرت وأينعت وآتت أكلها وعادت بالخير والبركة على صاحبها في الدينا والآخرة، أما إذا خالطت الأقوال والأعمال شائبة من شرك كدَّرت صفوها، وسلبتها خيرها وعادت وبالاً ونكالاً على صاحبها في الدنيا والآخرة، وليس هناك أحسر ولا أخسر على العبد من أن يوافي ربه يوم القيامة بأعمال أمثال الجبال خالطها الشرك فيجعلها الله هباءًا منثورًا. قال ابن القيم - رحمه الله-: وقد قال - تعالى-: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23] فهذه هي الأعمال التي كانت في الدنيا على غير سنة رسله وطريقتهم ولغير وجهه، يجعلها الله هباءً منثورًا، لا ينتفع منها صاحبها بشيء أصلاً؛ وهذا من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة: أن يرى سعيه كله ضائعًا لم ينتفع منه بشيء وهو أحوج ما كان العامل إلى عمله، وقد سعد أهل السعي النافع بسعيهم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله المحمود على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه والتوفيق في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، كريم المزايا وشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، واستمسكوا من الإِسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم وأجسامكم على النار لا تقوى، وعليكم بلزوم جماعة المسلمين إمتثالاً لأمر ربكم. أيها المسلمون: إن مع الحياة موتًا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حسيبًا وعلى كل شيء رقيبًا، وإن كل حسنة ثوابًا ولكل سيئة عقابًا، وإن لكل أجل كتابًا، ولا بد من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريمًا أكرمك، وإن كان لئيمًا أساء لك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحًا، فإن كان صالحًا لم تستأنس إلا به؛ وإن كان سيئًا لم تستوحش إلا منه؛ وهو عملك، فأكثر من صالح العمل واستقم على دينك وصابر على تقويته، واجتنب نواهيه وأتمر بأوامره، واستمسك بأصل دينك، وقم بلوازمه، وتسلح بالعلم والإيمان والعمل الصالح، واتعظ بقـوارع العبر، وتدبر مواعظ القرآن فإنهن صوادق الخبر، واذكر الله طوال دهرك، فذكره لا فرغ له وانقضاء، وأكثر من الاستغفار على التقصير، واشكر الله على التوفيق. التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|