القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 2235 بالامس : 12790 لهذا الأسبوع : 2233 لهذا الشهر : 159500 لهذه السنة : 2734839 منذ البدء : 17398683 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (8): باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله المادة خطبة رقم (8): باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وفق من شاء من عباده للعمل بما يحبه ويرضاه، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، في السماء إله، وفي الأرض إله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، طوبى لمن والاه وتولاه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، جاهدوا في الله حق جهاده، وكان هواهم تبعًا لهداه، والتابعين ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم أن نلقاه. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - وراقبوه، فإن السعيد من قدم زادًا لأخراه. أيها المسلمون: عاب الله - عز وجل - وحذر من الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى، قال - تعالى - عنهم: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31]. أقام ربنا - سبحانه وتعالى - لعباده شريعة ومنهاجًا يصلح وفسر رسول الله r قول الله - عز وجل-: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾ لعدي بن حاتم - t-، لما قال إنهم لم يعبدوهم، فقال: «بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وحللوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم» [رواه أحمد وغيره، وحسنه الترمذي]. وقوله: ﴿وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة: 31] أي: اتخذوه ربًا بعبادتهم له: ﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ فدلت على أن من أطاع غير الله في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحله فقد اتخذه ربًا ومعبودًا، وجعله لله شريكًا، وذلك ينافي التوحيد؛ فكل معبود رب، وكل مطاع ومتبع على غير ما شرعه الله ورسوله فقد اتخذه المطيع ربًا ومعبودًا. قال شيخ الإسلام - رحمه الله-: وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا، على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على هذا التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرمه الله، أو تحريم ما أحل، اتباعًا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله شركًا. الثاني: أن يكون اعتقادهم بتحريم الحلال، وتحليل الحرام ثابتًا، لكونهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت: «إنما الطاعة في المعروف» ثم ذكر المحُرم للحلال إن كان مجتهدًا قصده اتباع الرسول r، ولكن خفي عليه الحق، وقد اتقى الله، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه؛ ولكـن من علم أن هذا خطأ ثم اتبعه، وعدل عن قول الرسول r فله نصيب من هذا الشرك، لا سيما إن اتبع في ذلك هواه، ونصره باليد واللسان، مع علمه بأنه مخالف للرسول r، فهذا شرك، وإن كان المتبع للمجتهد عاجزًا، وفعل ما يقدر عليه فلا يؤاخذ إن أخطأ. عباد الله: ذم الله حال المشركين حيث جعلوا لله أندادًا، أي: أمثالاً ونظراء، يعبدونهم معه، قال - تعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ﴾ [البقرة: 165]. أي: يسوونهم في المحبة المقتضية الذل للمحبوب، والخضوع له، كحب الله، وهو الله لا إله إلا هو، لا ضد له، ولا ند له، ولا شريك له، وكل من صرف من العبادة شيئًا لغير الله رغبة إليه، أو رهبة منه، فقد اتخذه ندًا لله، وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعًا قال: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك». ثم قال - عز وجل - ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾ من أصحاب الأنداد لأندادهم، ولحبهم له، وتمام معرفتهم به لا يشركون به شيئًا، بل يعبدونه وحده، ثم توعد المشركين بقوله - تعالى - ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ يقول: لو علموا ما يعاينونه هنا، وما يحل بهم من الأمر الفظيع على شركهم، لانتهوا عما هم فيه من الضلالة. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-: ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حبًا عظيمًا ولم يدخلهم في الإِسلام، فكيف بمن أحب الند حبًا أكبر من حب الله؟! فكيف بمن لم يُحب إلا الند وحده ولم يحب الله؟!. فمن أشرك مع الله غيره في المحبة فقد جعله شريكًا لله في العبادة، واتخذ ندًا من دون الله، وذلك هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، لقوله: ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ والمراد محبة التأله والتعظيم، المختصة برب العالمين، التي هي إحدى القاعدتين اللتين عليهما مدار العبادة. وهذا هو الذي اعترف به المشركون، وهم بين أطباق الجحيم، أنهم صاروا في الجحيم بسببه، حيث قالوا: ﴿إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 98] ومن المعلوم أنهم ما ساووهم به في الخلق والتدبير، إنما ساووهم به في هذه المحبة؛ فدلت الآية على أن من اتخذ ندًا مع الله، يحبه كمحبة الله فقد أشرك الشرك الأكبر، المنافي للتوحيد؛ فإذا عرفنا أن هذا شرك، فالتوحيد ضده، وهو أن يفرد الرب بهذه المحبة المختصة، التي هي التوحيد؛ وبذلك ظهر معنى التوحيد وتفسيره، وشهادة أن (لا إله إلا الله). وأما محبة الملائمات وهي المحبة الطبيعية فلا تكون شركًا كمحبة الجائع للطعام، ومحبة الوالد لولده، والولد لوالده. قال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - عن أقسام المحبة: الأول: أن يحب الله حبًا أشد من غيره؛ فهذا هو التوحيد. الثاني: أن يحب غير الله كمحبة الله، وهذا شرك. الثالث: أن يحب غير الله أشد حبًا من الله، وهذا أعظم مما قبله. الرابع: أن يحب غير الله وليس في قلبه محبة الله - تعالى-، وهذا أعظم وأطم. والمحبة لها أسباب ومتعلقات، وتختلف باختلاف متعلقها، كما أن الفرح يختلف باختلاف متعلقه وأسبابه، فعندما يفرح بالطرب؛ فليس هذا كفرحه بذكر الله ونحوه. حتى نوع المحبة يختلف، يحب والده ويحب ولده وبينهما فرق، ويحب الله ويحب ولده، ولكن بين المحبتين فرقًا، فجميع الأمور الباطنة في المحبة والفرح والحزن تختلف باختلاف متعلقها. ثم قال - رحمه الله-: فما بالك برجل يحب غير الله أكثر من محبته لله؟! وما بالك برجل يحب غير الله ولا يحب الله؟! فهذا أقبح وأعظم، وهذا موجود في كثير من المنتسبين للإِسلام اليوم؛ فإنَّهم يحبون أولياءهم أكثر مما يحبون الله، ولهذا لو قيل له: احلف بالله؛ حلف صادقًا أو كاذبًا، أمَّ الولي؛ فلا يحلف به إلا صادقًا، وتجد كثيرًا منهم يأتون إلى مكة والمدينة ويرون أنَّ زيارة قبل الرسول r أعظم من زيارة البيت؛ لأنَّهم يجدون في نفوسهم حبَّا لرسول الله r كحبِّ الله، أو أعظم، وهذا شرك؛ لأن الله يعلم أننا ما أحببنا رسول الله r إلا لحب الله، ولأنَّه رسول الله، فنحن نحبه بمحبة الله، لكن هؤلاء يجعلون محبة الله تابعة لمحبة الرسول r إن أحبوا الله. أيها المسلمون: في الصحيح عن النبي r أنه قال: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله: حرم ماله ودمه وحسابه على الله». علق r عصمة المال والدم؛ في هذا الحديث بأمرين. الأول: قول: (لا إله إلا الله) عن علم ويقين؛ كما قد قيد ذلك في قولها في غير ما حديث، فإن من قالها في زمن النبي r قبل وجود النفاق، لا يقولها إلا عن صدق وعمل بها، وعلم بما دلت عليه من النفي والإثبات. والثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى، بل لا بد من قولها، والعمل بها، والبراءة مما ينافيها. فإن النبي r علق عصمة الدم بالأمرين جميعًا، قولها عـن عـلم ويقين، والكفر بما يعبد من دون الله، ففيه أنه لا يحرم ماله ودمه إلا إذا قال (لا إله إلا الله)، وكفر بما يعبد من دون الله، فإن قالها ولم يكفر بما يعبد من دون الله لم يأت بما يعصم ماله ودمه، وفيه معنى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: 256]. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-: وهذا من أعظم ما يبين لك معنى (لا إله إلا الله)، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك؛ الكفر بما يُعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه، فيا لها من مسألة، ما أجلها وأعظمها! ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع. وهذا هو الشرط المصحح لقول (لا إله إلا الله)، فلا يصح قولها بدون هذه الخمس التي ذكر أصلاً، قال - تعالى-: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ﴾ [البقرة: 193] وقال: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: 5] الآية أمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن أبوا ذلك أو بعض قوتلوا إجماعًا، بل أجمعوا على أن من قال (لا إله إلا الله)، ولم يعتقد معناها، ولم يعمل بمقتضاها، أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإِثبات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ [النساء: 48]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله لا تحصى نعمه، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أنَّ نبينا رسول الله محمد، اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، فتقوى الله خير زاد. أيها المسلمون: قال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - في قوله r: «وكفر بما يُعبد من دون الله» دليل على أنَّه لا يكفي مجرد التلفظ بلا إله إلا الله، بل لا بد أن تكفر بعبادة من يُعبد من دون الله بل وتكفر أيضًا بكل كفر، فمن يقول: لا إله إلا الله، ويرى أن النصارى واليهود اليوم على دين صحيح فليس بمسلم، ومن يرى الأديان أفكارًا يختار منها ما يريد فليس بمسلم، بل الأديان عقائد مفروضة من قبل الله - عز وجل-، يخضع الناس لها. وفي الصحيحين: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» وفي رواية: «ويؤمنوا بي وبما جئت به» فلا بد من الإيمان بجميع ما جاء به الرسول r، فأيما طائفة امتنعت عن الالتزام بشريعة من شرائع الإسلام الظاهرة، فإنه يجب قتالها، كما قاتل أبو بكر مانعي الزكاة، واتفق عليه الصحابة والفقهاء. «فمن قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله عصم ماله ودمه». ثم قال r في تمام الحديث: «وحسابه على الله - عز وجل ـ»، أي: الله - تبارك وتعالى - هو الذي يتولى حسابه، وهو المطلع على السرائر، فإن كان صادقًا جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقًا عذبه العذاب الأليم، وأما في الدنيا فالحكم على الظاهر، فمن أتى بالتوحيد، والتزم بشرائعه ظاهرًا، وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك.
التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|