القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 4200 بالامس : 5497 لهذا الأسبوع : 30122 لهذا الشهر : 136246 لهذه السنة : 2711588 منذ البدء : 17375427 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (2) باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب. المادة خطبة رقم (2) باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب. الشيخ/ عبد الملك القاسم الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، أحمده - سبحانه - على هدايته وتوفيقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب لنا سواه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، فالتقوى جماع الخيرات وبها تحصل البركات. أيها المسلمون: التوحيد أوجب الواجبات وأعظم العبادات، رتب الله لمن حققه الثواب العظيم والأجر الجزيل في الدنيا والآخرة. قال شيخ الإسلام: ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة الرسول والدعوة إلى غير الله ومن تدبر هذا حق التدبر وجد هذا الأمر كذلك في نفسه عمومًا وخصوصًا. قال - سبحانه وتعالى - في سورة الأنعام: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، أي أخلصوا العبادة لله وحده، ولم يخلطوا توحيدهم بشرك، ولَبْسُ الشيء بالشيء: تغطيته به وإحاطته به من جميع جهاته، ولا يغطي الإِيمان ويحيط به ويلبسه إلا الكفر. ثم ذكر - عز وجل - ما أعد لعباده المخلصين من الجزاء: ﴿أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾، أي هم الآمنون في الدنيا والآخرة، المهتدون إلى الصراط المستقيم؛ ولما نزلت هذه الآية شق على أصحاب رسول الله r، ظنوا أن الظلم المشروط هو ظلم العبد نفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه، فقالوا: يا رسول الله وأيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: «ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك، أو لم تسمعوا إلى قول لقمان»: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13] فبين r أن من لم يلبس إيمانه بهذا الظلم كان من أهل الأمن والإهتداء، كما كان أيضًا من أهل الاصطفاء في قوله - تعالى-: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر: 32]. والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، ومنه سمُي الشرك ظلمًا، والمشرك ظالمًا؛ لأنه وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها. وهو على ثلاثة أنواع: الأول منها: ظُلم العبد نفسه بالشرك، وهو أعظم أنواع الظلم، وسُميّ الشرك ظلمًا والمشرك ظالمًا؛ لأنه وضع العبادة في غير موضعها، أو صرفها لغير مستحقها، قال - تعالى-: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾. الثاني: ظُلم العبد نفسه بالمعاصي كما في قوله - تعالى-: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 110]. الثالث: ظُلم العبد في نفس أو مال أو عرض، فمن سلم من أنواع الظلم الثلاثة كان له الأمن التام والاهتداء التام في الدنيا والآخرة، ومن سلم من الظلم الأكبر ولم يسلم من النوعين الآخرين حصل له من نقص الأمن والاهتداء على قدر ظلمه لنفسه، وظلمه للعباد، ومن لم يسلم من الظلم الأكبر لم يكن له أمن ولا اهتداء في الدنيا والآخرة. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عن عُبادة بن الصامت - t - قال: قال رسول الله r: «من شهد أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٍ منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل». اشتمل هذا الحديث العظيم - عباد الله - على أربعة أمور مهمة: الأمر الأول: شهادة أن لا إله إلا الله: ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، ولا تنفع قائلها إلا إذا كان عارفًا معناها، عاملاً بمقتضاها، سالمًا مما ينافيها، أمَّا من تلفظ بها فقط ولم يعمل بما دلت عليه لم تنفعه. والحاصل أن لا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيًا وإثباتًا، واعتقد ذلك، وقَبِلْه وعمل به، وأما من قالها من غير علم بمعناها، ولا اعتقاد ولا عمل بمقتضاها من نفي الشرك وإخلاص القول والعمل لله وحده فغير نافع بالإِجماع، بل تكون حجة عليه، والمشركون الأولون جحدوها لفظًا ومعنى، فإنه r لما قال لهم: «قولوا: لا إله إلا الله تُفلحوا»، قالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5] ومشركو زماننا قالوا بها لفظًا وجحدوها معنى، فتجد أحدهم يقولها ويأله غير الله بأنواع العبادة، بل يخلصون العبادة في الشدائد لغير الله، فهم أجهل من مشركي العرب، ومن زعم أن من أقر بأن الله وحده خالق كل شيء فهو الموحد، فليس الأمر كذلك حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه - سبحانه - وحده هو المستحق للعبادة، ويلتزم بها. الأمر الثاني: شهادة أنَّ محمدًا عبده ورسوله: الرسول r موصوف في هذا الحديث بصفتين هما: الأولى: أنه عبد لله ليس له شيء من خصائص الإلهية، وفي هذا رد على من غلا فيه، وتوجه إليه بالدعاء والاستغاثة، وغير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وحده. الثانية: أنه رسول من عند الله: أرسله الله إلى جميع الخلق، فالواجب علينا طاعته، وفي هذا رد على من ترك طاعته واتبع هواه. ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلا بما شرع. الأمر الثالث: الوارد في حديث النبي r: «أنَّ عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». وصف r عيسى - u - في هذا الحديث بأربعة أوصاف: أنه عبد الله: وفي هذا رد على النصارى الذين زعموا أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة؛ - تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-. وأنه رسوله: وفي هذا رد على اليهود الذين كذبوا برسالته، ووقعوا في عرضه. وكلمته ألقاها إلى مريم: أي خلقه الله بكلمة (كُنْ) أرسل بها جبريل - u - إلى مريم، فنفخ فيها من روحه بإذن ربه. «وروح منه»: فعيسى - u - روح من الأرواح التي خلقها الله كسائر الخلق، وإضافة الروح إلى الله - عز وجل - إضافة تشريف وتكريم. الأمر الرابع: وأنَّ الجنة حق، والنار حق: الإيمان بالجنة والنار من جملة الإيمان باليوم الآخر، ولكن خصهما الرسول r في هذه الشهادة بالذكر؛ لأنهما مستقر ونهاية الأبرار والفجار، فالجنة دار الأبرار، والنار دار الفجار. وثمرة الشهادة بالأمور الأربعة السابقة التي اشتمل عليها الحديث: دخول الجنة على ما كان من العمل. فالموحد في دخول الجنة على أحد أمرين: إما أن يلقى الله سالمًا من جميع الذنوب فيدخل الجنة من أول وهلة. أو أن يلقى الله وهو مصر على ذنب دون الشرك فهو تحت المشيئة، إن شاء - سبحانه - عفا عنه بفضله وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه بعدله ثم أدخله الجنة. عباد الله: للبخاري ومسلم من حديث عتبان: «فإنه حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». من تلفظ بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، ولم يعمل بها لم تنفعه، وقد حرم الله - عز وجل - على النار من أتى بها مخلصًا من قلبه ومات على ذلك، كما دل عليه حديث عتبان - t - الذي قيَّد حديث عبادة المطلق، بقوله: «يبتغي بذلك وجه الله». قال شيخ الإسلام وغيره: قالها بصدق وإخلاص ويقين ومات على ذلك، فإن حقيقة التوحيد: انجذاب القلب إلى الله جملة؛ بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحًا فإذا مات على تلك الحال نال ذلك، فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال (لا إله إلا الله) وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة؛ وتواترت الأحاديث بأن كثيرًا ممن يقولها يدخل النار ثم يخرج منها، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال (لا إله إلا الله)، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: 30]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخطبة الثانية الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. عباد الله: لا بد في شهادة (أن لا إله الله) من سبعة شروط؛ لا تنفع قائلها إلا باجتماعها. أحدها: العلم؛ أي العلم بمعناها المراد منها وما تنفيه وما تثبته، وهو العلم المنافي للجهل بذلك. الثاني: اليقين؛ بأن يكون قائلها مستيقنًا بما تدل عليه، فإن كان شاكًا بما تدل عليه لم تنفعه. الثالث: القبول؛ لما اقتضته هذه الكلمة من عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه. الرابع: الانقياد؛ لما دلت عليه، قال - تعالى-: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان: 22]. والعروة الوثقى: لا إله إلا الله، ومعنى يُسلم وجهه أي: ينقاد لله بالإخلاص له. الخامس: الإخلاص؛ وهو تصفية العمل من جميع شوائب الشرك، بأن لا يقصد بقولها مطامع الدنيا ولا رياء ولا سمعة. السادس: الصدق؛ وهو أن يقول هذه الكلمة مُصدقًا بها قلبه. السابع: المحبة؛ لهذه الكلمة، ولما تدل عليه، ولأهلها العاملين بمقتضاها. وركنا كلمة التوحيد: النفي والإثبات، نفي الإلهية عما سوى الله، وإثباتها لله وحده. عباد الله: هناك من الناس من يظن أن التشديد في أمر التوحيد يختص بفئة من العلماء قالت بذلك، وقد ورد عليهم الشيخ عبد الله أبابطين - رحمه الله - بقوله: قولكم: إن الشيخ تقي الدين ابن تيمية شدَّد في أمر الشرك تشديدًا لا مزيد عليه، فالله - سبحانه - هو الذي شدَّد في ذلك، لقوله - سبحانه-: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48] في موضعين من كتابه، وقال على لسان المسيح لبني إسرائيل: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ﴾ [المائدة: 72]. وقال الله - تعالى - لنبيه r: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65] وقال - تعالى-: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88]، وقال - سبحانه-: ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: 5]. وفي السُنَّة الثابتة عن النبي r من التحذير عن الشرك والتشديد فيه ما لا يُحصى، وغالب الأحاديث التي يذكر فيها r الكبائر يبدأها بالشرك، ولما ........ التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|